الحلول الناجعة للمشكلات الاجتماعية أو السياسية -غالباً - تلك التي تنبع من وجدان الشعوب والأمم... والتي يتم فيها استمزاج مختلف رؤى أطياف وتلاوين النسيج الوطني. إن «وصفة» العلاج للحال الطائفية في مملكة البحرين لابد أن تأتي من مواقع مختلفة، فمثلما تكون الحلول مقترحة أو مقدمة من مؤسسات المجتمع المدني أو نواب الشعب، فكذلك يجب أن تكون للحكومة رؤيتها في علاج هذه المسألة الشائكة، والإفصاح عن مخاوفها من أية طائفة أو فرقة أو معتقد أو فكر؛ وبالتالي اقتراح حلول جذرية ومنهية لحال الشك والاسترابة القائمة.
ولأهمية هذه المسألة (الطائفية) التي أصبحت واقعاً معاشاً في شتى ميادين العمل السياسي، بل وحتى الحقوقي أصابته حمى الطائفية، في المجتمع البحريني، ولتداخل الآراء بشأن أسباب الحال الطائفية، فالمتابع يرى أن هناك أسباباً لهذه الحال الطائفية... البعض يحيلها إلى تداعيات الحال الإقليمية (عقائدياً أو فكرياً) لها انعكاساتها على الوطن، والبعض الآخر يعزي بروز التوتر الطائفي إلى علماء ومشايخ الدين، وهناك من يرى أن الأسباب اجتماعية/ طبقية، وآخر يرى أنها نتاج سياسة فرّق تسد... إلخ من أسباب.
وأياً تكن الأسباب المختلفة للحال أو المسألة الطائفية الحاضرة؛ إلا أن الأمر المتفق عليه من جميع المنظرين - بما فيهم الطائفيون - هو وجوب وضع الحلول الناجعة لعلاج الحال الطائفية العالية النغمة... سنقوم بعرض مختلف الآراء لمختلف التوجهات في البلاد، منطلقين من حوار شفاف وصريح في مجلس المرباطي بالمحرق دار بين الكاتب محمد الشهابي، عضو جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي إبراهيم جمعان هجرس، عضو المنبر الديمقراطي التقدمي النائب عبدالنبي سلمان وحضور الندوة الذين كان لهم الدور الأكبر في توجيه دفة الحوار، وإضفاء طابع من الشعبية والطرح العفوي لموضوع الندوة، التي أدارها عضو جمعية العمل الوطني الديمقراطي فؤاد سيادي... وهنا لابد من التأكيد على أن الآراء والنقولات المعروضة أمامنا تمثل آراء أصحابها في وضع الحلول الملائمة للمسألة أو الإشكالية الطائفية القائمة في مملكة البحرين.
يرى الكاتب محمد الشهابي أن الفتنة الطائفية بدأت منذ عهد الدولة الأموية، بل ويرجع الاسباب إلى أبعد من ذلك إذ يرى أن في عهد الخليفة الثالث كانت هناك بوادر نشوب تلك الفتنة. وفي الشأن المحلي يقول الشهابي: عرف شعب البحرين بالتسامح والتواصل وكنا نقيم علاقات طبيعية وعفوية مع بعضنا بعضا، حتى ان الواحد منا لا يعرف مذهب الآخر، ولا نسأل عن مذاهب الآخرين. وعن أسباب تغير الوضع وعلو الصوت الطائفي يقول الشهابي: إن التغيير في التركيبة الديموغرافية للبلاد سبب رئيسي لا يمكن غض الطرف عنه. وكذلك فإن أحد أسباب التوتر الطائفي التمييز على أساس طائفي. والحل المناسب في الظروف الراهنة -بحسب الشهابي - هو تأسيس هيئة ذات مجلس، وتكون محل توافق وطني، ومهمتها تأكيد الوحدة الوطنية وحماية التلاحم الوطني من الاختراق.
