انتابني صمت عميق، وحال من الاندهاش، عندما قرأت حديث وكيل وزارة الداخلية الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة قبل أيام، مع لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، بشأن قانون التجمعات الجديد، إذ قال: «جاء القانون لسد النقص التشريعي بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة»، ماذا يقصد الشيخ دعيج بـ «النقص التشريعي»، وما نواحي النقص والقصور في القانون القديم والتي غطاها القانون الجديد؟ المُلاحظ أن القانون القديم لم يتطرق إلى مسيرات المركبات/السيارات لا من قريب ولا من بعيد، فربما هذا ما عناه من النقص!
ولكن في الوقت ذاته نفى الشيخ دعيج بأن القانون قد جاء كرد فعل على «الحوادث والمسيرات الأخيرة التي حدثت في الشهرين الماضيين»، وإن لم يكن كذلك حقاً، فلماذا حمل القانون صفة الاستعجال؟ مع العلم بأن صفة الاستعجال لا تلحق بهكذا قوانين؟!، ثم هل من الصدف أن يأتي القانون بعد سلسلة المسيرات والندوات والاجتماعات التي أغضبت الداخلية أخيرا؟!
في الاجتماع نفسه، قال ممثلو وزارة الداخلية للجنة إن سبب صدور القانون الجديد يكمن في «ضرورة التغيير لاسيما ان القانون القديم معمول به منذ نحو 30 عاماً، ولا يواكب المرحلة الحالية»، والغريب ان القانون القديم على علاته وتقييده لحق الاجتماع إلا انه أفضل بكثير من القانون الحالي، فقد اكتفى القديم بضرورة أخذ «الإخطار» (الملغي في فرنسا منذ العام 1907) بينما شدد الحالي على أخذ «الترخيص»، ما يعني إن القانون الجديد متطور جداً على القانون الحالي، ولكن في اتجاه السلب والانحدار!
وإن كانت «الداخلية» حريصة جداً على تطوير القوانين فلماذا لم تصغ قانوناً جديداً للسجون، إذ إن القديم قد صدر منذ أيام الحماية البريطانية في العام 1964؟! وإن كانت التجمعات وقتية ومؤقتة فالسجون دائماً ممتلئة وحالتها مستمرة، فأيهما أولى بالتجديد وإلحاق صفة الاستعجال؟
أما رئيس اللجنة أحمد بهزاد فقد بين أن «هدف القانون الجديد المُحافظة على النظام العام»، ولكن المحافظة عل النظام العام لا تأتي إلا بمزيد من الحرية وليس بتضييقها، إذ تنص إحدى النظريات القانونية على ان «ما وجدت الحرية إلا للمحافظة على النظام العام».
قال بهزاد أيضاً، إن الدستور قد منحهم حق صوغ القوانين، وما قاله صحيح، إلا انه غفل ان القوانين لابد ألا تُحد من جوهر الحق بحسب المادة (31) من الدستور، وهذا مالم يُلتزم به في القانون الجديد.
الداخلية ذهبت إلى أبعد من ذلك وبينت أن القانون متطور، وتم إعداده بتأن ووفق دراسة «مستفيضة»! فهل كانت خلاصة دراستها «المستفيضة» قانوناً يفترض سوء النية في المنظمين ويجيز فض الاجتماع بالقوة الجبرية مالم يكن مُرخصا! يبدو انها «زلة لسان» وقعت فيها وزارة الداخلية أثناء توصيفها لقانونها المتطور جداً
العدد 820 - الجمعة 03 ديسمبر 2004م الموافق 20 شوال 1425هـ