من منا لم يسمع بالذبحات الصدرية والأزمات القلبية - أبعد الله شرها عن القارئ والسامع -؟... في كل يوم نسمع بفرد مات فجأة بسبب تعرضه لأزمة قلبية، ولكن ضحايا هذه الأزمات والذبحات المنتشرة هذه الأيام هم من الشباب، والأفظع لمن لم يتجاوزا العشرينات من العمر؟!... شباب تراهم مرأى العين وفي قمة نشاطهم، تسمع ضحكاتهم وتتحدث إليهم، وفي غمضة عين يسقطون على الأرض فيحتضنون ترابها إلى الأبد ونودعهم نحن الوداع الأخير بقلوب تضيف الدهشة إلى آلامها وحسرتها آلاما مضاعفة!... والسؤال الذي لا يبارح الذهن بمجرد سماعك لهذه الأخبار الكارثية وإن كنا لا نعترض على مشيئة الله فلكل منا أجل محتوم هو: ما السر وراء انتشار صواعق الموت هذه وخصوصا في هذه الأيام؟ لماذا لم تكن منتشرة سابقا كما الآن، ولماذا لم تكن تطول - في غالبية الأحيان - إلا كبار السن الذين أكل منهم العجز مأكله؟ لماذا الآن تحديدا؟
لاشك أن وراء تلك الظاهرة أسباب للأسف لم نحاول إلى الآن الكشف عنها! نعم، سمعنا بهذه الأزمات التي من الممكن أن يتعرض لها أي فرد، ولكن انتشارها بهذا الشكل وبين من هم في سن الزهور ومن كانوا للتو بدأوا خطوات الألف ميل في هذه الحياة يجعلنا نطرح مليون سؤال وسؤال؟ وبعيدا عن الأسباب الطبية والصحية التي قد تسقط سبب هذه الأزمات على ارتفاع ضغط الدم أو هبوطه وما شابه... فإننا نزيح بالسؤال إلى السبب في ذلك أيضا!... نتساءل: ما السبب في ارتفاع ضغط دمنا وسكرنا أو هبوطهما؟ هل ابتلينا بها هكذا كاختبار من رب العالمين؟ هل نقوى على تجميد أعصابنا وحفظها في خزان بارد حتى لا تثور فيرتفع ضغطنا؟ وهذا السؤال عينه يطرح سؤالا آخر: ما السبب في ثوران دمنا أساسا وفي حال الغليان الدائمة التي نعيشها جميعا بمختلف فئاتنا وأجناسنا وأعمارنا؟ ألا يمكن أن تكون وراء كل ذلك ضغوط اجتماعية يعيشها الفرد منا كل يوم، وبالتالي فنحن أكثر الناس عرضة للإصابة بتلك الأزمات؟!
من منا يستطيع الصبر من دون عمل وهو يرى أسرته أو عياله يتضورون جوعا أو مهديين بالتشرد وعوضا عن ذلك كيف الصبر على سنوات بنيت على قصور من الأحلام الوردية وفجأة يكتشف أن أساسها من رمال هشة طرية قد تودي بها أية موجة خفيفة! ومن منا يصبر على رؤية عزيز عليه ينهشه المرض ولا يقوى على دفع ثمن علاجه؟ ومن منا يقوى على الذل والمهانة من مرؤوسيه حفاظا على لقمة العيش؟ ومن منا يستطيع كبح جماح قلمه لو قوي على صمت لسانه وتخزينه في وكره حتى ينسى الكلام؟ وكم منا من بلع المر وصمت حتى خنقته العبرة وحبست نفسه غصات الألم وأوقفت قلبه ويلات ومصائب لم يستطع التنفيس عنها ولو بسكب بضع قطرات من الدموع؟!...
في كل مرة أبدأ فيها الكتابة عن موضوع أظنه للوهلة الأولى سيكون بعيدا عن الهم اليومي الذي نعيشه... ولكني سرعان ما أعود إلى النقطة نفسها وكأن ذلك الهم سرطانا لم تكفه التغذية من أجسادنا، بل أخذ يقود أفكارنا وأحاديثنا وألسنتنا لتسير معا في طريق واحد وتصب في المجرى نفسه!
نحن شعب صبور، وصبرنا هذا يهد الجبال كما يقولون، ولذلك نحن أول الساقطين في شباك الأزمات، وكون قلوبنا ضعيفة تحملها عظام مازالت غضة ولكنها حملت من الأثقال ما يفوق طاقتها ما كان منها إلا الاستسلام للتراب حتى ولو لم تبلغ من العمر عتيا
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