يعلق الكاتب أحمد زمان على مداخلة الشهابي بقوله: إن التلويح باتهام عهد عثمان بن عفان (رض) بأنه بداية الطائفية هو قول فيه تجنٍ على الخليفة الثالث الذي زوّجه النبي (ص) بابنتيه، وقال لو كانت لدينا ثالثة لزوجناك إياها، بل وحتى القول إن الدولة الأموية التي أسسها معاوية (رض) هي أول من عمل بالطائفية هو اتهام لا يثبت بالدليل العلمي. ويصح القول: كان هناك تنافس بين أفخاذ قريش قبل الإسلام، ولكن لا يمكن، والحال كذلك، اتهام معاوية بن أبي سفيان بأنه من أسس للطائفية، وإذ إن التشيّع في ذلك الوقت لم يأخذ مساحة عريضة، والدولة الأموية هي دولة قومية صرفة.
النائب عبدالنبي سلمان يقول: إن المسألة الطائفية هي من أهم الأوليات وتعتبر قضية رئيسية، ولذلك فإنه ينبغي أن يكون هناك حوار قائم بيننا باستمرار بشأن الوضع الطائفي ومن ثم إيجاد حلول مناسبة للتعقيدات الطائفية... فالمجتمع البحريني ليس منسجماً وهذا واقع معاش، ومنقسم انقساماً طائفياً ونحن نقول ذلك بكل أسف. والوحدة الوطنية هي حلم نرجو تحقيقه. ويضيف سلمان: في المحرق هناك نسيج اجتماعي وطني قوي جداً، ولكن اليوم اختلف الحال... وإني لا أرى مصلحة أن تكون هناك تيارات سياسية طائفية في البلاد، ويجب ألا نقبل بوجودها.
وعن سبل تحقيق الوحدة الوطنية يقول سلمان: إن التحدي الأكبر أمامنا هو تحقيق حلم الوحدة الوطنية، ويجب أن نبدأ بالعمل وليس انتظار الحكومة لتبدأ. وعلينا أن نقود عملية الصراع السياسي الذي هو أكبر من تلك الأصوات الطائفية، ويؤكد: أن الحركة الوطنية لديها الكثير من الأدوات ولكنها لا تستخدمها، ولديّ أسئلة قد تكون منطلقاً للحلول التي من الممكن أن توصلنا إلى بر الأمان: أين دور القوى الوطنية الحية الحضارية؟ وهل من المعقول أن يبقى المجتمع أسيراً لهذه الروح الطائفية؟ من هم أعداء المصالحة الوطنية؟ من الفئات ذات المصلحة في بقاء وجود الطائفية والفئوية؟ كيف نتحاور لنصل إلى بر الأمان بهذا الوطن؟
أما عضو جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي إبراهيم جمعان هجرس فإنه بدأ حديثه منبهاً لخطورة الوضع الطائفي المستفحل حالياً، ويرى الحل في تعميم الحوارات بشأن المسألة الطائفية في شتى مجالس مملكة البحرين، إذ إن التفتيت وتقسيم المجتمع يشكلان خطورة على النظام في الدولة، والتفتيت قد يكون طائفياً أو اثنياً أو قبلياً أو مناطقياً... والمجتمع البحريني يواجه الكثير من المشكلات منها: البطالة والتعديلات الدستورية والمسألة الطائفية، ويضيف هجرس: الطائفية بحسب تعريف الموسوعة السياسية العربية هي: نظام سياسي اجتماعي متخلف، وهذا النظام يحرم المجتمع من المساواة والعدالة، والنظام الطائفي يقوم على التمييز بين المواطنين بحسب الطائفة. وأيضاً: هو نظام لا ديمقراطي وغير عقلاني، ويؤدي إلى تناحر المواطنين، والطائفية تشكل تهديداً مباشراً للمجتمع وهي أحد أهم أوجه الفتنة، وتعتبر (الطائفية) وسيلة لهدم أسس المجتمع.
ويؤكد هجرس خطورة التثقيف الطائفي والذي يعتبره الأخطر على الحال الطائفية، إذ لا يوجد تشريع يقنن الطائفية، ولكن باعتقادي الشخصي ان الثقافة هي أخطر من أي تشريع. ويواصل: الآن يوجد تمييز في مؤسساتنا الرسمية والأهلية، والخوف هو ما وصلنا إليه من شك واسترابة بالآخر. وقبل سنوات، كنا نقول إن ما يدور في الغرف المغلقة أمر خطير، أما اليوم فإن كلام الغرف المغلقة خرج إلى العلن. ويضيف هجرس: إن الطائفية لا توجد في ظل حكم صالح، وتبرز الظواهر الطائفية عندما تمارس الدولة شكلاً من أشكال التمييز، وبالتالي يلجأ المواطن إلى من يحتضن مطالبه... ويضيف هجرس: إن الشيعة وقعوا في مظلومية كبيرة ويجب إنصافهم، ولكن ينبغي ذلك من خلال عملية الطرح الواعي لمختلف الظروف والأوضاع.
