تاريخياً اتسمت جزيرة المحرق بأنها تمثل حالاً فريدة من جزر البحرين المختلفة، فمنها انتشر التعليم الحديث لينتقل إلى المناطق الأخرى وبقية البلدان في الخليج العربي، وفيها انطلقت الكثير من حركات الاحتجاج السياسي ذات المطالب الوطنية، وخرج منها الكثير من أبناء الوطن وكفاءاته الذين أعطوا الكثير للوطن والأمة.
ليس هذا الإطراء والتناول تعزيزاً للإقليمية (المناطقية) التي نسعى لمحاربتها، وإنما هي مقدمة لموضوع غاية في الحساسية والخطورة مستقبلاً، والمتضرر الأكبر منها سكان المحرق والوحدة الوطنية للمجتمع البحريني. فثمة ظاهرة تعيشها هذه الجزيرة من الممكن أن تساهم في تعميق الانتماء الطائفي والإقليمي، سيّما وأنها مرتبطة بشكل من أشكال الطائفية. وعن علاقة جزيرة المحرق وسكانها بعملية الإصلاح السياسي التي شهدتها البلاد منذ العام 2001 يمكن القول إن هناك حماساً كبيراً ظهر مع بداية هذه العملية، ولكنه سرعان ما تراجع، ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب يمكن إيجاز أبرزها في الآتي:
1- تمركز بعض القوى السياسية: فنظراً للطبيعة الديمغرافية والإثنية لهذه الجزيرة ظهرت الإرهاصات الأولى لتيار الإخوان المسلمين من هذه الجزيرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى تيار السلف. وقد تمكنت هذه القوى من بسط نفوذها على عدد غير قليل من سكان هذه الجزيرة لتكوّن لها قواعد لا يستهان بها. وهو ما ساعدها لاحقاً على توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية ظهرت جليّة في الانتخابات البلدية ثم النيابية.
2- الامتداد والارتباط التاريخي بين القوى التقليدية والسلطة: ففي السابق كانت الجزيرة عاصمة البلاد، ثم أصبحت مقراً للحكم لفترة طويلة، وهو ما عزز الارتباط بين مجموعة من القوى التقليدية والسلطة. وبالتالي ظهرت سلسلة من الولاءات التقليدية من السهولة بمكان توظيفها لتحقيق أية مكاسب سياسية بغض النظر عن الظروف والسياق الذي ممكن أن ترد فيه.
3- بروز نخب جديدة تسعى للعب أدوار الوصاية: فخلال ثلاث سنوات فقط ظهرت نخب جديدة أصبحت تمارس دوراً واضحاً في هذه الجزيرة سواءً على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي فضلاً عن الديني. وما يساعدها على تفعيل هذا الدور الارتباط التقليدي بين هذه النخب والسواد الأعظم من السكان. خصوصاً أن هذه النخب استطاعت أن تجعل أدوارها مؤسساتية، إلى مستوى القدرة على التحدث باسم سكان هذه الجزيرة في مواضع عدة.
تلك كانت الأسباب الرئيسية لمشكلة جزيرة المحرق الآن التي أصبحت تعاني من تزايد النعرة الطائفية في عهد الإصلاح الذي كان ينبغي أن يساهم في تذويبها، ويدفع أهالي المحرق نحو مزيد من المشاركة السياسية حتى يكونوا المعادلة الصعبة في عملية للنظام السياسي، والخلل الطائفي الراهن لا يمكن معالجته في ظل استمرار وجود تلك الأسباب.
وإذا كانت القوى السياسية التي تتخذ من جزيرة المحرق امتداداً صريحاً لنشاطها، وتعتبرها عمقاً استراتيجياً يجب توظيفه لخدمة مصالحها فإنها خاطئة، لأنها بهذا الاعتقاد تزيد من التهميش الذي يعاني منه سكان المحرق. والقضية ذات بعدين: الأول أن هذه القوى لا تقوم بدورها المطلوب في التحفيز السياسي والمساهمة في رفع نسبة المشاركة السياسية بكل أشكالها. والبعد الآخر أنها لا تتيح الفرصة للقوى الأخرى القيام بهذه المهمة. وبين هذين البعدين فإن المتضرر الأكبر هم سكان الجزيرة. وكذلك الحال بالنسبة إلى دور السلطة الذي أصبح مزدوجاً وغير فاعل لاتباعه أساليب غير مؤثرة، بالإضافة إلى غياب القناعة بضرورة إزالة التهميش وخطورته المجتمعية.
ولا يقتصر الإشكال عند هذا الحد بل سيمتد إلى مناطق أخرى، وتصبح البحرين مقسمة بين مناطق فاعلة سياسياً وأخرى خاملة. وفي الوقت الذي بدأ فيه البعض بجني المكتسبات السياسية وما يترتب عليها، فإن هناك أعداداً كبيرة من المواطنين أصبحت في مناطق الظل لا دور لها، ولا تحصل على أدنى مكتسبات. وهذا كله له آثاره السلبية على الأمن والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية
العدد 810 - الثلثاء 23 نوفمبر 2004م الموافق 10 شوال 1425هـ