العدد 817 - الثلثاء 30 نوفمبر 2004م الموافق 17 شوال 1425هـ

رؤية هلال العيد كانت سراباً... فماذا عن أهلّة المستقبل؟

عود حميد... بعد العيد!

ابراهيم عباس نتو comments [at] alwasatnews.com

الآن وقد انقضى العيد، وعاد من سافر للمعايدة والتعييد في الداخل وفي الخارج، وبعد أن رجع الناس إلى مواقع عملهم؛ وبعد أن أكملوا فرحتهم بالعيد، إليكم الآن بعض المراجعة، مع شيء من المصارحة إن سمحتم - حيال مسألة «رؤية» هلال الشهر القمري، مع أملي في الأخذ بما جاء هنا أو بعضه، ولو للأعياد والمناسبات المقبلة.

هذه المرة، وعلى الأقل في منطقة الخليج، لم تـنحُ «رؤيةُ الهلال» المنحى العلمي، فلقد جاء «شاهد» (الرؤية) الفلكية مجانباً للحقيقة (بلا شك من حيث لا يقصد) وأخطأ من حيث لم يحتسب؛ فلقد شُبِّه له أنه «رأى» الهلال، في حين أن ما «رآه» كان سراب الهلال. فالذي حدث هو انه بينما كان الهلال الوليد متوارياً خلف الشمس كان في الأفق هواء بارد من (على مد مستوى إبصار العين في خط مستقيم)، بينما كان على الجهة المرتفعة (في درجة حادة) هواء دافئ، ما سبب للرائي «رؤية» انعكاس - كما في انعكاسات السراب في الصحاري، وكما في انعكاس المرايا - للهلال الحقيقي القابع في الجهة الأخرى. وكما أوضح وهيب الناصر، وهو نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية، عميد كلية العلوم في جامعة البحرين، فإن الذي حدث هو انكسار شعاع الضوء بسبب مروره من وسط دافئ إلى وسط بارد؛ وأفاد بأن الذين ظنوا أنهم «رأوا» الهلال، إنما رأوا «خداعاً بصرياً تمثل في سراب الهلال، أو ما أسماه الناصر: «السراب القطبي»؛ فأشار إلى أن غروب القمر في مكة المكرمة (والمملكة العربية السعودية) في يوم الجمعة 12 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2004م، يسبق غروب الشمس بحوالي 10 دقائق، ما تستحيل معه «رؤية» الهلال. فـما رصده «الشهود» إنما كان صورة خيالية للهلال بسبب ظاهرة «السراب القطبي». وتمنى الناصر بكل حُرقة، أن يأخذ الناس بالحسابات العلمية الفلكية في السنوات المقبلة.

ولقد كان إعلان «رؤية» هلال عيد الفطر لهذا العام أكثر مفاجأة بعد أن كان قد أُعلن بتكرار وتواتر وفي أكثر من جهة علمية وفقهية رسمية وأهلية (بما فيها «تقويم أم القرى» العتيد)، أن ستكون غرة شهر شوال 1425هـ، في يوم 14 من نوفمبر، يوم الأحد أول أيام عيد الفطر؛ وقال مثل تلك المقولة أيضاً عميدُ الفلكيين العرب صالح العُجيري في الكويت.

الحساب العلمي

وفيما يخص العيد المنتهي حديثاً (عيد فطر 1425)... فقد أعلن الاختصاصيون والراسخون في علم الفلك، أن العيد سيكون في يوم الأحد، وأقر ذلك عدد من علماء الاختصاص الحاذقين في هذا المجال، وهذا هو تخصصهم من دون غيرهم؛ فمن ذلك ما كان قد أعلن فحواه قسمُ الفيزياء في جامعة البحرين، وجمعية الفلكيين البحرينية، وقسم الفلك في مدينة الملك عبدالعزيز التقنية في الرياض، وقسم الفيزياء بكلية العلوم في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، إذ أفاد رئيس ذلك القسم علي محمد الشكري ان سيكون «بدء» ولادة هلال شهر شوال في الساعة الخامسة وسبع وعشرين دقيقة من مساء يوم الجمعة 29 رمضان 1425 هـ بحسب «تقويم أم القرى»، الموافق لـ 12 نوفمبر. أما مواعيد شروق وغروب الشمس والقمر بحسب أفق مكة المكرمة والمناطق المجاورة، فجميع الحسابات والأوقات بحسب أفق مكة المكرمة - خط العرض: 21,65 درجة شمال خط الاستواء، خط الطول: 39,77 درجة شرق رينِتشة.

كما يلاحظ من الجدول ادناه، فإن ولادة القمر في يوم الجمعة قبل غروب الشمس بحوالي ثلاث عشرة دقيقة، ولكن سيكون غروب القمر «قبل» غروب الشمس بحوالي تسع دقائق؛ لذلك وبحسب الحسابات الفلكية لا يمكن رؤية الهلال «بعد» مغيب الشمس لعدم وجوده فوق الأفق؛ وعليه فمن الناحية الفلكية لن يكون اليوم التالي (السبت) بداية لشهر شوال.

ثم واصل الناصر قوله: «أما هلال مساء يوم السبت (ليلة الأحد) فسيكون سهلَ الرؤية إذ سيكون مرتفعاً بأكثر من سبع درجات فوق الأفق وحوالي عشر درجات على يسار (جنوب) الشمس وعمره حوالي أربع وعشرين ساعة وإضاءته حوالي 1,4 في المئة من قرص القمر الكامل (البدر) لحظة غروب الشمس، ومدة مكثه حوالي أربعين دقيقة فوق الأفق، ويكون الهلال مائلاً قليلاً لليسار. لذلك، فمن الناحية العملية والحسابات الفلكية والتوقعات النظرية فإن رؤية الهلال مساء ذلك اليوم (السبت) ستكون ممكنة وبسهولة عند صفاء الجو، وسيكون يوم الأحد أول أيام شهر شوال، وسيكون الهلال لحظة غروب الشمس على يسارها بحوالي عشر درجات وارتفاعه حوالي سبع درجات.

ثم أضاف أن من المستحيل «رؤية» الهلال مساء يوم الجمعة (12 نوفمبر) لأنه سيكون «تحت الأفق»، إضافة إلى ذلك فإنه من الممكن أن توجد مجموعة من النجوم «الثابتة» المنظورة، مثل العقرب أو برج الميزان، بل وحتى عطارد كانت هناك في المنطقة نفسها المتوقع فيها رؤية الهلال (ما يسبب احتمال أن يحدث معها الالتباس والمشابهة،حتى لأقوى العيون وأجلاها غشاوة وأحدها بصراً).

برنامج «ستاري نايت» الحاسوبي: «مرصد» متكامل!

ولقد حصل لي شخصياً أن وَجدتُ (في ثاني أيام العيد) أن هناك برنامجاً فلكياً حاسوبياً بعنوان «ُّفْْ خىهوُّ» دأبت على إنتاجه شركة كندية، كانت طبعته الأخيرة في هذا العام، مع توالي طبعاته، تضاءل سعر شرائه خلال السنوات القليلة الماضية، فجاءت «الطبعة المبسطة» منه - لغرض «الهواة» ومن في حكمهم - بسعرٍ انخفض عن سعره في العام الماضي بمقدار الثلثين تقريباً على رغم الزيادات والتطويرات التوسعية الكبرى، فجاءت رزمة 2004 منه حاوية 3 برامج، شمل أولها التعريف بـمليونين وخمسمئة ألف نجم، و28000 مجرة، و700 مليار سنة ضوئية من الفضاء الفسيح المتواسع، بينما حوى البرنامج الثاني، وكان بعنوان «Starry Night-Pro» تم إعداده للفلكيين المبتدئين والمتعلمين الحريصين، لتعريفهم بأكثر من 16 مليوناً من النجوم، و13000 قطعةً سماوية، وأخيراً البرنامج الثالث «Starry Night Pro-Plus»، أعد للمتخصصين من دارسي الفلك وعلمائه المعنيين باستكشافات الفضاء الرحيب. وشملت رزمةُ البرامج هذه أيضاً اسطوانتين مدمجتين جمعتا ووزعتا آلافاً من البيانات الفلكية الدقيقة وعدداً هائلاً من الصور الكونية الفريدة. كما أن بالإمكان استخدام مثل هذه الرزم الحاسوبية للإطلاع على ما كان عليه الوضع الفلكي قبل آلاف السنين الماضية أثنائها، وكذلك في آلاف السنين المقبلة.

وفي هذه الرزمة من البرامج الحاسوبية الفلكية «Starry Night» مجالات مفصلة وفرصٌ محددة للوقوف على مختلف منازل النجوم والكواكب ومواقع الأهلَّة في مختلف مناكب الكون الفسيح، ويمكن متابعة هذه وتلك من أية بقعة في أي موقع جغرافي، في أية جهة من جهات العالم وفي أية ساعة ودقيقة في الـ 24 ساعة من أي يوم، ومن دون الحاجة إلى أي تيليسكوب. في هذه البرامج كان واضحاً جلياً أن ليس هناك حتى «إمكان» رؤية الهلال يوم الجمعة 12 من نوفمبر(29 رمضان) من هذا العام، وبالتالي وجبَ صومُ اليوم التالي (السبت) والتعييد في اليوم التالي (الأحد). ولكن كل هذا وهذه وذاك لم يؤخذ به إبان تحديد رؤية هلال «العيد» الأخير، بل ذهب طي السديم وأدراج الرياح!

