العدد 825 - الأربعاء 08 ديسمبر 2004م الموافق 25 شوال 1425هـ

ألمانيا تنفست الصعداء بعد أن غادرها علاوي سالماً

مهدي السعيد comments [at] alwasatnews.com

تبحث أجهزة الأمن الألمانية عن شاحنة كان من المقرر استخدامها في عملية تفجير ضد موكب رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي خلال زيارته لبرلين والتي انتهت يوم الجمعة وبطريقة مثيرة. فوفقا للتحقيقات كانت الشاحنة تحمل لوحة أرقام حمراء اللون، أي إنها كانت معدة للتصدير. ووفقاً لتصريحات المدعي العام الفيدرالي كاي نيهم فإن العمل البوليسي ساعد في الحيلولة دون تعريض حياة علاوي للخطر خلال زيارته هذه، إذ كان البوليس السري الألماني يراقب منذ عام مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون إلى تنظيم «أنصار الإسلام»، بينهم عراقي اعتقل الاسبوع الماضي بمدينة شتوتغارت جنوب ألمانيا، يعتقد أنه رأس المجموعة التي يعتقد الألمان أنها كانت بصدد مهاجمة موكب رئيس الوزراء العراقي في برلين.

على رغم أن هناك مناقشات سياسية وقانونية حول استراق السمع على المكالمات الهاتفية في ألمانيا فإن سلطات الأمن هنا عملت على استراق سمع مكالمات هاتفية بين أفراد هذا التنظيم، الأمر الذي ساعدها في التوصل إلى الاعتقاد بوجود خطة لاغتيال علاوي. وقال المدعي العام أن الشرطة لاحظت عشية وصول علاوي إلى برلين تحركات مريبة قام بها أفراد التنظيم المذكور، وقبل أن تصدر عنهم أية حركة قررت الشرطة التدخل. وأشيع في برلين أن هؤلاء الأشخاص كانوا على علم بمكان وزمان واحدة من محطات زيارة علاوي في العاصمة الألمانية وتحديدا لقاء كان مقررا مع عراقيين يعيشون في الخارج مساء الخميس الماضي. وعلى الفور ألغي هذا الموعد من برنامج الزيارة وموعد آخر مع ممثلي الاقتصاد الألماني، ما أضاع على علاوي الفرصة للحديث مباشرة إلى ممثلي الشركات الألمانية التي قال علاوي في مقال نشرته صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» عشية وصوله إلى برلين إنه يتمنى أن يزيد عددها ونشاطها في العراق، وخصوصاً أن حكومته تعتمد كثيراً على دعم ألمانيا من أجل إعادة بناء الاقتصاد العراقي.

ووفقا لبيانات مكتب المدعي العام الفيدرالي في كارلسروهي قامت وحدات أمنية خاصة بمداهمة 9 مساكن لمواطنين عرب فجر الجمعة الماضي في برلين وشتوتغارت وأوغسبورغ. ويأمل نيهم أن يحصل في القريب العاجل على صورة واضحة حول نشاطات تنظيم «أنصار الإسلام» في ألمانيا. وعلم أن جميع الذين طلب المدعي العام إيقافهم ينحدرون من العراق، واحد منهم على الأقل كان يقيم بصورة مشروعة في ألمانيا. من المنتظر أن تستمر المداهمات في الأيام المقبلة على ضوء التحقيقات التي يجريها المدعي العام مع الموقوفين الثلاثة، لكن متحدثة باسمه قالت إنه لم يتم التوصل بعد إلى دليل يؤكد أن المشتبه بهم كانوا يخططون لاغتيال علاوي.

حصيلة المعلومات التي جمعها البوليس السري الألماني ان هذا التنظيم تأسس في شمال العراق وله صلة بالقاعدة، ويعتقد أن لهذا التنظيم الذي كان يحمل اسم «جند الإسلام» نحو ألف مؤيد انضموا إليه بعد أن كانوا ينتمون لتنظيمات مختلفة. ويعتقد أنهم يديرون نشاطاتهم من المناطق الكردية شمال العراق، مع وجوده في أوروبا أيضاً. وتعتقد مصادر أمنية ألمانية أن في ألمانيا وحدها نحو مئة من مؤيدي الجماعة الذين يتعاونون أيضا مع مؤيدي القاعدة. ويحمل العراقيون والأميركيون هذا التنظيم مسئولية عدد كبير من أعمال العنف والتفجير التي وقعت شمال العراق.

وكان علاوي قد كتب في صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» يقول إن العنف يشاطر العراقيين حياتهم اليومية. ويبدو أن العنف رافق علاوي إلى برلين إذ استنفر الحي الحكومي بصورة غير معهودة وتم إخلاء الشوارع المؤدية إلى مقر المستشارية كافة وتم سحب السيارات الواقفة على مقربة من هذا المقر خوفاً من أن تكون بينها سيارة مفخخة. كما تصرف رجال الأمن الألمان بعصبية، ما حال دون دخول عدد من الصحافيين قاعة المؤتمرات الصحافية في مقر المستشارية، كان من بينهم نائب المتحدث الرسمي باسم الحكومة توماس شتيغ. واقتصرت الزيارة على الجانب العملي بعد إلغاء الجانب الخاص حرصاً على سلامة علاوي.

تجنب المستشار شرودر وضيفه علاوي الحديث عن حرب العراق والسؤال المتعلق بشرعيتها وعدم شرعيتها. من جانبه قال علاوي في مقاله إنه لم يأت إلى ألمانيا ليطلب من شرودر إرسال جنود ألمان إلى العراق بل اختار الطريق السهل وهو أن تسهم ألمانيا في عملية إعادة تعمير العراق. تم الاتفاق في هذا الصدد على إنشاء غرفة تجارة ألمانية عراقية مشتركة واستضافة ألمانيا مؤتمراً اقتصادياً يبحث فرص مساهمة الاقتصاد الألماني في العراق خلال شهر فبراير/ شباط أو مارس/ آذار من العام المقبل. وقال علاوي إن نسبة 80 في المئة من أراضي العراق لا يوجد فيها متمردون بينما اعترف بوجود صعوبات أمنية في نسبة 20 في المئة من أراضي العراق. وكان علاوي أكد الأهمية التي تعلقها بلاده لفتح باب الاستثمار أمام شركات ألمانية.

ودعا شرودر المجتمع الدولي إلى المساهمة بإعادة تعمير العراق وأشار إلى الدور الذي تقوم به ألمانيا في تدريب وحدات الشرطة والقوات المسلحة العراقية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن المحتمل أن يتم توسيع برنامج التدريب ليشمل تدريب وحدات عسكرية عراقية في مصر أيضا. كما من المخطط له تدريب عراقيين في ألمانيا على إزالة الألغام.

وعلمت هذه الصحيفة أن مؤسسة «فريدريش إيبرت» المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم الذي ينتمي إليه المستشار شرودر، هي أول مؤسسة ألمانية تسهم في مساعدة العراقيين في عملية التحضير للانتخابات العامة المقررة بتاريخ 30 يناير/ كانون الثاني المقبل. وقالت غيزيلا فون موتيوس مديرة المشروع إن تدريب المراقبين يجري منذ شهر يوليو/ تموز الماضي. هذا وكان علاوي قد رفض فكرة تأجيل الانتخابات وأكد أنها ستجري في موعدها المقرر. وكتب في صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» يقول إن العراقيين يقفون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما العنف والإرهاب أو مستقبل ديمقراطي. كما أكد علاوي أن القوات الأجنبية باقية في العراق طالما هناك حاجة إليها. ودافع عن قرار ضرب مدينة الفلوجة وقال إن المتمردين أقاموا فيها نظاماً يشبه نظام الطالبان واستغلوا أراضيها للانطلاق وتنفيذ أعمال عنف في أنحاء العراق. وتكشف ظروف زيارة علاوي لبرلين تعدد الجبهات التي يحارب فيها علاوي الذي يعتبر رجل أميركا في عيون الكثير من أبناء بلده وهذه النظرة قد تسهم في عدم حصوله على تأييد واسع في الداخل.

ترك علاوي وراءه مشكلة أمنية كبيرة للألمان إذ لم تتبلور صورة الخطر الذي يشكله الأصوليون مثلما تبلورت قبل يومين. ودلت تصريحات المسئولين الأمنيين الألمان على أنه تم فعلا إفشال محاولة لاغتيال علاوي من قبل تنظيم «أنصار الإسلام» التي يتزعمها الملا كريكار الحاصل على حق اللجوء السياسي في النرويج. وعلقت صحيفة «زود دويتشه» على هذا الموضوع وأشارت إلى العواقب السياسية الوخيمة التي كانت ستنشأ لو نجح الأصوليون في المساس بحياة علاوي على أرض ألمانية وكتبت تقول: مرة جديدة كادت أن تكون ألمانيا مسرحاً لاعتداء يمس الولايات المتحدة الأميركية بطريقة مباشرة. بعد أن عاش الطيارون الثلاثة الذين نفذوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة في مدينة هامبورغ بعض الوقت من دون أن يلفتوا الانتباه إلى ما كانوا يعتزمون القيام به، من بوسعه أن يدرك نتائج اغتيال علاوي على أرض بلد أوروبي غربي يفترض أنه آمن. وقالت الصحيفة إن التطور الأخير كشف كيف أن الحرب التي يخوضها الأصوليون ضد الولايات المتحدة لا تعرف حدوداً وأنها لا تدور فقط داخل الأراضي العراقية بل في كل مكان في العالم. من المؤكد أن العملية كانت ستقود إلى تأجيل الانتخابات في العراق واستمرار حال الفوضى لكنها كانت ستسبب مشكلات سياسية كبيرة لألمانيا. أولا لأن التحفظ الأميركي حيال الوضع الأمني في ألمانيا كان سيزيد كما أن واشنطن كانت ستعمد إلى خفض تعاونها السياسي والأمني مع ألمانيا.

يذكر أن سلطات الأمن الألمانية ألقت القبض قبل عام على المدعو محمد لقمان البالغ من العمر 30 عاما. ويعتقد أنه زعيم «أنصار الإسلام» في مدينة ميونيخ وكان هذا قد قام بتشجيع عراقيين يعيشون في ألمانيا على السفر إلى العراق والانضمام إلى صفوف المقاومة. وستبدأ محاكمة لقمان في القريب بعد أن وجه المدعي العام الفيدرالي إليه تهمة دعم جماعات إرهابية أجنبية

العدد 825 - الأربعاء 08 ديسمبر 2004م الموافق 25 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً