ورد في ذهني السؤال بعد أن رأيت هذه الهجمة على صحيفة «الوسط» بشتى العبارات التي لا صلة لها بأخلاقيات المهنة. فنحن نعرف كيف تتنافس الأوساط التجارية، وتشوّه سمعة بعضها بعضاً، فترفع أسهم بعضها وترمي بالآخر بأقذع الصفات وأغباها! ولكن العمل الصحافي يجب أن يكون بعيداً عن المساومات التجارية، وحملات ترويج الصحف وكأنها منتجٌ منافسٌ للسلع في السوق. فالسمة الأساسية للصحافة تتمثل في أنها «مهنة الضمير»، والعمل الصحافي إذا ما فقد هذه السمة، وسقط في وحل المهاترات على حساب القيم والأخلاق والوطن فماذا تبقّى لدينا من قيم فاضلة أمام التنافس غير الأخلاقي؟
ليس مدحاً في «الوسط» القول بأنها نافحت عن قضايا رئيسية وأساسية في حياة المواطنين، فهذا واجبها كما تراه، في حين كانت الكتابة في مثل تلك القضايا تعتبر ضرباً من الخيال والخبال. وبمهنية راقية شقت «الوسط» طريقها نحو النجاح. ومنذ البدايات كنت من جملة المتفائلين بـ «الوسط»، وصدق حدسي... فها هي قد ثبتت مؤشرها في قلوب القراء بصدقية الخبر ونقل مختلف وجهات النظر.
وها هي «الوسط» - كما أكّد رئيسها في أكثر من موقع - تترفع عن المهاترات الصحافية، أو التقوقع على فئة دون أخرى، أو طائفة دون أخرى أو رأي دون آخر. ولطالما شهدت صفحاتها الرأي والرأي الآخر، حتى وقعت هيئة التحرير في إشكالات عدة بسبب ذلك، ولعل لقاء العقيد فليفل أحد هذه المشكلات. والدفاع عن معتقلي غوانتنامو والشبان الستة وقضية المعتقلين في السعودية وموظف الجوازات... وغيرها الكثير من القضايا أثبتت فيها «الوسط» انها «ليست لفئة دون أخرى، بل هي تعكس كل الطيف السياسي في البحرين»، ولكن طبعاً لن ترضى عنها العيون والآذان الطائفية. فهل تدفع «الوسط» نظير مواقفها ضريبة الوسطية؟!
ونحن اليوم أمام مفترق طرق، بالنسبة إلى إحدى أدوات المشروع الإصلاحي، فمن واجبنا حماية أدوات هذا المشروع والصحافة الحرة التي تنقل مختلف الآراء هي احداها. فقد أثبتت «الوسط» أنها جديرة بقيادة الإصلاح على الساحة الصحافية، من خلال تمثيلها «للتيار المعتدل والمطالب بحياة دستورية قائمة على احترام حقوق المواطنين والالتزام بحكم القانون ودعم الشفافية اللازمة لتحقيق الحياة الديمقراطية في الحياة العامة». والسؤال هنا: كيف كان حال الصحافة قبل صدورها؟ وما حال الصحافة لو احتجبت «الوسط» عن الصدور؟ بالإجابة عن هذه الأسئلة تتضح قيمة «الوسط» ومدى إسهامها في الحياة السياسية وفي مختلف أنشطة العمل الاجتماعي.
لا أعتبر شهادتي مجروحة، لأني أعبر عن شريحة كبيرة التقيتها لا تثق في الخبر ونقل وجهات النظر المختلفة إلاّ في «الوسط». إلا ان ذلك لا يعني أنني اتفق 100 في المئة مع كل ما ينشر فيها، ولكنها حرية الرأي والتعبير والتعددية الفكرية، هي ما تحتم علينا تقدير مختلف الآراء وإن لم نكن نعتقد بصحتها. وإلاّ فهل هذه المبادئ نتغنى بها في مقالاتنا وليس لها نصيب على الواقع؟ فما دمنا آمنّا بالتعددية في الآراء ينبغي أن يتجلى ذلك في الواقع العملي. يجب أن لا تجرنا - بصفتنا متابعين للصحافة المحلية - المهاترات التجارية إلى تبنّي كل ما يطرح على الضفة الأخرى، ولكل عمل منتقدوه، سلباً أم إيجاباً، وذلك الانتقاد يتوقف على رؤية الناقد لـ «الوسط»... فهل ينتقدها بالعيون الطائفية ذاتها والقلوب البائسة الشقية المشتغلة، من أجل الربحية التجارية على حساب الوطن؟!
إذاً، ما هو مقياس الأداء الصحافي؟ في الحقيقة لن نجد أفضل من مدى تبنّي هذه الصحيفة أو تلك للقضايا الوطنية والدفاع عن حقوق الإنسان، ودولة القانون والمؤسسات، وترسيخ دعائم الحكم الصالح، والشفافية وحرية الرأي والتعبير. هذه هي المعايير التي نقيّم على أساسها أداء صحيفتنا «الوسط»، فما هي معايير الآخرين؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 815 - الأحد 28 نوفمبر 2004م الموافق 15 شوال 1425هـ