يأتي مؤتمر الإسلام والديمقراطية الذي نظمته صحيفة «الوسط» بالتعاون مع مركز دراسات الإسلام والديمقراطية (6 و 7 ديمسبر / كانون الاول الجاري) في وقت تشتد فيه الوطأة الأميركية لتغيير أنظمة وزعزة استقرار نظم أخرى، والتلويح لأخرى بين هذا وذاك. وذلك إنما يأتي، بشكل طبيعي، مع استفراد أميركا بقيادة العالم، اتفقنا أو اختلفنا مع أميركا في ضرورة التغيير ناحية الدمقرطة والحريات وإعطاء بني البشر جزءاً من كرامتهم المهدورة في شتى بقاع العالم العربي.
لا يمكن التغافل عن نوايا الإدارة الأميركية النيوكولونيالية وأهدافها الحقيقية من السيطرة على موارد النفط ومفاتيح الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، فأميركا اليوم تقود العالم بشراسة ناحية الدمقرطة، ومبشرة باحلام وردية إذا ما سار العالم حسب مبادئها وقيمها، وعلى رغم ما تعانيه هي من أمراض اقتصادية واجتماعية (أكثر من 33 مليونًا من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر، أي 11 في المئة من عدد السكان)، واتساع مساحة الجرائم الاجتماعية بنسبة تزيد على المعدلات العالمية المتعارف عليها (أكثر من 20 في المئة).
إضافة إلى نزاعات عرقية وطائفية في المجتمع الأميركي، أضف إلى ذلك التضخم، والبِطالة، وانتشار الاحتكارات، ووجود جماعات التطرف الأميركي التي تصل في أعلى التقديرات إلى 250 جماعة، وفي أقلها 30 جماعة، مارست عنفاً طائفياً في عدة أماكن منها حادثة أوكلاهوما الشهيرة وغيرها.
تتعامل الإدارة الأميركية مع العالم كأي قوة استعمارية منتصرة، فهي تقوم بترويج قيمها «المكدونالدية» وثقافتها السائلة، ثقافة «الكوكاكولا» وأفلام العنف والجنس واسطورة سلفستر ستالوني. ومع ذلك فهي تتستر بورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الأقليات. وفي السياق ذاته يؤكد العالم النووي العراقي حسين الشهرستاني هذه الحقيقة بقوله: «إن احتلال أميركا للعراق وتقديمه على البقية ليس لشيء سوى لأنه كان الحلقة الأضعف في المنطقة، وكان لابد من «تجريب» الأسلحة الأميركية الجديدة، وتخويف الدول المعادية لسياساتها». ويضيف الشهرستاني: «هناك جانب آخر وهو تحويل العراق إلى جزيرة «مكدونالد» و«كوكاكولا»، ولكن اتضح للأميركان أنهم أخطأوا في ذلك»... إلا أنه وفي الوقت ذاته لا يمكن التغافل عما عانته وتعانيه الشعوب العربية من استبداد وكبت وحرمان من نصيبها في ثروات باطن أو سطح الأرض.
وفي مواجهة الهجمة الأميركية بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وكخطوة استباقية، فإن على الأنظمة العربية والإسلامية الأخذ في الاعتبار ما جاء في المؤتمر التحضيري لحركة التحرر العربية الديمقراطية من: «ان الكيانات العربية القائمة، شأنها في هذا شأن الكثير من بلدان العالم الثالث، تستند في «شرعيتها» إلى شرعية نظام دولي انهار وانقضى. وبذلك تصبح «شرعية» هذه الكيانات وقدرتها على التكيف والبقاء في مرحلة المتغيرات العالمية الراهنة والمتوقعة موضع تساؤل وشك. وبصرف النظر عن أية «مؤامرة» أو إرادة خارجية أو داخلية فان الكثير من الكيانات العربية غير قادرة على البقاء في ظل المتغيرات».
وفي السياق ذاته كشف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية - مقره لندن - أن الاحتلال الأميركي للعراق، كشف رغبة الولايات المتحدة في تغيير الوضع السياسي القائم في العالم العربي لخدمة المصالح الاستراتيجية والسياسية الأميركية. وبالتالي فإن التقاء الأنظمة العربية والإسلامية مع تطلعات الشعوب في نيل الكرامة الإنسانية أضحى ضرورة لطرفي العلاقة. ضرورة لنيل الشعوب كرامتها وحقوقها الآدمية وضرورة لإضفاء الشرعية المطلوبة على هذه الأنظمة، وبما أن الأخيرة هي القابضة على زمام الأمور في المجتمعات العربية فإن عليها يقع عبء المبادرة ناحية تغيير آليات الحوار مع الشعوب العربية لضمان ديمومة بقائها.
الجانب المضيء لأميركا
إذا كان من الانصاف القول، ان فريق الإدارة الأميركية الحالية - كما يقول الوزير اللبناني السابق غازي العريضي - ترى بالعين الإسرائيلية وفقاً للمصلحة الأميركية العليا، وذلك مما لا شك فيه، إلا أنه يجب النظر إلى الجانب المضيء من أميركا، وبعد أن أضحت الدعوى لقيام المجتمع المدني العالمي حلماً يراود الديمقراطيين في العالم، فإنه لا يمكن التغاضي عما تؤديه المعاهد الأميركية من خدمة للديمقراطية، تختلف في درجاتها من معهد لآخر، وذلك ما لا يراه أصحاب تمزيق وحرق العلم الأميركي وأصحاب شعارات التعميم والفوضى، فكل أميركا عندهم شر مطلق، وذلك ما لا يمكن تصديقه، فحتى الشيطان الرجيم قال كلمة صادقة لذاك الصحابي وهو «كذوب»! هكذا دفعة واحدة، فأميركا بما فيها من ثقافة وحريات ومعاهد ومصانع تصدير التكنولوجيا ومراكز أبحاث، ومعاهد نشر الديمقراطية الحقيقية كـ (مركز دراسات الإسلام والديمقراطية) الذي ينظم بالتعاون مع صحيفة «الوسط» مؤتمر «الإسلام والديمقراطية - تجربة البحرين». وهذه المعاهد جزء من تمويلها يقدمه دافع الضرائب الأميركي! فهل أميركا شر بالمطلق؟!
الديمقراطية والإسلام
من أسس الديمقراطية حرية الآخر في المعتقد، والذي تناوله القرآن الكريم في عدة مواقع: «لكم دينكم ولي دين» (الكافرون: 6)، و«لا إكراه في الدين»، (البقرة: 256)، وكذلك في السماح بالاختلاف في الرأي، فقصة الإعرابي الذي وجه كلامه للنبي (ص): «لم تعدل يا محمد»، وكل المسلمين يعلمون ماذا كان رد النبي (ص) عليه، مع أن بعض الصحابة هم بقتله! وكذلك ما كان يقوم به المنافقون في المدينة من إرجاف لم يأمر النبي (ص) بقتلهم «لكي لا يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه»، ألا يعتبر ذلك من حرية التعبير والنشر لأفكار مخالفة لما جاء به الوحي؟ وقصة المرأة التي خالفت رأي الخليفة عمر بن الخطاب (ر) وخضع لرأيها الموافق للشرع أشهر من أن تذكر.
وفيما يخص التداول السلمي للسلطة فإنه كانت البيعة تعتبر تصويتاً على الحكم، وإن اختلف المسلمون بشأن آلية أوعدد المبايعين ونوعيتهم (انتخابات مقيدة)، إلا أن الخلفاء الأربعة لم يكونوا ليتقاتلون على ملك زائل، بل كانوا أكبر من ذلك بكثير. وعلى صعيد مبدأ الفصل في السلطات كما يراه مونتسكيو، فإن الشعوب الإسلامية تقرأ في تراثها عن عدل خلفائها وتطبيقهم لمبدأ الفصل بين السلطات، فهذا الخليفة علي بن أبي طالب (ر) يتنازل عن امتيازاته كأمير للمؤمنين ويقف أمام القاضي شريح ويقبل بالحكم ضده! فأي مساواة أمام القضاء وأي فصل للسلطات بعد هذا؟
على ذلك... فان على الأنظمة العربية حماية عروشها قبل أن تنهار تحت جحافل القوى الاستعمارية الجديدة، وعلى التكتلات والأحزاب والقوى الاجتماعية في العالم العربي والإسلامي، تحديد وجهتها وأهدافها بصورة واضحة والتعاون مع الأنظمة في مواجهة هجمة الإدارة الأميركية الشرسة على العالم، ومحاولتها تهجين فقه الجهاد وتحوير مناهج الدين، وإفراغها من آيات السيف الدالة على وجوب قتال/ جهاد المعتدين والمحتلين، ومصاصي دماء الشعوب والمتمثل في الزمن الحالي بالنيوكولنيالية الحاضرة، ذلك من أجل أن ننعم - كشعوب عربية/ إسلامية - بخيرات الأرض وبكرامتنا الإنسانية، وحريتنا وعزتنا، في ظلال الإسلام الجامع، وعلى أسس من الديمقراطية والتسامح، أليس لنا الحق في ذلك؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 824 - الثلثاء 07 ديسمبر 2004م الموافق 24 شوال 1425هـ