يقول ابراهام لنكون: «دعوا الناس يتعرفون على الحقائق، وعندئذ ستكون البلاد آمنة»...
«ان يكذبوا على الصحافيين» ، «أن يختلقوا حوادث غير صحيحة»، «أن يعطوا ارقاما ليست واقعية»، « أن يعدوا بأشياء لن يحققوها»، او ان يقولوا ببرود أعصاب او خوفا من مرؤسيهم «لا تعليق»، هذا بالضبط ما جرت عليه العادة لدى موظفي العلاقات العامة بالمؤسسات الحكومية. قد يعتقد بعض الموظفين الحكوميين في إدارات العلاقات العامة بانهم موظفون جيدون ومميزون حين يقومون بتلك الممارسات، إلا انهم يغفلون عن تغيير مسمى مكاتبهم من «إدارة العلاقات العامة والإعلام» الى «إدارة الوعود الكاذبة والإهام».
لإدارات العلاقات العامة والإعلام بأية مؤسسة موضع محوري، ولطالما دأبت المؤسسات الاكاديمية على تكرار هذه العبارة حد الملل، إذ انهم واثقون ان ما يدور داخل الدائرة الواقعية لا يتفق مع ما يحاولون تدريسه والتنظير له. إن وجود حكومة شعبية من دون معلومات شعبية او وسيلة للحصول عليها ما هو إلا مقدمة لمهزلة او مأساة، أو ربما لكلتيهما، بهذه التعليقات تحديداً يتحدث جيمس ماديسون، إلا انه قالها في العام 1822م، فلماذا علي أن أنقلها لموظفي العلاقات العامة والإعلام في الألفية الثالثة.
إن أجهزة العلاقات العامة هي وسيلة الاتصال بين المؤسسة والمجتمع، أي هي منطقة الحوار وتبادل الآراء والتعاون فيما بين الطرفين. أحدث دراسات العلاقات العامة ترى في اطرها المابعد حداثية تحول العلاقات العامة من جهاز يركز اهتمامه على سمعة المؤسسة الى ان يركز جل عمله نحو خدمة الشعب. إذ ان المجتمع سمح لهذه «المؤسسة» بالعمل والكسب في سبيل خدمته بكفاءة واقتدار، لذلك لابد ان تنصرف الى هدف رئيسي وهو خدمة المجتمع ومن ثم تحقيق المصالح الذاتية. على موظفي العلاقات العامة والإعلام أن يتنبهوا الى انهم في خدمة المجتمع أكثر من خدمة المؤسسات الحكومية التي يعملون فيها، وعلى الأعالي المهيمنة في القرار الإقرار بأن موظفي العلاقات العامة والإعلام ليسوا موظفي ترويج بل هم أشبه بالمعارضة التصحيحية.
إن اكثر ما يبدع فيه موظفو العلاقات العامة الحكوميون هو استفزاز الصحافيين، إذ انهم يتفنون في عرقلة اتمام الصحافي لمهمته، وهي الحصول على المعلومة الصحيحة ونشرها للناس الذين يتوقون للمعرفة والمعرفة بالحوادث هي حقهم الطبيعي كحقهم في الحياة، وكثيرا ما يتذمر صحافيو الأقسام المهتمة بالشأن الداخلي من هذا الوضع، قد يستغرب موظفو العلاقات العامة إن علموا بان مهمتهم في تزويد الصحافي بالمعلومات الكافية والصحيحة هي السبيل الوحيد لبقاء مرؤسيهم ووزرائهم في أماكنهم، إذ ان المجتمع العارف بإمكانات مؤسساته بدقة لن يطلب منها المستحيل. فحين تحاول المؤسسات الحكومية ممثلة بإدارات العلاقات العامة إخفاء التقصير أو ان تتهرب من الاعتراف بعجزها، فهي مطالبة بتحقيق نتائج واضحة وسريعة، وهي لن تستطيع ذلك لأنها ببساطة كانت «تكذب».
إن شرح كيفية تأثير برامج الحكومة وسياساتها في وزارات الدولة على المواطنين هو الدور الرئيسي لإدارة العلاقات العامة، وهذا يساعد المجتمع على تفهم اوضاع هذه المؤسسات بدقة، وهذا ما يجعل المجتمع يحس بالمسئولية تجاه هذه المؤسسات، بمعنى انه سيتحول من متلقي الى مشارك، والمؤسسة التي تلقى الدعم من شتى افراد المجتمع هي بالتأكيد مؤسسة قوية وناجحة.
نحن في آفاق متأخرة للغاية في كفاءة الموظفين الحكوميين العاملين في العلاقات العامة ولعدة اسباب، السبب التقليدي وهو إهمال دورها وعدم الاهتمام بمحورية عملها، والسبب الاهم هو اننا نفتقد الى روح الإبداع والتطوير لدى موظفي هذه الإدارات عادة، سواء على المستوى الأكاديمي او العملي هناك خلل كبير في عمل هذه الاجهزة.
في حال مغامرة أية مؤسسة حكومية بالقيام ببحث مسحي لمعرفة مدى صدقيتها لدى المتلقين لخدماتها من المجتمع، فهي ستصاب بصدمة إذ إن النتائج ستكون كارثية، بمعنى ان كل الجهود التي تبذلها المؤسسة ليست ذات قيمة حقيقية، وكل إنجازاتها لن تلقى التقدير والاحترام. فقط هي المؤسسات المفتوحة للعيان بقدراتها ونقاط قوتها وعجزها هي التي تستطيع التعايش السلمي مع المجتمع.
