يحاول الأبناء المراهقون في غالبية الأحيان اختبار حدود أبائهم عندما يطلب الآباء من أبنائهم أن يتحملوا عواقب أو نتائج أفعالهم المنطقية... وهذا أمر طبيعي، إذ لا توجد لديهم طريقة أخرى لكي يتأكدوا أن آباءهم جادون في إيقاع العقاب عليهم... هم يحاولون... لكن على الآباء ألا يشعروا باليأس من مدى فعالية هذه الطريقة المثمرة في تعليم الأبناء تحمل نتائج أفعالهم وتعلمهم منها دروساً تفيد في تطوير شخصياتهم.
وهذا بالضبط ما حاول محمود أن يفعله لوالديه عندما طلبا منه إعلامهما بالمكان الذي يذهب إليه بعد المدرسة أو عندما أخذا منه امتياز العودة الساعة الحادية عشرة مساء لفترة محدودة حتى يثبت لهما تحمله لمسئولية إهماله لحدودهما من قبل.
في البداية بدأ محمود بالشكوى ثم أخذ يختبر والديه عن مدى جديتهما في توقيع العقاب عليه، لكي يتحمل نتائج تصرفاته السلبية... إلا أنه يواجه في كل مرة يحاول فيها ذلك بموقف متحد جاد من والديه لا يقوم على إلقاء المحاضرات ولا المناقشات الطويلة ولا العقاب المتسلط... لإنهما قررا وضع المسئولية على عاتق ابنهما محمود... وجعله مسئولاً عن اختياراته وتصرفاته... لكنه أخذ وقتاً حتى أدرك أن قواعد والديه أو حدودهما كانت حازمة... وعندما وصل إلى ذلك الإدراك خضع للأمر الواقع، وأصبح يعلم والديه بما يفعل وتدريجياً تعلم الدرس الذي كانا يحاولان تعليمه إياه.
والدا محمود ورجاء كانا مؤثرين ما جعلا التمرين الذي مارسه أبناؤهما يعلمهما فعلياً الواجب عليهما القيام به... لقد وضع الأبوان الحدود الواضحة التي تساعدهما على الاكتشاف... ودعما حدودهما بالنتائج المنطقية التي يتحملها الأبناء عملياً ليحصلا على التمرين الذي يستطيعان به تطوير تصرفاتهما... أي لم يتدخلا... وتركا أبناءهم يقومون بالتعلم... وطرق التعليم والتعلم تصبح أكثر مرونة وسلاسة عندما يسيطر الآباء على الحدود أو القواعد الأسرية التي يضعونها على أبنائهم.
إن اكتشاف المراهقين لذواتهم هي المهارة الأولى التي يكتسبونها... هم يريدون الحرية لاختياراتهم للقواعد الجديدة بالنسبة إليهم عندما وصلوا إلى هذه السن... أًصبحوا يؤمنون بقيم واعتقادات جديدة... ولديهم علاقات وارتباطات... وكل تجربة جديدة تقربهم خطوة إلى إشباع مهاراتهم في اكتشاف هوياتهم.
والمراهقون مسلحون من الناحية الذكائية ليتعاملوا مع مهارات التطور... فهم قادرون على النظر إلى الأمام واكتشاف المواقف المتناقضة... ولديهم القدرة على أن يختبروا الحدود التي توضع لهم بعقولهم لا بتصرفاتهم... وهذا الاختلاف في النمو العقلي الذكائي هو الذي يؤثر في الطرق التي يحاولون الوصول من خلالها إلى التصرفات السليمة... وهم بحاجة أثناء ذلك إلى حدودنا الحازمة وتشجيعنا... والتعليمات التي نضعها لهم لكي يتحملوا نتائج أعمالهم المنطقية.... لكنهم أيضاً بحاجة إلى شيء من المرونة في الحدود التي يضعها لهم آباؤهم. وأن يشاركوا أكثر في اتخاذ القرارات الخاصة بهم وبمستقبلهم... وهم بحاجة أيضاً إلى مساعدة منهم لاكتشاف خياراتهم بعقولهم... يريدون أيضاً المزيد من الحرية ليكتشفوا... لكنهم أيضاً بحاجة إلى حدود أو قواعد واضحة لتقودهم إلى هذا الاكتشاف المعرفي... وأفضل الحدود هي التي تقوم على تحمل المراهق لعواقب أو نتائج أفعاله السيئة واختياره الحلول من ضمن عدة خيارات يناقشها مع والديه ليختار أحدها... ويلتزم به لإنه اختاره بنفسه... وبذلك يتعلم الإحساس بالمسئولية والالتزام... منذ سنوات المراهقة... ولهذا السبب فإن تعامل الآباء مع أبنائهم على أساس التضييق عليهم بمنحهم حرية محدودة أو منحهم حرية مطلقة بلا حدود... فإنهم يمنعون بذلك تطور الفضول المعرفي والرغبة في اكتشاف نفوسهم من الداخل.
يستطيع الآباء إذاً... أن يوازنوا بين حدودهم ليصلوا بأبنائهم إلى التوازن المطلوب بين الحرية والمسئولية.
وأعود وأكرر حقيقة مهمة تتمثل في أننا لا يمكن أن نقوم بهذا المجهود التربوي مع أبنائنا... إذا كنا كأباء لا نشعر بالمسئولية وننجب عدداً من الأبناء يفوق قدراتنا المادية والصحية... لإن هذا النوع من التربية التي نحن بأمس الحاجة إليها في العصر الحاضر لا يمكن أن تتم إلا إذا تعامل الآباء مع أبنائهم بصبر وتأنٍ وجلسات يجلسها الأب أو الأم مع كل ابن من أبنائهم على حدة... ويقضي وقتاً مناسباً في فهم شخصيته وكيفية التعامل معه على أساسها.
سنوات المراهقة حساسة وخطرة مع الإهمال والحرمان والبؤس والتدليل... أي أن الانجاب لا علاقة له بالفقر والغنى.... وإنما بالإحساس بالمسئولية لدى الآباء بالنسبة لدورهم الخطير في تربية أطفال ومراهقين سيكونون رجال ونساء المستقبل
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