طلب المنظمون أن تركز المداخلات في حلقة النقاش الأخيرة هذه على القضايا الرئيسية التي أثيرت في الجلسات السابقة. ومن هذا المنطق فإنني أود ان اطرح عددا من الملاحظات من واقع تجربتي السابقة مع مجلس التعاون:
1- اشتكى عدد من المتحدثين وبعض المعلقين من بطء اتخاذ القرارات في إطار المجلس ومن عدم تنفيذ بعض ما يتخذ من قرارات. من المعروف في هذا الصدد صعوبة اتخاذ القرارات الجماعية إذ اتضح في بحث سابق ان متوسط المدة المطلوبة لاتخاذ قرار عادي في المجلس هو ثماني سنوات منذ طرح الموضوع كفكرة إلى أن يتخذ القرار بالتنفيذ.
أما القرارات الرئيسية فإنها تتطلب مدداً أكثر من ذلك وعلى سبيل المثال استغرق موضوع اتخاذ قرار بشأن الربط الكهربائي ثماني عشرة سنة منذ طرحه كفكرة في العام 1982م إلى أن قرر المجلس الأعلى المضي في التنفيذ في العام 2000م وسوف لن نجني نتائج هذا القرار الا بعد اكمال ربط شبكات أربع دول من دول المجلس في العام 2007م.
2- يمكن قياس نجاح المجلس بمدى انتقال القرارات من المستوى الوطني إلى المستوى الاقليمي. ففي حالة الاتحاد الأوروبي تشكل القرارات والقواعد والقوانين الاقتصادية المنبعثة من الاتحاد ما نسبته 60 في المئة إلى 70 في المئة من جميع القرارات الاقتصادية في أية دولة عضو.
ولايزال أمام دول المجلس طريق طويل للوصول إلى هذه النسبة. وفي هذا الصدد أود ان أصحح معلومة قيلت بالأمس، فأية قرارات جماعية سواء في إطار مجلس التعاون أو في إطار الاتحاد الأوروبي لابد أن يعقبها قرارات وطنية لتنفيذها.
3- تطرح بين وقت وآخر قضية تدني التجارة البينية لدول المجلس ويؤخذ ذلك دليلاً على عدم نجاح مجلس التعاون. إلا أن بحثاً أجريته قبل ثلاث سنوات أظهر أنه اذا استبعدنا النفط من أرقام التجارة باعتباره سلعة عالمية فإن التجارة البينية تتراوح بين 30 في المئة إلى 40 في المئة من مجموع التجارة الخارجية لدول المجلس اضف إلى ذلك ان بحثاً نشرته الأمانة العامة لمجلس التعاون قبل شهر بيّن ان التجارة البينية في العام 2003م وهي السنة الأولى لتطبيق الاتحاد الجمركي بين دول المجلس قد قفزت بما نسبته 19,5 في المئة كل ذلك يظهر الدور الذي بدأت تلعبه التجارة البينية لتعزيز التكامل الاقتصادي لدول المجلس.
4- طالب أحد المعلقين بانفتاح اقتصادي أكبر من قبل المملكة العربية السعودية تجاه دول مجلس التعاون عموماً وتجاه البحرين بشكل خاص. إن الاقتصاد السعودي هو من أكثر الاقتصادات انفتاحا ليس فقط تجاه مجلس التعاون وانما أيضاً تجاه دول العالم الأخرى وهذا الانفتاح ساهم في زيادة حيويته ونموه. غير انه يواجه المشكلات نفسها التي تواجهها دول المجلس الأخرى، مثل البطالة. فنوعية المهارات التي تطلبها السوق السعودية غير متوافرة بالمملكة على رغم وجود البطالة ومن باب أولى غير موجودة في البحرين وبالتالي فان مزيدا من الانفتاح في سوق العمل لن يحل المشكلة. أما في المجال التجاري فإن المملكة هي أكبر شريك تجاري للبحرين وتصدر البحرين للمملكة أكثر مما تصدر المملكة للبحرين بحسب آخر احصاءات أي ان الميزان التجاري في صالح البحرين. وتعتمد مصارف الوحدات المصرفية وشركات التأمين في البحرين على السوق السعودية في الكثير من أنشطتها وذلك بسبب انفتاح السوق السعودية في مجال الخدمات المالية.
5- من واقع تجربتي أرى ان عدم الانتظار في قرارات التكامل بما في ذلك توحيد العملة حتى نستطيع الاجابة على جميع الاسئلة المطروحة بل ينبغي المضي قدما وحل المشكلات التي تبرز اثناء التطبيق. وأكبر مثال على ذلك ما حصل عند إنشاء الاتحاد الجمركي، إذ أظهر الواقع العملي عدم أهمية بعض الجوانب التي كانت مثار خلافات رئيسية قبل التطبيق.
6- سيساهم توحيد العملة في حل بعض المشكلات التي لم توضع لها حلول حتى الآن مثل قضايا التحويلات بين دول المجلس التي تتم حالياً عن طريق توسيط الدولار وهذا نوع من الهروب إلى الأمام شاهدناه في حالة الاتحاد الجمركي إذ كانت قضية شهادة المنشأ للمنتجات ذات المنشأ الوطني مثار جدال وخلافات بين الدول الأعضاء وبينها وبين الامانة. وبعد إنشاء الاتحاد الجمركي انتهت شهادة المنشأ وزالت الخلافات.
7- اذا حصرنا تعليقاتنا على المجال المالي - كما يوحي عنوان المؤتمر - فإن هناك عدداً من النقاط ينبغي التركيز عليها. وينبغي الاشارة بادئ ذي بدء ان هناك جهوداً كبيرة بذلت لتنسيق قواعد وإجراءات وانظمة الرقابة على المصارف ومحاربة غسل الأموال:
- على رغم محاولات مواءمة الأنظمة والإجراءات والأجهزة لأسواق رأس المال في دول المجلس ومحاولات الربط فيما بينها فإن جهوداً حقيقية جماعية لتوحيدها لم تتم. وتبرز أهمية مثل هذه الجهود لأن توحيد اسواق رأس المال ستشجع على مزيد من حركة الاستثمار بين دول المجلس وتقلل المضاربة وتزيد المنافسة مما يعزز كفاءة السوق وقدرتها على المنافسة دولياً.
- أقر السماح للمصارف الوطنية بفتح فروع لها بدول المجلس وقد اتسم التطبيق بالبطء الشديد واستخدام قاعدة المعاملة بالمثل وحتى الآن لم ترخص ثلاث من دول المجلس لأية مصارف خليجية اما لترددها أو لأن أسواقها غير جذابة. ونظراً لأهمية المصارف في النشاط الاقتصادي وبسبب احتدام المنافسة دولياً وتشجيع المصارف الوطنية على النمو وتسهيل تمويل المشروعات الكبيرة بأسعار تنافسية فإنه ينبغي النظر في إمكان السماح للمصارف الوطنية بتسويق منتجاتها وخدماتها عبر الحدود - بين دول المجلس - وذلك تحت رقابة واشراف الجهة الوطنية التي منحتها الترخيص. اما فتح الفروع فيترك للجدوى الاقتصادية.
- نظراً للتوجه الدولي نحو تحرير الخدمات المالية فلابد من التنسيق بين دول المجلس في هذا المجال وفي إطار منظمة التجارة العالمية بما في ذلك الترخيص للمصارف الأجنبية وشركات التأمين والسماح لها بتسويق منتجاتها - بموجب اتفاقات ثنائية - ومعاملتها الضرائبية... إلخ.
- إن قرار توحيد العملة بما في ذلك تبني مارك ألمانيا الغربية عند توحيد ألمانيا أو قيام الدول الأوروبية باطلاق عملة موحدة أو توحيد عملات دول المجلس هو في الاساس قرار سياسي ستكون له في البداية كلف مادية. إلا أن جميع الدراسات تشير إلى أن توحيد العملة بين مجموعة متقاربة من الدول سيؤدي حتماً إلى زيادة التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات فيما بينها وبالتالي تسريع معدلات النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية كما أنه سيساهم في دفع عملية التكامل الاقتصادي فيما بينها إلى الامام.
- أشار مندوب صندوق النقد الدولي إلى أن هناك ثلاثة خيارات لربط العملة الخليجية الجديدة وهي الدولار أو سلة من العملات الدولية الرئيسية أو بأسعار سلعة التصدير الرئيسية لدول المجلس وهي النفط. وطالما ان دول المجلس قررت قبل ثلاث سنوات تبني الدولار كمثبت مشترك لعملاتها فإن الجانب العملي يميل إلى ربط العملة الجديدة بالدولار. ويمكن التفكير بمراجعة هذا القرار على ضوء التجربة وبعد أن توضع القوانين وتحدد الإجراءات وتنشأ المؤسسات لإدارة العملة الجديدة
إقرأ أيضا لـ "عبدالله القويز "العدد 822 - الأحد 05 ديسمبر 2004م الموافق 22 شوال 1425هـ