من جانبه يعبّر المواطن (يوسف المحرقي) أن موضوع الطائفية خطير، ونحن في المحرق لا توجد بيننا طائفية، فالشباب البحريني لا توجد لديه هذه الروح الطائفية، ويرى المحرقي: إن المجلس النيابي هو من يؤسس الآن للطائفية. ويستشهد المحرقي بزيارة الشيخ عبدالأمير الجمري - عافاه الله - لجمعية الإصلاح بالمحرق وتلك الزيارة بحسب قوله: أذابت الجليد، وكذلك مشاركة الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان في مناسبة تأبين المجاهد الراحل عبدالله فخرو. ويوجه المحرقي اتهامه إلى أحد النواب الذين حاولوا ذرّ بذور الفتنة بمحاولتهم طرح بعض المشروعات التي تغذي الفتنة الطائفية. ويؤكد المحرقي حقيقة لابد من التفكر فيها ملياً وهي: إن هذا البلد كالطائر لا يطير إلا بجناحي (السنة والشيعة)... ويرى أن الحل في التزاوج بين أبناء الطائفتين.
أحمد المطيري يذكر تجربة شخصية حدثت معه فيقول: تقدمت إلى الصناديق الخيرية لمساعدتي إذ أعاني من مرض عضال، وذهبت إلى الكثير من الصناديق الخيرية وقد ساعدني صندوق خيري في جدحفص. ويضيف: أنا أرى أن الزواج بين أبناء الطائفتين هو حل مناسب للمسألة الطائفية، وإنني شخصياً لا أمانع من تزويج إحدى «بناتي» لأي شخص من الطائفة الأخرى طالما إنه كفؤ و«ريال» بحسب تعبيره.
أما محمود الشهابي فإنه يرى أن الحكومات تعمل على التناقضات، والكل يعلم بوجود الطائفية، والحل هو تحرك مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لإحلال مبدأ المواطنة قبل الطائفة. ويقول الشهابي: المواطن إذا «أحس» بالعطاء فإنه تلقائياً يشعر بالانتماء لهذا الوطن وذلك يستتبعه الولاء... وإن الإشكالات التي كانت بين الإمام علي (رض) والصحابة (ر) هي مشكلات بينهم ولا دخل لنا بها، ومع وجودها كانوا يتناصحون ويتعاونون فيما بينهم، ونحن نريد أن نعيش يومنا الحاضر.
ويرى حمد العثمان: إن الحل لا يكمن في حقن الواقع بأدوية هنا أو هناك، بل يجب أن يكون هناك حوار لتأسيس هيئة وطنية لصد التداعيات الطائفية التي تحدث بين برهة وأخرى.
النائب عبدالهادي مرهون كانت له مداخلة لخص فيها الحل المناسب للمسألة الطائفية بقوله: يكمن الحل في طروحات الحركة الوطنية، وبؤرة الحركة الوطنية هو الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، ويجب علينا مراجعة مرحلتين (جبهة التحرير والجبهة الشعبية) والرجوع إلى أطروحاتهما النظرية التي تضع وتوصل إلى حلول واقعية. ويضيف مرهون: إن ما أوقعنا فيما نحن فيه هم كتاب الأعمدة، الذين استخدموا بكثافة المصطلحات الطائفية، ففي بين كل سطر وآخر نجد في كتاباتهم طائفية تنضح من خلال تلك الكلمات، مآزق تستحق التوقف والنظر إليها.
بمزيد من الحوارات الصريحة والجريئة، حتماً سنصل إلى بر الأمان، فإن الحلول العلمية ذات الدراسات الاكاديمية التخصصية، أو العفوية التي يطرحها المنتدون في هذا المجلس أو تلك الندوة والتي تعبّر عن الجانب المضيء في حياتنا الوطنية وواقعنا الاجتماعي... وسيبقى حلم الوحدة الوطنية ماثلاً أمامنا كلما واجهتنا إشكالية هنا أو حدث هناك، والتعويل دائماً على أصالة وعفوية الشعب البحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