ما معنى «ليس للنشر»
تعكف إدارات العلاقات العامة في الدول المتقدمة الى تخصيص مكاتب داخل المؤسسات الحكومية لرجال الصحافة والإعلام، مجهزة بكل الوسائل الاتصالية، كما تصلهم جميع القرارات الإدارية المهمة بالمؤسسة، كما توفر لهم كل الأرقام الخاصة بالشخصيات الفاعلة داخل المؤسسة. والمؤسسات الحكومية حين تقوم بهذا الإجراء فهي لا تتفضل على الصحافة او المجتمع في شيء، بل هي المستفيد الاول من هذه العملية، إذ إن المؤسسة تمتلك الكثير من المعلومات التي قد يؤثر نشرها في تحسين صورة المؤسسة لدى افراد المجتمع، كما انها تتخلص من عقدة «المؤامرة» التي لطالما تتهم بها المؤسسات الحكومية.
موظفو العلاقات العامة يجب ألا يحاولوا أن يكونوا خصوما مستمرين أو اصدقاء على الدوام مع الصحافيين، ففي الدول الديمقراطية لا يمكن للصحافيين ولموظفي المؤسسات الحكومية ان يكونوا شركاء دائمين، على كل منهما ان يحترم دور الآخر، الصحافي لا يعرف شيئا «لا يصلح للنشر»، من القواعد الجيدة التي يجب ان يعتمدها موظف العلاقات العامة وأن يلتزم بها «لا تقل او تفعل اي شيء لا تريد أن تراه في الصفحة الأولى في صحف اليوم التالي».
لا تقل «المصلحة العامة»
المجتمع هو من يقرر ما هو في صالحه وما هو ضرر عليه، هو لا يقبل الوصاية لماذا يجبر الآخرين على القبول بوصايته. العلاقات العامة الحديثة لا تمنع عن المجتمع اية معلومة بداعي المصلحة العامة، فحين تتأخر مواعيد المرضى في مستشفى ما، لا تقل «كذبا» انكم ستوظفون أربعين طبيبا بعد شهر، لكن قل الحقيقة «نحن لدينا نقص شديد في عدد الأطباء»، المجتمع حين تحترمه سيحترمك ويساعدك بان يطلب معك زيادة الاطباء العاملين.
العلاقات العامة الحديثة لا تهتم بالمؤسسة وحسب، بمعنى انها لا تحاول صوغ صورة ذهنية مميزة لدى المجتمع حيال المؤسسة، بل هي تحاول إيجاد تعايش مرضٍ ومعقول بين المجتمع والمؤسسة، هي تحاول ان تبقي المؤسسة قادرة على تلبية احتياجات المجتمع مع محاولتها تطوير المؤسسة والرقي بها وجعلها من المؤسسات المتصدرة على صعيد الخدمة أو السمعة الحسنة.
مارغريت سوليفان، الخبيرة بشئون المكاتب الحكومية الإعلامية، والتي شغلت منصب المتحدثة الرسمية لكثير من الوكالات الحكومية الأميركية، تورد نصائح مشهورة تعتمد عليها جل مكاتب العلاقات العامة في الولايات المتحدة:
قل الحقيقة دائما. لا تكذب ابدا
- كن صادقا ودقيقا، تعتمد صدقيتك وسمعتك على ذلك. لا تقل «لا تعليق».
- اعترف إذا لم تكن تعرف الجواب عن السؤال، واعرض الحصول على الجواب، وافعل ذلك باسرع وقت ممكن. لا تترجل ولا تتكهن ولا تخمن فالصحافيون يريدون الحقائق لا فرضياتك وتكهناتك.
- قم بتصحيح الاخطاء على الفور، اوضح انك لم تقدم جوابا كافيا وانك ستعمل على التوضيح.
- تجنب اللغة الاصطلاحية، تحدث بلغة بسيطة ومفهومة للجميع.
- افترض ان كل ما تقوله هو للنشر. لا تنطق بما لست مسئولا عنه.
- كن صريحا مع وسائل الإعلام. ولا ترفض الرد على اتصالاتهم واستفساراتهم لأي سبب من الأسباب، واعترف باية مشكلة تقع المؤسسة بها، بل اطلب المساعدة حتى من الصحافيين.
- احتفظ بقائمة من الإنجازات، وقم بتحديثها على الدوام ولا تنسى إنجازاتك وانجازات مسئولك. لا تختلق اخبارا او انجازات من خيالك.
- حافظ على روح الدعابة. ولا تحاول التعامل بعصبية من المشكلات.
العلاقات العامة الحديثة لها حضور إعلامي بارز، لذلك لابد لها ان تكون ذات صلة وثيقة بوكالات ومؤسسات الإعلام، ومهما كان للمؤسسة من برامج فاعلة، فإن الصحافة وباقي الأجهزة الاتصالية الجماهيرية تلعب الدور الرئيسي في صوغ الصورة العامة عن المؤسسة لدى المجتمع، التصادم المعهود بين الصحافة والمؤسسات الحكومية يعود بشكل رئيسي الى العقلية التي تدار بها ادارات العلاقات العامة الحكومية، والى بعض الأخطاء المتسرعة لبعض الصحافيين الذين يهدمون جهودا جبارة بمداد قلم. لذلك تسعى الإدارة الحديثة للعلاقات العامة الى تلافي هذه المشكلة عبر الوجود المستمر لموظفيها على مدار الساعة. إذ انها لا تترك للصحافيين حرية افتعال الخبر من دون تدخل منهم، والصحافيون بالتأكيد هم المستفيدون من هذا التفاعل الإيجابي، إذ انه يوفر عليهم الكثير من الانتظار او البحث، كما انه يخفف من احساسهم بالقهر حين تأتي عبارة «لا تعليق»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 828 - السبت 11 ديسمبر 2004م الموافق 28 شوال 1425هـ
