العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ

يغرهن الثناء: بوش ورايس والقبلة القاتلة!

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

«تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى» (الحشر: 14)

«وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ» (الكهف: 18)

«يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» (آل عمران: 167)

في السابع عشر من شهر يوليو/ تموز من العام 2003 اتفق كل من وزير الخارجية الأميركي كولن بول ومستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس يومذاك سراً على الاستقالة من وظيفتيهما والكف عن العمل المناط بهما في فريق عمل الرئيس جورج بوش الابن، لأسباب لم يعلنوها في حينها، غير أن الأوساط ذات الخبرة في اقتناص المسكوت عنه وغير المعلن أشارت إلى أمور أهمها كما أورد مسئول كبير حجب صورة اسمه عن المجتمع: الإحساس بوجود «نزعة» وإنهم لم يشرحوا ماهيتها ما إذا كانت «نزعة» طائفية أو عرقية أو فكرية أو تراتبية أو معرفية!

وأشارت المصادر أيضاً إلى أن كولن باول صمم على الاستقالة ولم تثنه جميع المغريات التي أسقطت في طريقه ليلتقطها ويتراجع عن قراره ويعود ذلك الرجل الوديع الذي عَرف مُتعة العمل مع الأب وفريقه، وعرف شقاء العمل مع الابن وفريقه، وبقي مبتسم الثغر ضاحك الوجه دمث الخلق ببدلته العسكرية أو المدنية؛ غير انهم يذكرون كم تغير ذلك الوجه حين علم بأن حليفته كوندليزا أخلفت تعهدها معه وقبلت بأن تخلفه في منصبه مقتنصة الفرصة لتقصي من مرتبة التقدم والتميز كل من تبوأ مركز وزير خارجية أميركا أمثال كيسنغر وهيغ وشولتز وأوبرايت وغيرهم، لاعتقادها بأن الفرصة سانحة أمامها وهي التي تحمل درجة علمية رفيعة ولديها خبرة لم تتوافر لأي من سابقيها في مسألة الأمن القومي والحروب التي كانت تظهر فيها أميركا منتصرة على نفسها قبل أعدائها.

المتدربة الجديدة العزباء

فكونداليزا قبلت المنصب بعد أن طبع بوش الابن قبلته المميتة على خدها الأيمن وتأكدت هي من أن باول المتربع على عرش الخارجية لم ولن يتراجع عن قرار استقالته، حينها جرت بين الناس في أميركا وخارجها وعلى ألسنة المواطنين أقوال تشي في الشكل والمضمون بما قاله شوقي شعراً:

خدعوها بقولهم حسناءُ

والغواني يغرهن الثناءُ

إنهم جميعاً يشيرون إلى أن بوش الابن استطاع من خلال القبلة القاتلة تلك والتي تتحدث عنها الصحافة الأميركية بتعمق، أن يكسر التحالف القوي القائم بين باول ورايس ويكسبها إلى صفه، ويجعلها مدللته إلى الحد الذي قد يجعل البعض يعتبرها «متدربة البيت الأبيض الجديدة»! وخصوصاً انها لاتزال عازبة كما أنها نادت الرئيس بـ «زوجي» خلال عشاء في واشنطن و«يناديها بوش بـ «كوندي» تحبباً ولا يتردد في وضع يده على كتفيها علناً!

عملت في استيراد النفط أيضاً

كوندليزا رايس المولودة في العام 1954 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني في ولاية ألباما، والحاصلة على شهادات المراحل الجامعية الثلاث من بكالوريوس (امتياز) وماجستير ودكتوراه، وعملت في مجال التعليم الجامعي إلى أن تبوأت منصب رئيس جامعة «ستانفورد»، عملت أيضاً في مجال «تصدير واستيراد النفط»! وإلى جانب ذلك كانت تتمع بعضوية مؤسسات كثيرة وكبيرة ذات علاقة وثيقة بمجال عملها، ولها الكثير من المؤلفات إلى جانب مؤلفات مع آخرين وقامت بإلقاء محاضرات كثيرة داخل وخارج الولايات المتحدة. وتبوأت مجالات عدة في العمل الحكومي آخرها منصب «كبير مستشاري الأمن القومي»، وهي عضو فعال في الحزب الجمهوري.

وجاء في كلمة للرئيس في 16 نوفمبر الجاري في البيت الأبيض يوم رشحها لمنصب وزير الخارجية: «مساء الخير. يسعدني أن أعلن ترشيح كوندليزا رايس لشغل منصب وزير الخارجية الأميركية. إن كوندي رايس شخصية معروفة لكل الأميركيين ولمعظم العالم». وأضاف قائلاً إنه اعتمد على «مشورتها» واستفاد «من خبرتها العظيمة»، وأعرب عن تقديره «لآرائها وتقديراتها الصائبة والراسخة»، ويشرفه «أنها وافقت على العمل في حكومتي وزيرة»، وأن العالم بحكم هذا المنصب «الوجه الذي تطل به أميركا على العالم»، سيرى «في الدكتورة رايس» «القوة والرحمة والاستقامة التي يتصف بها بلدنا»!

ولكي يسقط عنصر الحساسية الذي دب في حليفها بالأمس كولن باول، قال: «أحد أكثر الدبلوماسيين فاعلية وإثارة للإعجاب» و«ساهم في حشد العالم من أجل حرب عالمية وساهم في حل نزاعات إقليمية خطيرة، وساهم في مواجهة التحديات الملحة للجوع، والفقر والمرض. لقد كان لا يكل كما كان صاحب مبادئ ويتحلى بعدم الأنانية. إن البلاد كلها تشعر بالامتنان لما قدمه طوال حياته من خدمات». ثم عاد إلى القول إن «كوندليزا رايس ستتولى المنصب في وقت حساس وحرج بالنسبة إلى بلادنا. إننا في حال حرب؛ نقود تحالفاً كبيراً ضد عدو عنيد؛ ونحن نضع هياكل جديدة ومؤسسات لمواجهة الأنظمة الخارجة على القانون، والوقوف في وجه انتشار الأسلحة والمواد الخطيرة، وتفكيك شبكات الإرهاب». ثم أضاف في كلمته ان الولايات المتحدة بكل إمكاناتها «لبّت نداء التاريخ من أجل مساعدة قوى الإصلاح والحرية في الشرق الأوسط الكبير من أجل أن ينمو الأمل في المنطقة بدل من أن ينمو فيها الغضب».

ابنة القس ورابطة الكرة

إن أميركا نحت «منحىً إيجابياً لحل النزاع العربي الإسرائيلي» وهو منحى ذو «نهج يحترم الطموحات السلمية للشعب الفلسطيني من خلال دولة ديمقراطية، وهو النهج الذي سيضمن أمن صديقتنا الحميمة (إسرائيل)». وهذا تحد كبير، و«كوندي رايس هي الشخصية المناسبة لمواجهة هذا التحدي» وهي «صورة للالتزام بالتفوق في كل مناحي الحياة، ابتداء من وضع استراتيجيتنا للحرب على الإرهاب، إلى تنسيق سياسة الأمن القومي بين فروع الحكومة، إلى عزف الموسيقى الكلاسيكية على المسرح أمام الجمهور. وقبل كل شيء لدى الدكتورة رايس اعتقاد راسخ بقيمة وقوة الحرية، لأنها شهدت الحرمان من الحرية كما شهدت إعادة مولد الحرية»، وهي عاشت في سن الطفولة والصبا «في الجنوب الأميركي إذ كان الفصل العنصري سائداً» وهناك شاهدت انتهاك ما تبشر به أميركا من وعود نتيجة التفرقة العنصرية والعنف الناجم عن الكراهية». وتمنى لو أن والدي رايس (والدتها أنغيلينا ووالدها القس جون رايس) على قيد الحياة ليشهدا احتفالية المنصب الذي تشغله ابنتهما، وهو المنصب الذي شغله توماس جيفرسون، لأنه جاء نتيجة تعليمهما لها: «علماها أن الكرامة الإنسانية هبة من الله» وانهما «كانا سيفعمان بالفخر» غير ان إحساساً ساوره «بأن ذلك لم يكن ليدهشهما» وإن طموحها (أي رايس) «خارج عن نطاق» سيطرته ولا يستطيع «ضمان تحقيقه» لأنها «كانت تود حقيقة أن تصبح رئيسة رابطة كرة القدم الأميركية»، وإنه سعيد كونها لم تحقق ذلك الطموح لكون «الأمة في حاجة إليها»، وختاماً أهداها «أجمل التهاني».

التطلع إلى مجلس الشيوخ

في اليوم ذاته وبعد أن انتهى الرئيس من كلمته حيته رايس تحية الند للند من دون المكوث طويلاً على حدود المعرفة التاريخية والتفوق المحصور في اختلاف الجندر الطبيعي: «شكرا لك. شكراً لك سيادة الرئيس. لقد كان من دواعي فخري وشعوري بالتميز أن أعمل معك خلال السنوات الأربع الماضية، في أوقات المحن، وأوقات اتخاذ القرارات المهمة بالنسبة إلى أمتنا، وأوقات الفرص السانحة أمامها. إن أميركا في ظل قيادتك تخوض الحرب على الإرهاب وستحقق النصر فيها. لقد قدت تحالفاً عظيماً قام بتحرير الملايين من الطغيان والاستبداد». وشدّدت على اعتقادها بأن الديمقراطية ستنتصر «في قلب العالم الإسلامي». وأشادت بعمله الدؤوب «على توسيع نطاق دائرة الرخاء والتقدم في كل ركن من أركان الكرة الأرضية». وقالت انها تتطلع إلى اليوم الذي يوافق فيه مجلس الشيوخ على تعيينها لكي تسعى جاهدة «إلى السعي من أجل تحقيق برنامجك الطموح والمفعم بالأمل» وختمت تلك الجملة بالقول: «سيادة الرئيس يشرفني أن يُطلب مني العمل في حكومتك وفي خدمة بلدي مرة أخرى».

ولكي تهدئ من حدة التوتر الذي نشأ بينها وبين باول بعد أن انفرط عقد التحالف بينهما، قالت: «ومما يثير تواضعي أن أتصور أنني أخلف في المنصب صديقي العزيز ومعلمي كولن باول. إنه من أفضل ما أنتجته بلادنا ممن تولوا المناصب العامة. لقد كان باول وزير خارجية عظيماً وملهماً. ويشرّفني أن خدمت إلى جواره، وإننا سنفتقده كثيراً». غير انها عادت وقالت إن خبرتها الخمسة والعشرينية في الشئون الخارجية «مع الحكومة وخارجها» مكّنتها من معرفة أشياء كثيرة ومعرفة رجال ونساء تكن لهم كل تقدير واحترام «لمهاراتهم وخبراتهم وتفانيهم»، فهي لذلك تتطلع إلى «العمل مع أناس عظماء» وهي تضع في سلم أولوياتها «كوزيرة للخارجية أن أتأكد من أن لديهم كل الوسائل والأدوات الضرورية من أجل دفع وتقدم الدبلوماسية الأميركية في القرن الـ 21». وانتهت إلى شكر الرئيس من جديد لإتاحته الفرصة «العظيمة» لها وعلى استمرار ثقته بها من دون أن تنبس ببنت شفة عما إذا كان هو زوجها ام لا!

ومنذ تعيينها تضاربت الآراء بشأن هذا التعيين حول العالم، إذ قال في لندن الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير: «إن رايس مسئولة تعاونت معها الحكومة البريطانية على نحو منتظم، ويكن لها رئيس الحكومة عظيم الاحترام». كما سارع وزير الخارجية البريطاني جاك سترو وهنّأها، و«أبلغها أنه يتطلع إلى العمل معها».

وفي الجمهورية الروسية قال وزير الخارجية سيرغي لافروف: «إن رايس تتمتع بخبرة طويلة وهي على اطلاع بسياسات الولايات المتحدة الخارجية عندما شغلت منصب مستشارة الأمن القومي». وخالف هذا المعتقد رئيس لجنة العلاقات الدولية بالمجلس الأعلى الروسي ميخائيل مارغيلوف إذ رأى «أن إدارة المحافظين الجدد لن تجري أية تغييرات جوهرية في سياستها»، وأضاف «إن خطط الدورة الأولى ستستأنف وتنتهي خلال الدورة الثانية بما يتماشى مع ما قال إنها وصفة (وزير الدفاع الأميركي) دونالد رامسفيلد التي تتلخص في تبني موقف أكثر تشدداً إزاء برامج إيران النووية، وموقف أكثر انحيازاً لـ «إسرائيل» فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، والتمسك بتمرير القيم الأميركية إلى جميع دول العالم».

وشاركه آراءه هذه رئيس مجلس السياسات الدفاعية والخارجية الروسي سيرجي كاراغانوف، إذ ذكر قائلاً: «لن تكون هنالك أية تغييرات جذرية في السياسات الخارجية الأميركية، بما في ذلك العلاقات مع روسيا».

أما في باريس فقد استقبل الخبر بشيء من التشكك، في الوقت الذي قال وزير الخارجية ميشال بارنييه: «إن كوندليزا رايس ذات شخصية قوية»، وتساءل عما إذا كان ذلك سيضفي شيئاً من التشدد على الدبلوماسية الأميركية؟، وأجاب بقوله: «لا أريد أن أعطي أحكاماً مسبقة».

من بنات أفكار كوندي

للوزيرة المرشحة كلمات تعبر عن فكرها السياسي هنا بعض منها: «إن الحرية يبنغي أن تزدهر في كل ركن من الشرق الأوسط»، «حكومة بوش ظلت دائماً تعتبر خطر القاعدة مهماً وملحاً»، «إن دول الأطلسي تدرك أهمية مستقبل العراق وهي مستعدة لتدريب قوات أمنه»، «إن الولايات المتحدة أصبحت آمنة أكثر ولكنها ليست في مأمن بعد»، «إعادة إعمار العراق عملية مكلفة لكن النتيجة مجدية»، «مجموعة الدول الثماني ستنادي بتبني إصلاحات وطيدة في الشرق الأوسط»، وعلينا أن نبحث عن مفرداتها جميعها لكي نتمكن من معرفة فكر المرأة الأقوى من حديد وربما تكون بلاتينية والأيام المقبلة هي الجواب الشافي لما هو خاف.

بصفتها وزيرة للخارجية ينتظر «رايس كثير من الأعمال أهمها على الإطلاق «حرية الشعوب» و«الانتصار للنساء» و«إنقاذ إفريقيا»، و«إيران النووية» أو لا النووية، مسألة الشرق الأوسط الكبرى: فلسطين وحق شعبها في وطنه التاريخي ولغته التاريخية وأديانه التاريخية وتاريخه الحي وتراثه العظيم. وكذلك العمل على إسقاط جميع الديون عن العراق لينعم أطفاله ورجاله ونساؤه ومياهه ونخيله بعد أن عاش آباؤهم قسوة الحروب والدمار و«المقابر الجماعية»، لتكون لهم مساكن جماعية ومدارس جماعية وجامعات ومستشفيات جماعية، وثقافة جامعة لكل روح تتنفس تحت سمائه المزدحمة بالآلهة الواهبة للخيرات: مطر وريح وقمح وحب.

«يا خانم رايس»!

في الوطن العربي يطلقون عليك «السيدة رايس»، وفي شمال إفريقيا «الطفلة رايس»، أما في إيران فيطلقون عليك «خانم رايس» وهذا شيء جميل! فقط نود أن نلفت انتباهك إلى أن اليابانيين ربما ينادونك بـ «ميسوزو» أو «ريافيوجن» أو «ساماً» متبوعاً باسمك وإن لهم عادة غير مستحسنة في لفظ الراء التي يتباطأ بها اسمك مما يغير في معنى الاسم وشكله، نرجو ألا يثير مشاعرك اللفظ الناتج عن هذه الإعاقة عند اليابانيين في لفظ اسمك بالشكل الصحيح ونتمنى أن تكوني رابطة الجأش كما عهدناك و«يا جبل ما يهزك ريح».

نرجو في الختام أن تكون الآيات الثلاث (لكونك تعرفين القرآن) التي أوردناها في المقدمة لن تبقى لاصقة في فكرك عن العرب كما جاء في تقرير لك في زمن مضى وألا تكون القبلة التي تلقيتيها من «سيادة الرئيس» سداً مانعاً يقف في طريق تحقيق طموحاتك من أجل حرية الشعوب!

كاتب كويتي مقيم في البحرين

العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً