لقد كان ميلاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية نبتا لعمل وحدوي خليجي في المستقبل، يتوقف نموه وصلابة عوده، على قوة مسيرة مجلس التعاون وما حققه من انجازات منذ انشائه حتى اليوم على طريق التكامل بين اعضائه. ان الهدف الوحدوي لدول مجلس التعاون لم يكن غرسا لهذه الأرض الخليجية فحسب بل كان ومازال وسيظل ثمرة وهدفا لهذه الدول مجتمعة في مجلس واحد، نص نظامه الاساسي في ديباجته وفي مادته الرابعة على ان من اهدافه تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها.
وهكذا تكون الوحدة الخليجية العربية غاية وهدفا لقيام مجلس التعاون. ومن هذا المنظور لمجلس التعاون نسأل نحن ابناء الخليج العربي عن المنجزات التي حققها مجلس التعاون - على طريق التكامل - للوصول إلى هذا الهدف الوحدوي الذي تتطلع إليه الأمة العربية عموماً والشعب العربي في الخليج خصوصاً. وعلى ضوء ما تقدم فإن أية دراسة عن مجلس التعاون الخليجي تقاس بمدى نجاحها في تقديم وعرض رؤية موضوعية لتجربة خاضتها دول المجلس على مدى 23 عاماً لتقييم انجازاتها ووضعها في اطارها الصحيح لتحقيق الوحدة الخليجية المنشودة. وفي 25 مايو/ أيار العام 1981 شهدت مدينة أبوظبي ميلاد مجلس التعاون وذلك بتوقيع رؤساء الدول الخليجية الست وهي دولة الامارات العربية المتحدة ودولة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت على النظام الاساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وشكل ذلك التاريخ بداية قانونية لقيام هذا المجلس كشخصية اعتبارية مستقلة، وكمؤسسة دولية اقليمية.
ان لمجلس التعاون دوراً مهماً في احياء المشاعر الوحدوية العربية. ونصت ديباجة النظام الاساسي لمجلس التعاون على ان قيام هذا المجلس انما هو «استكمال لما بدأته دول المجلس من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها. وتحقق طموحاتهم نحو مستقبل افضل وصولا إلى وحدة دولها». كما نصت المادة الرابعة من النظام الاساسي على ان من اهداف مجلس التعاون لدول الخليج العربية «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها» ولكن احكام النظام الاساسي لا تتضمن، مع ذلك، نصا صريحا يقضي بانشاء اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بين الدول الاعضاء فيه.
فالوحدة العربية الخليجية لشعب هذه المنطقة يجب ان تكون الاساس لقيام مجلس التعاون، إذ ان قيامه يعطي نموذجا يحتذى في عملية الانتقال من مرحلة التمني والرغبة تجاه فكرة الوحدة، إلى مرحلة العمل الجاد والدؤوب وانتهاج افضل السبل لتحقيقها، أو على الأقل الاقتراب منها أكثر فأكثر.
التكييف القانوني للمجلس
يعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية تنظيما دوليا اقليميا منذ قيامه رسميا بتوقيع رؤساء الدول الست الاعضاء على النظام الاساسي للمجلس في اجتماعهم في أبوطبي يوم 25 مايو 1981. ومن الصفات الاخرى المميزة لهذا النظام الاساسي ايضا النص الصريح في المادة الحادية والعشرين منه تحت عنوان «احكام ختامية» على انه «لا يجوز ابداء تحفظ على احكام هذا النظام».
وهذا النص لا يترك مجالا للشك في انصراف إرادة الدول الست الموقعة على النظام الاساسي إلى عقد معاهدة أو اتفاق دولي جماعي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وذلك على رغم التعبير «النظام الاساسي» غير الموفق الذي اختير كتسمية لتلك الوثيقة الدولية، هذا التعبير الذي يكون في غير محله.
اهداف مجلس التعاون الخليجي هي:
1- تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها.
2- تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3- وضع انظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الآتية:
أ - الشئون الاقتصادية والمالية.
ب- الشئون التجارية والجمارك والمواصلات.
ج- الشئون التعليمية والثقافية.
د- الشئون الاجتماعية والصحية.
هـ - الشئون الاعلامية والسياحية.
و- الشئون التشريعية والادارية.
4- دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وانشاء مراكز بحوث علمية، واقامة مشروعات وتشجيع وتعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على «شعوبها».
السلطة العليا في المجلس ومقره واجتماعاته:
تنص المادة السابعة على ان السلطة العليا في المجلس تكون للمجلس الاعلى الذي يتكون من رؤساء الدول الاعضاء، وتكون رئاسته دورية بحسب الترتيب الهجائي لاسماء الدول الاعضاء فيه.
الهيكل التنفيذي للمجلس
يتكون المجلس من الأجهزة التنظيمية الآتية:
1- المجلس الأعلى.
2- المجلس الوزاري.
3- الامانة العامة.
4- هيئة تسوية المنازعات وتتبع المجلس الاعلى.
وتنظم اجهزة المجلس واختصاصاته احكام المواد 6-15 من النظام الاساسي.
كما تجدر الاشارة إلى ان المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية قد اصدر بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 1996، نظاما بالهيئة الاستشارية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، استنادا إلى المادة 6 من النظام الاساسي للمجلس. وشُكلت هذه الهيئة من 30 عضوا يختارون من دول المجلس بنسبة 5 اعضاء لكل دولة وذلك من مواطني المجلس من ذوي الخبرة والكفاءة ولمدة 3 سنوات تجدد في نهاية المدة. وتختص هذه الهيئة في مناقشة الأمور التي يحيلها اليها المجلس الاعلى، وتكون اجتماعات الهيئة صحيحة بحضور ثلثي اعضائها، وترفع الهيئة مرئياتها في الأمور المحالة اليها إلى المجلس الاعلى بغالبية ثلثي اعضائها بشأن الموضوعات المحالة اليها. وتتولى الامانة العامة للمجلس القيام باعمال سكرتارية الهيئة وتحديد مواعيد اجتماعاتها.
ومن الموضوعات العامة التي احيلت إلى هذه الهيئة بعد تشكيلها أمور تتعلق بالآتي:
1- كيفية تفعيل دور القطاع الخاص في دول المجلس.
2- الشباب وكيفية جذبهم لحب الوطن.
3- كيف يمكن تفعيل دور المرأة في دول المجلس.
4- تقييم مسيرة مجلس التعاون.
والمجلس الأعلى هو الجهاز العام الذي يمثل السيادة والسلطة العليا في مجلس التعاون ويتمتع باصدار القرارات النافذة والملزمة لاعضائه، اما المجلس الوزاري فهو جهاز تحضيري وتنفيذي لقرارات المجلس الاعلى، بينما تُعتبر الامانة العامة بمثابة الهيئة الإدارية المركزية للمجلس ومقرها الرياض.
اما عن هيئة تسوية المنازعات فهي هيئة تتبع المجلس الاعلى الذي يقوم بتشكيلها في كل حال على حدة بحسب طبيعة الخلاف، ومقرها مدينة الرياض، وتختص بما يحيله اليها المجلس الاعلى من منازعات بين الدول الاعضاء، والخلافات على تفسير أو تطبيق النظام الاساسي لمجلس التعاون.
تنص المادة الثامنة من هذا الاتفاق على ان تتفق الدول الاعضاء على القواعد التنفيذية الكفيلة بمعاملة مواطني دول مجلس التعاون في اية دولة من هذه الدول نفس معاملة مواطنيها من دون تفريق أو تمييز في المجالات الآتية:
1- حرية الانتقال والعمل والاقامة.
2- حرية التملك والإرث والايصاء.
3- حرية ممارسة النشاط الاقتصادي.
4- حرية انتقال رؤوس الأموال.
الاتفاق الاقتصادي الموحد
ورغبة من الدول الاعضاء في مجلس التعاون في تحقيق الاهداف الاقتصادية والمالية التي اشار اليها النظام الاساسي للمجلس، فقد وقع رؤساء الدول الاعضاء بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1981 الاتفاق الاقتصادي الموحد، وذلك في الدورة الثانية للمجلس الاعلى التي عقدت في الرياض في نوفمبر 1981. تنص المادة الرابعة من النظام الاساسي لمجلس التعاون على ان من بين اهداف المجلس تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء، ووضع انظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الاقتصادية والمالية، والشئون التجارية والجمارك والمواصلات، والشئون التعليمية والثقافية، والشئون الاجتماعية والصحية، والشئون الاعلامية والسياحية والشئون التشريعية والإدارية. الادوات القانونية الصادرة تنفيذا لقرارات المجلس الأعلى:
اصدرت الدول الاعضاء التشريعات والقرارات الوزارية اللازمة لتنفيذ قرارات المجلس الاعلى ووضعها موضع التطبيق في هذه الدول. الا انه من الملاحظ ان تطبيق هذه القرارات في الدول الاعضاء لم يأت بالحماس نفسه والمستوى نفسه في كل هذه الدول، وانما اصطدم تطبيق قرارات المجلس الاعلى المذكورة ببعض المعوقات الإدارية والتنفيذية في بعض الدول، الامر الذي جرد بعض قرارات المجلس الاعلى من قوتها الالزامية في بعض هذه الدول التي اعاقت تنفيذها في اقاليمها خلافا لالتزاماتها القانونية باسم قياداتها بموجب احكام كل من النظام الاساسي والاتفاق الاقتصادي الموحد. وهذا الأمر يحتاج إلى معالجة ودستورية جادة إذا اريد لقرارات المجلس الاعلى ألا تفقد صدقيتها ومضمونها.
وإذا استمرت القرارات السياسية والاقتصادية، تنفيذاً لاحكام الاتفاق الاقتصادي الموحد، تصدر بهذا الزخم والفاعلية والاستمرارية من قبل المجلس الاعلى وصولا إلى تحقيق ما يصبو اليه شعب المنطقة من تحقيق وحدة أو تكامل اقتصادي خليجي ووحدة جمركية ونقدية خليجية، فإنه لا مناص حينذاك من اعلان قيام نوع من الوحدة أو الاتحاد السياسي بين دول المجلس الست، وسوف لن يتطلب ذلك أكثر من اعلان من قبل المجلس الأعلى.
تقييم مجلس التعاون بالنظر إلى الجانب السلبي للمجلس:
على رغم كل ما تقدم من جوانب ايجابية لمجلس التعاون الخليج العربية، فإن ثمة جوانب سلبية تحتاج إلى رعاية واهتمام مجلس التعاون من اجل تثبيت اركانه وسعيا نحو تحقيق الكثير من اهدافه، وتحقيقا لقدر أكبر من الفاعلية وصولا إلى الوحدة الخليجية. ونستعرض بإيجاز فيما يأتي بعض هذه الجوانب السلبية وكيفية علاجها، حتى لا تقف حائلا دون تحقيق الوحدة الخليجية المنشودة.
يعتبر مجلس التعاون بحسب نظامه الاساسي تنظيما دوليا اقليميا محدد العضوية وهو تنظيم حكومي، بمعنى انه على رغم ان قيام مجلس التعاون يترجم روح الوحدة التي طالما راودت شعب الخليج، فإن المجلس في حد ذاته وبحسب تكييفه القانوني من وجهة نظر فقهاء القانون الدستوري، يعتبر تنظيما حكوميا بحتا إذ حددت المادة السادسة من نظامه الاساسي اجهزة المجلس وقصرتها على ما يأتي:
أ - المجلس الأعلى وتتبعه هيئة حسم المنازعات.
ب- المجلس الوزاري.
ج- الامانة العامة.
وبذلك يكون النظام الاساسي قد حدد الاجهزة التي تتولى شئون المجلس، وعهد اليها بممارسة الاختصاص ومسئولية تنفيذ احكامه في الاجهزة المشار إليها، وهي اجهزة حكومية وليس لها طابع شعبي يتمثل في مجلس نيابي أو شورى يضم عددا من المواطنين في كل دولة من الدول الاعضاء، سواء بالانتخاب أو التعيين أو بالاثنين معا، وذلك لتقديم المشورة والرأي للمجلس الاعلى فيما يتعلق بمصالح مواطني دول المجلس. ولا ينكر ان هذه المجالس المشكلة بالتعيين في دول مجلس التعاون تضم في غالبيتها عناصر وطنية مشهود لها بالكفاءة والخبرة العالية، ما يجعل لها اهمية وصوتا مؤثرا في مختلف القضايا التي تبحثها هذه المجالس. الا انه لا يكفي في اعتقادنا وجود هذه المجالس المعينة في الدول الاعضاء لخلق التلاحم بين القاعدة الشعبية والقمة الحكومية في مجلس التعاون ولتحقيق الهدف المنشود من قيام وحدة خليجية عربية. ونرى في هذا الشأن ضرورة العمل على انشاء برلمان خليجي موحد وممثل لشعب المجلس يتبع مجلس التعاون على غرار الجمعية العامة للمجموعة الاقتصادية الاوروبية، أو على الأقل على غرار البرلمان الاوروبي، حتى يكون العمل في مجلس التعاون الخليجي قائماً ومعبراً تعبيرياً حقيقياً لنبض الجماهير العربية الخليجية التي يمثلها نواب في برلمان عربي خليجي، ينتخب اعضاؤه مباشرة من الشعب. ولا شك في انه بتحقيق هذا الاقتراح سنخطو خطوة جديدة بل ونضع لبنة جديدة على طريق الوحدة العربية الخليجية.
وعلى مستوى التعاون العسكري والأمني بين دول مجلس التعاون، فقد احتل هذا الجانب حيزا كبيرا من اهتمام دول مجلس التعاون، ما اسفر عن وجود (قوة درع الجزيرة) وتحديد مكان تدريباتها، وتعزيز متطلباتها المالية. وتوجد حاليا مطالبة رسمية بانشاء جيش خليجي موحد. ولا نرى لذلك داعياً سوى تبديد اموال شعب هذه المنطقة بدلا من صرفها في الخدمات الاجتماعية، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية التي يفتقدها إلى درجة كبيرة، شعب المنطقة. ومن السلبيات الموجودة في حكومات الدول الاعضاء في مجلس التعاون، التباطؤ والتخلف في اتخاذ الخطوات التشريعية لتطبيق وتنفيذ قرارات المجلس الاعلى. ويبدو لنا ان القرارات التشريعية التي اصدرها المجلس الاعلى خلال الـ 23 سنة الماضية، تطبيقا للاتفاق الاقتصادي الموحد، لم تؤثر في غالبيتها تأثيراً مباشراً وملموساً على طلب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين في دول مجلس التعاون. كما ان القرارات المذكورة لاتزال يشوبها القصور لأنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب لاقامة وحدة اقتصادية أو سوق خليجية مشتركة كما اسلفنا. وما يزيد الطين بلة هو ان قرارات المجلس الاعلى هذه، عدا قصورها عن تحقيق الاهداف المنشودة، لم تنفذ في الدول الاعضاء على المستوى نفسه والحماس والتحفز نفسه. كما ان بعض الدول تخلفت عن غيرها في تنفيذ بعض القرارات من دون تنفيذ البعض الآخر، أو انها نفذت بعض القرارات بعد ادخال استثناءات أو تحفظات عليها لا مبرر لها. ولا شك في ان توحيد التشريعات في الدول الاعضاء في هذا المجلس، يعتبر خطوة اساسية لتحقيق الوحدة الاقتصادية والتكامل الاقتصادي إذ ان ذلك يسهل التعامل بين مواطني دول المجلس ويمنع التمييز والتفريق في المعاملة بين هؤلاء المواطنين عند تطبيق هذه القوانين عليهم.
إنشاء هيئة قضائية أو محكمة دائمة لمجلس التعاون:
تنص المادة العاشرة من النظام الاساسي لمجلس التعاون على انشاء «هيئة تسوية المنازعات» كجهاز من بين اجهزة المجلس، على ان تتبع المجلس الاعلى الذي يتولى تشكيلها في كل حال على حدة وبحسب الضرورة. فهي بطبيعتها هيئة محصورة بالمجلس الاعلى ولا علاقة لها مباشرة بأطراف النزاع كما هو الحال بالنسبة إلى الحكومة أو الهيئة القضائية المستقلة. والواقع ان هيئة تسوية المنازعات بموجب المادة العاشرة من النظام الاساسي هي من حيث تشكيلها واختصاصها وسلطاتها وطريقة عملها، جهة ادارية ذات اختصاص استشاري بحت. فهي ليست محكمة أو هيئة قضائية مستقلة بحكم تشكيلها الذي يتغير وفق كل حال على حدة، كما انها هيئة مؤقتة وليس لها الحق في اصدار قرارات أو احكام قضائية ملزمة لاطراف النزاع.
يظهر انه حتى الآن لم يتم التوصل إلى آلية فعالة تضمن تطوير آليات العمل بمجلس التعاون، على رغم ان الدورة العاشرة لقمة مجلس التعاون في مسقط العام 1989 تميزت بدعوة صريحة وواضحة إلى أهمية وضرورة اخذ المتغيرات على الساحة العالمية والاقليمية في الاعتبار والعمل على التكيف معها واختيار السبل والسياسات الملائمة للتعامل معها بما يحقق اهداف المجلس، وزيادة فعاليته حتى لو اقتضى ذلك ادخال بعض التعديلات على آلية العمل وسياساته. وفي نظرنا، إن قرارات المجلس الاعلى لمجلس التعاون يجب ان تمثل تمثيلا صحيحا آمال وطموح هذا الشعب العربي الخليجي الذي ينتمي إلى هذه الدول الست، كما يجب ان تعكس هذه القرارات بشكل ايجابي مصالح هذا الشعب وتقدمه ورفاهيته وأمنه واستقراره. ان الهدف الاساسي لقيام منظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية - على المدى البعيد - هو تحقيق سوق مشتركة أو مجموعة اقتصادية خليجية مشابهة للمجموعة الاقتصادية الاوروبية وذلك كخطوة أولى على طريق تحقيق اتحاد سياسي فيدرالي يضم دول مجلس التعاون ضمن اطار متناسق ومتكامل من مؤسساتها الدستورية الحكومية والشعبية معا. وأخيراً، فإن الخطوات الايجابية المطلوب اتخاذها من حكومات الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تتمثل في اتفاق الدول الاعضاء في هذا المجلس على تطبيق وتنفيذ احكام الاتفاق الاقتصادي الموحد في بلدانها في المجالات الآتية، التي صدرت بشأنها قرارات ملزمة من المجلس الأعلى:
1- حرية تنقل المواطنين بين دول مجلس التعاون بمجرد الاطلاع على البطاقة الشخصية أو ما يماثلها دون اية اجراءات أخرى وتخفيف الاجراءات الجمركية.
2- إلغاء اية قيود على تنقل البضائع والخدمات ووسائل النقل بين الدول الاعضاء.
3- إلغاء الرسوم الجمركية تدريجياً بين الدول الاعضاء.
4- توحيد التعرفة الجمركية للدول الاعضاء في المجلس فيما يتعلق بالتجارة الخارجية المتعلقة بالدول الاخرى.
5- السماح لمواطني دول مجلس التعاون بممارسات اقتصادية وتجارية واسعة في كل الدول الاعضاء مع رفع القيود المتعلقة بضرورة الاقامة لممارسة بعض الحرف في الدول الاعضاء، الامر الذي يقتضي توحيد وتعديل التشريعات الخليجية في مجالات التجارة والشركات والوكالات التجارية والاستثمار وقواعد تنظم الملكية.
6- العمل على توحيد النظام النقدي بين الدول الاعضاء في المجلس وانشاء وحدة نقدية وعملة خليجية واحدة وبنك مركزي خليجي. إن هذه الخطوات الايجابية التي نقترحها تشكل الاساس والقاعدة لاقامة سوق خليجية مشتركة متقاربة من حيث الشكل والمضمون للسوق الاوروبية المشتركة.
الإصلاح السياسي
إن الكلام عن الاصلاح السياسي في مجلس التعاون مرتبط إلى حد كبير بالاصلاح السياسي في انظمة الحكم للدول الاعضاء في المجلس، إذ ان مجلس التعاون الخليجي هو صورة طبق الأصل لمجلس الجامعة العربية، ويتضمن في نظامه الاهداف السياسية والوحدوية نفسها التي يتضمنها ميثاق الجامعة العربية. ويعكس النظام الاساسي لمجلس التعاون الخليجي النظام السياسي للدول الخليجية الاعضاء فيه. لهذا لا نستطيع الكلام عن الاصلاح السياسي لمجلس التعاون من دون الكلام عن الاصلاح السياسي في انظمة الحكم القائمة في الدول الاعضاء في هذا المجلس. وقد نادينا ونادى غيرنا بضرورة انشاء برلمان خليجي ضمن اطار مجلس التعاون الخليجي، على ان يكون هذا البرلمان منتخباً انتخاباً حراً مباشراً من الشعب في كل دولة من الدول الاعضاء في مجلس التعاون، على ان يأخذ هذا البرلمان دور الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى لمجلس التعاون التي انشئت في ديسمبر 1996 بقرار من المجلس الاعلى للمجلس. وفي هذه الحال، يلغى نظام هذه الهيئة ويحل محلها البرلمان الخليجي، على ان يَصدُر بتكوينه نظام جديد من المجلس يعطيه سلطة التشريع لدول المجلس بالنسبة إلى ما يتضمنه النظام الاساسي لمجلس التعاون من احكام. وتتكون عضوية هذا المجلس من 30 عضوا، تنتخب كل دولة 5 اعضاء، كما هو الوضع بالنسبة إلى الهيئة الاستشارية للمجلس التي تشكلت بعد صدور نظامها في العام 1996.
ويحيل المجلس الاعلى قراراته التي يتخذها، وفقا للاهداف والاغراض التي يتضمنها النظام الاساسي، إلى البرلمان الخليجي ليصدرها في شكل تشريعات موحدة تطبق في دول المجلس، بعد تصديق المجلس الاعلى لمجلس التعاون عليها.
هذا عدا ان الاصلاح السياسي المتكامل لمجلس التعاون يتطلب اصلاحا سياسيا متكاملا في دول مجلس التعاون نفسها. ومن متطلبات هذا الاصلاح السياسي لدول المجلس، الاقرار بتبني انظمه الحكم الدستورية الديمقراطية التي تقوم على مبدأ فصل السلطات الثلاث عن بعضها بعضاً، مع تعاونها، عمليا لا نظريا، وعلى الاعتراف بسيادة الشعب، مصدر السلطات جميعا، في هذه الدول، مع تشكيل سلطة تشريعية مستقلة ومنتخبة مباشرة من الشعب. ولا بأس في هذه المرحلة من تطعيم عضوية السلطة التشريعية المنتخبة بعدد محدود من الاعضاء المعنيين من الحكومة بحيث لا يزيد عددهم على ثلث اعضاء البرلمان المنتخب، بصرف النظر عن تسمية هذا البرلمان، وذلك على نمط الحكم الديمقراطي الدستوري الذي ارساه دستور الكويت لسنة 1962 ودستور البحرين لسنة 1973
إقرأ أيضا لـ "حسين محمد البحارنة"العدد 839 - الأربعاء 22 ديسمبر 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1425هـ