في مجتمعنا المحلي، اعتبر «البعض» طائفية نواب الشعب غريبة عن واقع البحرين، وهذا القول مجرد مثاليات لا صلة لها بواقع الحال، مع الأسف، فنصف شعب البحرين، إن لم يزد، يمارس الطائفية قولاً وعملاً، وبانتظام! قياس ذلك: الوقائع والمواقف المختلفة، قطاع عريض من طائفة معينة ضد قطاع عريض من طائفة أخرى.
وينعق هؤلاء بالمنطق التعجيزي: أسبقية البيضة أو الدجاجة. ولا أحد يقول لنا من أين أتت البيضة أو الدجاجة؟! الأكيد في الأمر هو الارتباط العضوي/ البيولوجي بينهما... إلاّ أن الطائفيين يحاولون مستميتين إثبات ما عجز العلم عن إثباته، ومنطق التوالد ومقدرة الخالق بشأن البيضة والدجاجة.
وفي حركة بهلوانية يتوسلون شعارات «الدفاع عن حقوق الطائفة ومصالحها» والنتيجة من جراء ذلك: هيجان ديك الطائفية وخروجه على كل معاني الذوق والأخلاق، ما يعبّر عن الامتعاض من فجاجة البعض وعدم رجاحة عقولهم ومراهقتهم السياسية ولعبهم بحقوق الحظيرة! ولكن تبقى ديوك الطائفية متهمةً؛ لأنها لم تدفع إلى التهدئة مذ البداية، وراحت تغلب مصلحتها الخاصة جداً جداً على مصالح الحظيرة العليا... وتستخدم أدوات النقر من خلف الكواليس لتأجيج مشاعر الفريقين، ومع محاولة إيهام الكلّ بأنهم المحافظون على حقوق الدجاجة والبيضة! وفي الواقع فإن الديك يدافع عن أغراضه ومصالحه والفوز بالحظيرة بما فيها من دجاج وبيض... الديك يحتاج إلى الدجاجة، والبيضة تحتاج إلى الدجاجة، وكل له غرضٌ في الدجاجة!
المشكلة ليست في البيض أو الدجاج، فإنهم مسالمون؛ ألا ترى أن الدجاجة يرق قلبها وتقطع ريشها وتقضي الأيام والليالي من أجل المحافظة على البيضة! وخرج رأي بأن الديوك هي سبب المشكلة! ولكن هل تستريح الدجاجة وتفقس البيضة... ويخرج لنا فرخ ينبض بالحياة وينعم في ربوع الحظيرة، التي تحوي الكثير من الموارد الطبيعية والصناعية؟ ومن يا ترى من الحضور أو المتفرجين من يستطيع تقويض أركان ديك الطائفية بعملية سلمية؟
انقسام الفريقين بين أحقية البيضة والدجاجة يشيع الأرق في الحظيرة الوادعة. فالفريقان يطلقان أحكامهما على طوائف بكاملها دونما تمحيص أو تحليل، ذلك أن التحليل والتمحيص يتطلب قدراً من العصف الذهني واستثارة القدرات العقلية، وتحريك الأشياء من مكانها (تاريخياً، سياسياً، اجتماعياً، اقتصادياً) لمعرفة بواطن أمورها وخفايا مرتكزاتها، ولكن يعجز البعض عن ذلك بسببٍ من البلادة الذهنية والسطحية في تفسير الأشياء، ويلجأ (هذا البعض) إلى الأحكام الجاهزة المعلبة، فيتلذذ بجلد الآخرين طائفياً بشتى صنوف الأذية والتفسيق والتكفير، وإذا ما تسنى له التدمير الكلي والشامل للمدن والقرى على رؤوس ساكنيها. فالتعميم أسهل من التحليل والتمحيص.
ينتشي ديك الطائفية طرباً في بحر الملاسنات والتعميمات في الأحكام، وهذا التعميم ينم عن قصور نظر مشوب بالضغائن: الطائفية، العرقية... إلخ. والتي لا تخفت نار شهوتها إلا بعذاب الآخر أو زواله من الوجود. وسيلتها في ذلك: السب والشتم والقذف الصريح، والدعوة إلى سحق طوائف عن بكرة أبيها!
الديك، يتبناه أمراء الطوائف والمذاهب من السياسيين، وعلى ذلك فالمنطق التعجيزي (البيضة أم الدجاجة) يستخدم لتأجيج الدهماوية، فمن يأتي بمعايب الطوائف ويسبها أكثر... ومن يُظهر البغضاء على بقية الطوائف، ويفرد لطائفته الأوصاف المبجلة ويسبغ عليها سمات الطُهر والتزكية... ومن يشغل المجالس بالصراخ الطائفي هو من ينتصر في البداية وفي «أم المعارك»! أما من يستخدم العقل والمنطق والمصالح العليا للوطن ويتوسم النوايا الحسنة في الآخرين، ويسمو بنفسه عن الصغائر ويطهرها من الضغائن فهو من سيكتب له النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة. والحصيف من اعتبر بغيره وليس بنفسه! فهل يعتبر الطائفيون بغيرهم أم مازالوا يراهنون على تجريب المجرب، وتخريب البلد؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