الناس ورؤية الهلال

وما يحزنني هو ما لاحظته عبر عشرات السنين من أن قومنا يعجبهم عنصر الغموض، ويتلذذون لأنواع الترقب والتكهن في شكل موسمي يشبه الاحتفالية المقاربة للمهرجانية، على الأقل مرتين أو ثلاث مرات سنوياً، وتجدهم وكأنهم يطربون إبان التساؤل عن الهلال وعما إذا «جابوه... والاّ ما جابوه؟»، و«شافوه وإلاً ما شافوه؟»؛ ثم يحدث مزيد من العجب بعد ذلك حينما تجدهم بعد إعلان «النتيجة»، يبدأون في التساؤل عمن «صام (أو أفطر) معنا؟»، وتجدهم يعددون الدول التي صامت والتي لم تصم «معهم»، هكذا! وتجد أن كل ذلك يأتي في نبرة وكأن الآخرين بالتأكيد غلطانون وجانبهم الصواب!

في هذا الموسم، كان من الدول التي أفطرت السعودية والبحرين والإمارات وفلسطين والسودان، بينما امتنعت عن الإفطار دول مثل مصر والأردن ولبنان (في الدولة الأخيرة، كان السيد محمد حسين فضل الله قد أعلن بوضوح منذ بدايات الأسبوع السابق بأن العيد سيكون يوم الأحد).

وفي المقابل، ألاحظُ وأُحِسُّ بأن نوعاً من الانشطار التفكيري يكتنفنا أيضاً، وهذا «الانشطار» يأتي في شيء من التناقض، فتجد الواحد منا يود - من ناحية - أن يسود الفكر والتفكير العلميين في تحري وإثبات رؤية الأهلة ونحوها، ولكننامن ناحية أخرى نود أيضاً لو «توحَّدت» الأمة في إعلان تلك الرؤية، بل وحتى في «توحيد» تعميمها واعتمادها، فأنى لذلك أن يحصل؟ خصوصاً انه لا يتماشى مع طبيعة الكرة الأرضية وخطوط «طولها» على مدار دائرتها ذات الـ 360 درجة. وكيف لنا أن نتوقع أن «نرى» الهلال بدءاً بأطراف شرق إندونيسيا في أقصى «الشرق الأقصى» من جهة، وحتى أقاصي غرب المغرب على المحيط الأطلسي من إفريقيا في الناحية الأخرى!

بعضُ التَّبِعات

ومن الآثار السلبية وراء عدم اعتماد الحساب العلمي بصفة مسبقة أن كثيراً من المصالح ستتضرر، ومن ذلك ضياع يوم أو أكثر في الاقتصاد الوطني/القومي. ومجرد مثال، ففي مملكة البحرين - و بتعداد سكان يبلغ حوالي نصف مليون نسمة - قد تصل الخسارة المادية من الناتج المحلي (GDP) بمبلغ لا يقل عن 10 ملايين دينار (26 مليون دولار أميركي) عن كل يوم من أيام الإنتاج. فتجد هذا البلد حريصاً على الانضباط الإداري، إذ لا يزيد عدد أيام أعيادها عن 3 أيام (و لكن إذا صادف وأن حل أحد تلك الأيام في يوم جمعة، فإنه «يُعوَّض» عنه بالنهار التالي من أيام العمل التالية، وبذلك تتمدد العطلة بيوم).

وإضافة إلى النواحي الاقتصادية المباشرة، فإن «لخبطة» المواعيد تطول الإجازات ورحلات السفر والحجوزات بالطائرات وغيرها، ولعل من المناسب عدم تناسي المشكلات التي تتطلب إعادة ترتيب حتى الأمور المنزلية أيضاً، ومن ذلك تحضيرات «ليلة العيد»، مثلاً تحضير «فطور العيد»، بل وحاجة كل «سيدة» وآنسة في المنزل إلى الذهاب إلى المُقيَّـنات (الكوافيرات) لتصفيف الشعر ونحوه، ثم لا ننسى الآثار السلبية لعدم «عقل» الأمور مسبقاً، وقلة وضع ال

العدد 817 - الثلثاء 30 نوفمبر 2004م الموافق 17 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً