العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ

انفتاح من قشور البرتقال

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

الانفتاح على العالم الخارجي مطلب تسعى إلى تحقيقه كل دولة طامحة إلى التطوير والتجديد، وهو أمر حثنا عليه الإسلام مسبقاً حين أمرنا بطلب العلم ولو في الصين، وحين نبهنا إلى أن للسفر سبع فوائد... وكان المراد من هذا الانفتاح بحسب ما فهمنا الخروج من قوقعة المتعارف والموروث إلى بحر من العلوم والمعارف التي ترقى بالعقول إلى المستوى الذي يجعلها تتحرر من القيود البالية لتقبل على الإعمار بأوجهه كافة وفي مختلف المجالات... ولا شك أننا كنا السباقين إلى تفعيل هذا المبدأ، وكنا أول من سعى إلى دمج الخبرات ونقل معالم التطور إلى ديارنا لتصبح مواكبة للعصر كما يقال... ولكن يا ترى ما الذي استفدنا منه حقّاً من وراء سفرنا إلى ما وراء البحار سواء ركبنا إلى ذلك طائرة أو طرنا إلى كل مكان ونحن في بيوتنا عبر أجهزة صغيرة باتت جزءاً من عائلتنا الصغيرة أو الكبيرة، بل جزءاً من حياتنا اليومية عموماً؟

لا شك أننا نقلنا كثيراً من معالم التطوير - كما يقال عنها - إلى ديارنا حتى انها باتت ظاهرة علينا شخصيا قبل أي شيء آخر... نحن (تطورنا) حتى في لبسنا وها نحن نسابق الريح وراء كل موضة جديدة... والحكومة الالكترونية باتت مسعانا الذي نأمل من ورائه الكثير الكثير... البداية كانت مع تلفاز نقل إلينا ما يجري ويدور في بعض المناطق القريبة ثم سرعان ما تطور (انفتاحنا) على العالم حتى وصلنا إلى أبعد نقطة فيه ونحن في بيوتنا التي دخلها بالإضافة إلى ذلك التلفاز جهاز كمبيوتر بدأ يغزو بعض وزاراتنا وشركاتنا... ثم تطور الأمر ليتكاثر هذا الجهاز ويخلف وراءه كوماً من الأجهزة بأشكال وأصناف متعددة تتدخل في كل شيء من حياتنا التي حوِّلت مع مرور الزمن وزيادة التطور إلى حياة الكترونية كل جزء يستطاع التحكم فيه عن بُعد ولا يتطلب كثير جهد أو تعب. وفوق ذلك باتت الدراسة في الغرب حلمنا الذي سيوصلنا إلى الوقوف على كل مظاهر التطور التي من المفترض أن ننقلها إلى بلادنا لتصبح مع مرور الوقت واحدة من تلك الدول ذات المقام الرفيع علماً ومظهراً.

نعم، نحن استفدنا من انفتاحنا على العالم الخارجي، ولكن يا ترى ما هذه الاستفادة؟ المتابع لمظاهر (التطور) لدينا ومقارنتها بنظيرتها في الدول رمز التطور على الدوام في عيوننا وعيون الجميع ماذا سيكتشف؟ لا شك بدا أننا وقفنا على الظاهر فقط، ورضينا بمقولة «المظهر هو الأساس لأنه أول ما تقع عليه عيون الناس»... ونحن إن بغينا التطور قلدنا، ولا يهم أبداً ماهية هذا الذي نقلده وما إذا كان يتواءم معنا أم لا... من مظاهر التطور لدينا لبس على الموضة قد نتنكر فيه حتى على أنفسنا، جهاز كمبيوتر وخط انترنت لا نستخدمه إلا في الطالح من الأمور، سيارة آخر موديل، بيت يحوي أثاثاً أميركيّاً، مصارف وشركات ووزارات تتبع النظم العالمية اسماً فقط، الدخول في معاهدات ومنظمات لا يشترك فيها إلا المتقدم من الدول... في حين مظاهر التطور لدى العالم الذي نظن أننا نقلده قوانين تحترم حقوق الإنسان تمنحه فرصة للتعبير عن رأيه الذي غالباً ما يكون محل تقدير بغض النظر عن كونه صادراً عن من، عقول نيرة لا تغرب ولا تهجر بل يستفاد منها على أوسع نطاق وتقدر حق قدرها، نظم إدارية لا تعترف بطوابير المراجعين وقد أدارت بظهرها لشيء يدعى قلما وورقا وأكواما من الملفات التي غالبا ما تأتي العفونة على محتوياتها هذا إن لم تفقد أساسا، أناس يوظفون بحسب شهاداتهم من دون الحاجة إلى التطعيم بـ «فيتامين واو» ويعطون فرصة للكشف عن خباياهم ولا يمكن أبدا أن يركنوا على الرصيف أو يزاحمهم الغرباء في أرزاقهم!

ويبقى انفتاحنا وتطورنا قشراً برتقالياً زاهياً بمعزل عن لبه... ونبقى نحن نستعرض عضلاتنا ومهاراتنا في السباحة على سطح البحر فقط، لأننا وببساطة لا نقوى أبداً على الغوص في الأعماق... ونبقى نحن وانفتاحنا سواء، مكتسين ومتمخترين بقشور البرتقال

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً