جاء دستور البحرين بشأن حرية التجمعات السلمية متماشيا مع ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إذ نصت المادة (28) من هذا الدستور على ان:
أ- للافراد حق الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة .
ب- الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون على ان تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة.
ويتبين من هذا النص الدستوري ان الأساس الذي يقوم عليه الحق في التجمع السلمي هو إباحة عقد الاجتماعات، وعدم وضع القيود عليها سوى تلك التي ينص عليها القانون، ودون أن ينال هذا القانون من جوهر هذا الحق حسبما تقضي به المادة (31) من الدستور، وان تكون أغراض ووسائل هذة الاجتماعات سلمية ولا تنافي الآداب العامة.
وإذا كان الحق في التجمع السلمي على نحو ما رأينا، فإن مشروع بقانون الاجتماعات العامة المقدم من الحكومة والذي أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الأحد الموافق 31 اكتوبر/ تشرين الأول 2004، لا ينسجم مع المعايير الدولية (الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) ويخالف أحكام الدستور وعلى وجه التحديد حكم المادتين (28، 31).
ويبدو ان العبارة الواردة في الفقرة ب من المادة(28) المشار إليها (وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون) أعطت مشروع الحكومة الفرصة كي يسلب جوهر ومضمون حق التجمع السلمي، فبدلاً من ان تكون القاعدة في حرية هذا الحق هي الاطلاق والاباحة، والتقييد هو الاستنثاء، حدث العكس، فعصفت جميع نصوصه بجوهر الحق وجعلت من ممارسته جريمة، وقيدته بعدة قيود هي:
أولا : سلطات واسعة للمحافظ في وضع القيود على حق التجمع السلمي وحرية التظاهر على رغم من ان المادة (1) من مشروع قانون الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات المقدم من الحكومة ينص على ان الاجتماعات العامة مباحة، وان المادة (15) تؤكد على حق المواطنين وحدهم في إقامة المسيرات والمظاهرات والتجمعات التي تتم لغرض سياسي، إلا ان نصوص القانون الأخرى حولت هذه الاباحة إلى تحريم، وجعلت من ممارسة حق التجمع و حرية التظاهر من دون ترخيص جريمة، وأعطت المحافظ صلاحيات واسعة لم يكن حتى مرسوم بقانون 1973 نص عليها، فالمحافظ له طبقا لهذا القانون :
تحديد مفهوم الاجتماع العام
بعد ان يعرف مشروع الحكومة في الفقرة الأولى من المادة الثانية الاجتماع العام على انه (كل اجتماع يعقد في مكان عام أو خاص، يحضره أو يستطيع حضوره أشخاص لم توجه إليهم دعوة شخصية، لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة، أو أية أمور أو مطالبات تتعلق بفئات معينة) تأتي الفقرة الثانية من المادة ذاتها لتعطي المحافظ سلطة اعتبار الاجتماع، اجتماعاً عاماً:
- بسبب موضوع الاجتماع.
- أو بسبب عدد الدعوات الموجهة لحضوره، أو بسبب طريقة توزيعها.
- أو بسبب أي ظرف آخر ليس له الصفة الحقيقية الصحيحة لاجتماع خاص. وفي هذة الحالات على المحافظ ان يخطر الداعي إلى الاجتماع أو المنظم له تنفيذ الواجبات التي يفرضها القانون.
معنى ذلك ان المحافظ له بموجب الفقرة الثانية من هذا النص سلطة تقديرية لما يعتبر من الاجتماعات العامة إذ يمكنه ان يجعل من كل اجتماع خاص اجتماعاً عاماً تنطبق علية أحكام هذا القانون وتحت مبرارات عامة غامضة وضبابية فما هو المقصود مثلاً (بسبب أي ظرف آخر)، وبهذا النص نكاد لا نجد معنى للاجتماع الخاص ويكون اشتراط هذا القانون كي يكون الاجتماع اجتماعاً عاماً ان يناقش موضوعاً عاماً لاقيمة له، طالما ان للمحافظ مكنة اعتبار الاجتماع بسبب موضوعه اجتماعاً عاماً أي حتى وان كان يناقش موضوعاً خاصاً.
وتجدر الاشارة هنا إلى ان قانون الاجتماعات العامة الأردني رقم (45) لسنة 2004 عرّف الاجتماع بأنه (الاجتماع الذي يتم عقدة لبحث أمر ذي طابع عام).
كما عرفه القانون الفلسطيني رقم (12) لسنة 1998 على انه (كل اجتماع عام دعي إليه خمسون شخصاً على الأقل في مكان عام مكشوف ويشمل ذلك الساحات العامة والميادين، والملاعب، والمتنزهات وما شابه ذلك).
ويعتبر القانون القطري رقم (18) لسنة 2004 الاجتماع العام على انه (كل اجتماع يشارك فيه أو يتوقع ان يشارك فيه أكثر من عشرين شخصاً أو تكون المشاركة فيه دون دعوة خاصة ويعقد في مكان خاص أو عام غير الطرق والميادين العامة وذلك لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة).
مفهوم الاجتماع العام في الاقتراح البديل يحتاج إلى مناقشة
يعرف الاقتراح البديل الاجتماع العام بأنه (كل اجتماع يعقد في مكان عام، يحضره ما لا يقل عن خمسين شخصاً، لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة، ولا يعتبر اجتماعاً عاماً اجتماعات المجالس الخاصة بالأفراد داخل منازلهم وممتلكاتهم).
على رغم ان هذا المقترح وحسناً فعل قد ألغى سلطة المحافظ التي نص عليها اقتراح الحكومة في تحديد مفهوم الاجتماع العام، وألغى عبارة (المكان الخاص)، ووضع حداً لعدد الاشخاص الذين بحضورهم يصبح الاجتماع اجتماعاً عاماً وهو ألا يقل عن خمسين شخصاً كما هو الحال في القانون الفلسطيني، إلا ان هذا التعريف سيظل عرضة للتفسير الواسع فما هو معنى المكان العام؟ انه كل مبنى أو ممر أو طريق أو أية أماكن تقدم خدمات عامة للجمهور، ويشمل ذلك بالطبع الأماكن العامة المغلقة أي التي لها شكل البناء المتكامل الذي لا يدخله الهواء إلا من خلال منافذ معدة لذلك مثل (المسارح، دور السينما، المتاحف، المطاعم، قاعات الاجتماعات ويعتبر في حكم المكان العام المغلق وسائل النقل العام...).
وعليه يمكن ان ينصرف معنى المكان العام إلى قاعات اجتماعات مقار الجمعيات السياسية حين يحضرها 50 شخصاً لمناقشة موضوع عام، ولا يغير من ذلك الاستثاء الذي أضافه المقترح على استثناءات الحكومة والمتعلق بالاجتماعات التي تعقدها (الهيئات الخاصة المعترف بها) حسب تعبيره مثل (التنظيمات السياسية، والنقابات...) ذلك ان هذا الاستثناء قد يفهم منه على انه يتعلق بالاجتماعات التي تناقش موضوعاً خاصاً فقط. فلماذا لا يكون المكان العام هو (المكان العام المكشوف)، كما هو الحال في النص الفلسطيني، وبذلك نجنب كل الاجتماعات التي تعقد في الأماكن العامة المغلقة من أحكام القانون؟ إن ذلك يحتاج لمزيد من المناقشة.
كما يلاحظ على المقترح البديل بهذا الصدد انه أضاف إلى التعريف (ولا يعتبر اجتماعاً عاماً اجتماعات المجالس الخاصة بالأفراد داخل منازلهم وممتلكاتهم) إلا ان هذة الاضافة وان جاءت صحيحة فإن مكانها ليس تعريف الاجتماع العام، بل مكانها المادة (5) من المقترح ذات والمتعلقة بالاستثناءات.
كذلك يمكن ان نشير إلى ان إضافة البند (2) من المادة (5) من الاقتراح البديل والمتعلق باستثناء الاجتماعات و (اللقاءات) التي جرى عليها العرف أو تستلزمها المناسبات الاجتماعية والأعياد، هي إضافة غير موفقة على مشروع الحكومة، ذلك ان العرف مفهوم واسع، وان صلاة العيد والعرس الجماعي ليست من الاجتماعات العامة بطبيعتها وهي لا تناقش موضوعاً عاماً، فلماذا النص عليها؟ ولماذا نضيف إليها مفردة (اللقاءات)، ان هذا توسع لا داعي إليه، وقد كفل الدستور في المادة 22 (حرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد) من دون الحاجة للنص عليها في القانون.
شرط الموافقة المسبقة ومنع التجمع السلمي قبل عقده
لم يكتف مشروع الحكومة بأخطار الجهة الادارية بعقد الاجتماع العام أو بتنظيم المسيرة أو المظاهرة أو التجمع، بل منع تنظيم أو عقد الاجتماع العام، أو الدعوة إليه أو الاعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه قبل الحصول على ترخيص من المحافظ الذي سيعقد الاجتماع في دائرة اختصاصه، (وذلك طبقاً لنص المادة 5 والتي تسري أحكامها على المسيرة والمظاهرة والتجمع) ويستثنى من ذلك أي لا يعتبر اجتماعاً عاماً ما يلي:
- الاجتماعات الدينية المحضة التي تتم في دور العبادة.
- الاجتماعات التي تنظمها أو تدعو إليها الجهات الحكومية المختصة.
- الاجتماعات التي تعقدها الهيئات الخاصة المعترف بها لأعضائها (كالنقابات، والجمعيات، والأندية والهيئات الرياضية، واتحادات هذة الهيئات الخاصة، والشركات التجارية، وذلك إذا كان الغرض من الاجتماع مناقشة المسائل الداخلة في اختصاصاتها طبقاً لأنظمتها الأساسية، ويسقط الاستثناء إذا تطرقت هذة الاجتماعات إلى مناقشة موضوعات خارجة عن النطاق السابق، فتعتبر اجتماعات عامة وتسري عليها أحكام القانون. (م 4).
وللمحافظ حسب حكم المادة (9) رفض طلب الترخيص بعقد أي اجتماع عام إذا كان من شأنه الاخلال بالأمن أو النظام العام أو حسن الاداب .
وتسري أحكام هذة المواد (4، 5، 9) على المسيرة والمظاهرة والتجمع، بل ان المادة (18) من هذا القانون تعطي المحافظ في أي وقت ان يعدل خط سير المظاهرة أو المسيرة أو مكان التجمع إذا كان من شأنه الاخلال بالأمن والنظام العام أو إعاقة حركة المرور.
واضح من مجموع النصوص القانونية سالف الاشارة إليها والتي اشتمل عليها مشروع قانون الحكومة أنها تتضمن أحكاماً تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق والحريات والضمانات التي حرص دستور 2002 على تأكيدها، وتشكل خروجاً عن الأصل في ان حق التجمع السلمي بما فيه تنظيم المظاهرة بل في سائر الحقوق والحريات هو الاباحة، إذ لا يتطلب للقيام بها موافقة مسبقة من الجهة المختصة، ونص الدستور على إباحتها، وللخروج عن هذا الأصل يقتضي النص الصريح عليه في الدستور، وهو ما لم يفعله المشرع الدستوري، لذلك فإن أي اشتراط ينص عليه القانون، بأية طريقة وتحت أية ذريعة يقضي بضرورة موافقة السلطة التنفيذية على الاجتماع قبل عقده، أو على المظاهرة قبل إقامتها يعد اعتداء على حرية الأفراد في التجمع السلمي ويكون مشوباً بعدم الدستورية.
وعلى رغم من ان المبدأ العام هو حرية حق الاجتماع والتظاهر إلا ان هذا الحق شأنه شأن بقية الحقوق ليس حقاً مطلقاً، إذ يمكن ان ينص القانون على بعض القيود بشرط ان لا تمس جوهر الحق كإخطار السلطة الادارية المختصة بعقد الاجتماع، أو إقامة المسيرة أو المظاهرة أو التجمع، أو وجوب ممارسة هذا الحق من دون انتهاك حقوق وحريات الآخرين، وان يكون طابعه سلمياً، وعدم الاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة، وحظر الدعوة إلى الكراهية أو رفع شعارات طائفية أو أي شكل من اشكال التفرقة .
شرط الموافقة المسبقة مازال في الاقتراح البديل
ينص الاقتراح البديل (بشأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات) على ان الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة (م 4)، وتنص المادة (6) من هذا المقترح على ان (حق عقد الاجتماعات العامة مكفول للمواطنين على ان يوجه إخطار كتابي للجهة المختصة بذلك قبل ثلاثة أيام على الأقل من موعد الاجتماع وتلتزم الجهة المختصة بإصدار إيصال بتسلم الإخطار لمقدميه حال استلامه وإذا لم يتم الرد بعد انقضاء المدة اعتبر ذلك موافقة لعقد الاجتماع، وفي حال اعتراضها على عقد الاجتماع وجب عليها الرد خلال فترة لا تتجاوز 48 ساعة من وقت تسلم الإخطار على ان تقوم حال إصدارها الرد برفع دعوى إلى المحكمة الكبرى المدنية لإصدار حكماً مستعجلاً خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ رفع الدعوى)، وفسر مقترح العمل هذا النص في الهامش على أنه (تأكيد على حق التجمع السلمي وذلك من خلال الإخطار وليس الترخيص...).
والحقيقة ان هذا النص لا يختلف في النتيجة عن نص الحكومة، ويتناقض مع التفسير المشار إليه، ولا يستجيب لتطلعات سائر القوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني بجعل حق التجمع السلمي - بما فيه حق التظاهر - مباحاً يمارس من دون موافقة مسبقة، ذلك ان هذا النص:
1- يطلب رداً من الجهة المختصة على الإخطار، ويعتبر عدم الرد بعد مرور 3 أيام على الإخطار موافقة من هذة الجهة على عقد الاجتماع، وهذا يعني أنه لابد من رخصة من وزارة الداخلية للاجتماع العام ولتنظيم المسيرة والموكب.
2- وفي حال عدم موافقة الجهة المختصة على الاجتماع (الاعتراض) يجب عليها الرد خلال 48 ساعة من وقت تسلم الإخطار، وان عليها رفع دعوى إلى المحكمة الكبرى المدنية (لإصدار حكماً مستعجلاً خلال 3 أيام من تاريخ رفع الدعوى).
ان ذلك يعني بوضوح ان شرط الموافقة المسبقة مازال حاضراً في المقترح البديل، إذ أجاز للجهة المختصة (وزارة الداخلية) ان تعترض على الاجتماع العام قبل عقده، وهو حكم يسري على المسيرة والتجمع، فنال هذا الحكم من جوهر الحق وتجاوز الاباحة التي نص عليه الدستور حتى وان كان هذا الاعتراض يخضع لرقابة القضاء.
انه من المهم بهذا الصدد أن نشير تأكيداً لأهمية النص على عقد التجمعات السلمية من دون موافقة مسبقة إلى حكم محكمة القضاء الاداري المصرية في القضية رقم 1320 لسنة 1951 الذي أكد (ان حق الاجتماع ليس منحة من الادارة، تمنعها أو تمنحها كما تشاء بل هو حق أصيل للناس اعترف به القانون وأكده الدستور، ولذلك فهو لا يقتضي طلباً من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار الادارة بالترخيص فيه...).
سلطات واسعة لقوات الأمن في منع وحضور وفض التجمعات السلمية
يمنح مشروع القانون المقدم من الحكومة الشرطة والادارة الكثير من السلطات، سلطة منع الاجتماعات، سلطة حضورها، وسلطة فضها:
فالمادة (5 فقرة ثانية) منه تنص على انه (لقوات الأمن العام منع أو فض أي اجتماع غير مرخص به).
كما تنص المادة 13 على انه (لقوات الأمن العام دائماً حق حضور الاجتماعات العامة، وذلك للمحافظة على الأمن والنظام العام، ولهم ان يختاروا المكان الملائم لهم في الاجتماع بشرط ان يكون بعيداً عن مكان المتحدث).
وتحدد المادة (14) لقوات الأمن حالات فض الاجتماع العام:
- إذا طلبت منهم لجنة النظام المنصوص عليها في المادة (10).
- إذا خرج الاجتماع عن موضوعة أو الغرض المبين في طلب الترخيص.
- إذا كان من شأن استمراره الاخلال بالأمن أو النظام العام أو الآداب.
- إذا وقعت أثناء الاجتماع أو بسببه جريمة من الجرائم التي ينص عليها هذا القانون أو قانون العقوبات أو أي قانون آخر.
وتسري أحكام هذه المواد على المسيرة والمظاهرة والتجمع.
واضح ان نصوص القانون المذكورة تفتح الباب على مصراعيه لقوات الأمن للتدخل لفض الاجتماع أو المسيرة أو التجمع بحسب رأيها ومزاجها، من دون تحديد واضح للمقصود بخروج الاجتماع عن موضوعه، أو المقصود بالأمن أو النظام العام، ولم تحدد هذه النصوص الآلية التي يتعين ان يتبعها رجال الأمن لفض الاجتماع، فضلاً عن ذلك فإنها تحتوي على الكثير من المفردات والمصطلحات التي تتصف بالضبابية والغموض والتي تحتمل أكثر من تفسير وتأويل
إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"العدد 829 - الأحد 12 ديسمبر 2004م الموافق 29 شوال 1425هـ