العدد 815 - الأحد 28 نوفمبر 2004م الموافق 15 شوال 1425هـ

المرجع السيستاني... الرقم الصعب في المعادلة العراقية

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تستوقفني كثيرا شخصية المرجع الديني السيدعلي السيستاني... فهو رجل المواقف الصعبة والخيار الأصعب على الساحة العراقية. رجل لا يستطيع أحد ان يزايده في تقواه. طعامه اليومي قطع من الخبز وقليل من الثريد البسيط، هذا العملاق يسكن في بيت طيني محاط بأزقة النجف القديمة، لا يسعى إلى منصب دنيوي، فبإمكانه ان يسكن أفضل القصور لو أراد، فكان كجده علي ابن ابي طالب، أرادته الدنيا ولم يردها بل طلقها ثلاثا، فكما ان عليا زان الامامة كذلك السيدالسيستاني فهو الذي زان المرجعية فلم تزينه، ويظهر جليا ثقل السيد في موقفه الكبير عندما فوت على الاميركان محاولة الاستفراد بالنجف وكربلاء، ونصح تيار الصدر بعدم اعطاء الفرصة للاميركان في ضرب النجف والاماكن المقدسة فاستطاع ان ينزع فتيل المؤامرة وراح يصرخ في آذان الجميع لا تعطوا الاميركان فرصة الاستحواذ، فدعا إلى المواجهة السلمية وإحراج الاميركان بالانتخابات ولذلك عرف المراقبون قيمة النصيحة عندما رأى التيار الصدري ما آلت اليه الأمور، قتل وذبح وفي نهاية المطاف قام التيار بتسليم السلاح للشرطة العراقية وهنا يأتي سؤال مهم. هل كان السيدالسيستاني يطمح إلى منصب دنيوي، رئاسة العراق مثلاً... لا أبداً انه فرض قوته على الجميع بما في ذلك الاميركان فهم يحسبون له ألف حساب، فكلمة واحدة من المرجعية - أدام الله عزها - بإمكانها ان تغير الكثير من مجريات الأحداث. لهذا نجد ان السيدالسيستاني راح يدعو العراقيين إلى المشاركة في الانتخابات ضاربا كل الانتقادات والسهام الموجهة إليه عرض الحائط، وهذه سمة الزعيم ألا يعطي اذنه لأي نقد ما دام واثقاً من خطاه وحركته فالسيدالسيستاني يعلم جيدا ان المشاركة في الانتخابات تعني الامساك بمفاصل التأثير في العراق، وذلك له دلالة واضحة لاحراج الاميركان وتمكين العراقيين من مواقع القرار في العراق.

السيدالسيستاني يعلم جيدا إلى أين هو سائر، لهذا كل الاعلام الذي وجه لثنيه لم يعبأ به وغداً سنكتشف نتائج هذا الموقف. البعض يحاول ان يضرب السيد من كون أصله فارسياً فيقولون: ان أصله فارسي فما علاقته بالشأن العراقي! ونحن نقول: هو عراقي ولو كان فارسي المولد فما المانع من ذلك فأهل فارس انجبوا على طول التاريخ عباقرة ومفكرين وشعراء خدموا البشرية فالامام الخميني من فارس والخيام الشاعر الكبير من فارس والامام أبوحنيفة من أهل فارس نشأ وترعرع في الكوفة.

ما يميز السيد ايضا الالتفاف الكبير من قبل المسلمين في العراق أو خارجه وكذلك التفاف العشائر العراقية حوله. اذاً هو عالم الدين الواقعي وهو اثبت بموقفه انه اكثر واقعية حتى من رجال السياسة.... انها واقعية ترتكز على القراءة المبدئية للساحة وهي قائمة على أسس فقهية متينة. عندما كنا طلابا في قم ندرس الشريعة الاسلامية كنا نتلقف كتب السيدالسيستاني إذ كانت تحمل الغزارة العلمية واتذكر منها «شرح العروة الوثقى» وكتاب «القضاء» وايضا «رسالة في حجية مراسيل ابن ابي عمير» وله رسالة ايضا في «قاعدة التجاوز والفراغ» وغيرها من الكتب. هذه المتانة الفقهية والقراءة السياسية الواعية جعلته ينظر ويحلل الواقع السياسي في العراق بصورة بعيدة عن العواطف والشعارات لذلك نحن هنا علماء ومثقفين وقواعد شعبية نرجع في نظرتنا للواقع السياسي إلى ما يراه السيدالسيستاني، وهنا تكمن قوة مرجعية السيد في الالتفاف الشعبي الكبير. كلمة واحدة من السيد يحسب لها ألف حساب، هذه الكاريزما وهذا الالتفاف الشعبي لم يأت عبثاً، بل هو راجع إلى قناعة ذاتية ومبدئية بدور المرجع في العقلية الشيعية ودور مركزية القرار في الموقف الفقهي للقضايا المصيرية العامة التي تحتاج إلى حسم.

بداية الخير قادمة في الطريق وها نحن نشهد بزوغ مزيد من الفضائيات، فأصبح الصوت المعتدل والمخنوق من قبل مخابرات صدام يخرج من تحت ركام الحزن والوجع والألم ليعبر عن نفسه في اكثر من فضائية. اذاً نحن لا نقبل بأي تطاول على السيد بالكلام البذيء او بالنقد الهابط. لكل انسان وجهة نظره مع مراعاة أدب الحوار. كبحرينيين نحن نقدس السيدالسيستاني أولا كونه مرجعاً دينياً نرى في محياه وسلوكه ملامح علي ابن ابي طالب (ع) فهو يذكرنا بدنيانا وآخرتنا، زهده، تقواه، علمه، إخلاصه، حرصه على دماء المؤمنين تزيدنا حباً فيه ولا ننسى وقفته ومواساته لنا كبحرينيين عندما أقدم النظام السابق على قتل 12 شابا من ابنائنا في العراق... هذه الأقمار البحرينية قطفت يومها وكان المواسي لنا هو السيدالسيستاني. لي صديق عزيز اسمه محمد من مدينة عيسى قال لي يوم أمس: «هل تصدق سيد انا أقدس هذا الرجل (يقصد السيستاني) فاتذكر اني قبل 6 سنوات دخلت عليه غرفته الصغيرة في النجف، فلما علم اني من البحرين وقف لي وسلم بحرارة وقال: أبلغ سلامي لأهل البحرين فإني احبهم ولا تنس سلامي الحار إلى الشيخ عبدالأمير الجمري». ونقول: «ونحن كذلك نحبك وأقل القليل أن نقابل عرفانك بمنع التطاول عليك فما يسيئك يسيئنا، لهذا ينبغي التصدي للكتابات التي تتعمد التطاول على السيد». سر يا ابن رسول الله فهذا العالم كل العالم يشهد موقفك الصعب وكيف تقود الجماهير نحو الخلاص والمستقبل المشرق. هذه الحجارة ستجعل منك تمثالا للشخصية القوية والصعبة كما عرفناك رقما صعباً «فقليل فيك المديح الكثير»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 815 - الأحد 28 نوفمبر 2004م الموافق 15 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً