حوادث عرضية كثيرة من المتوقع أن يشهدها المجتمع البحريني وهي تعبر عن المشكل الطائفي الذي يعاني منه النظام السياسي، ومثل هذه الحوادث ينبغي عدم تضخيمها وإعطائها أكبر من حجمها أو المبالغة في السياق الذي سترد فيه. إلا أنه مع ذلك فإن هناك جملة من الاعتبارات يجب الأخذ والتسليم بها لأنها حقيقة موجودة مع أهمية قراءتها واستيعابها بالترتيب:
الاعتبار الأول: قوة البنى التقليدية في النظام السياسي البحريني، فالانتماءات الطائفية والإقليمية (المناطقية) مازالت حاضرة بشدة، وبالتالي فإن أي محاولة سنية أو شيعية كانت لإثارة أية مشكلة طائفية أو إقليمية ستتصاعد بسرعة وستكون لها تبعات آنية، إلاّ أنها سرعان ما ستزول بعد تراجع التعاطف الطائفي أو المناطقي وتغليب الفكر العقلاني في استيعاب هذه المشكلة.
الاعتبار الثاني: ارتباط الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي يشهده النظام بالمطالب والمصالح الطائفية والإقليمية. ولذلك فإن كل فئة أو طرف من أطراف النظام تحاول توظيف عملية الإصلاح وتشكيلها طبقاً لمصالحها الذاتية. وهذا الاعتبار ليس بجديد، وإنما هو امتداد لظاهرة موجودة وسائدة في معظم البلدان الإسلامية، فقد كشفت دراسة قام بها مركز بيو للأبحاث في الولايات المتحدة أن 69 في المئة من مواطني البلدان الإسلامية يؤيدون بناء الديمقراطية ولكن ليس بحسب المفاهيم الغربية وإنما بحسب تصوراتهم ومرئياتهم وبما يتناسب مع مصالحهم الذاتية.
الاعتبار الثالث: تزايد دور المؤسسة الدينية في النظام السياسي، وبالتالي، فإنها تلعب دوراً كبيراً في توجيه المجتمع، وتحديد طبيعة التفاعلات السياسية الجارية فيه، وقد بدا ذلك واضحاً خلال الفترة الأخيرة. إلا أن هذا الدور بحاجة إلى أن يتطور ويصبح مدافعاً عن المصالح الوطنية العليا والابتعاد عن الدفاع عن المصالح الطائفية والإقليمية الضيقة. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك تفاوتاً بين دور المؤسسة الدينية الشيعية ونظيرتها السنية لأسباب عدة لا مجال لتناولها. كذلك ينبغي الإشارة إلى وجود قابلية كبيرة لدى القواعد الشعبية لقبول الدور السياسي للمؤسسة الدينية، وهي ظاهرة أيضاً موجودة على مستوى العالم الإسلامي، فقد كشفت دراسة مركز بيو المذكورة إلى أن 58 في المئة من مواطني البلدان الإسلامية يؤيدون تدخل رجال المؤسسة الدينية في العمل السياسي.
الاعتبار الرابع: تراجع دور السلطة في معالجة قضايا الطائفية والإقليمية، فقد أثبتت مرحلة ما بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني أن السلطة ابتعدت كثيراً عن هذه القضايا، وكان دورها مرتكزاً على الخطاب السياسي، أما على صعيد الممارسة فمازالت نظرتها التقليدية مستمرة، وبالتالي فإنه من المستبعد أن تقوم بدور فاعل خلال الفترة المقبلة للتخفيف من حدة هذه القضايا والمشكلات الأخرى المرتبطة بها إلا إذا تغيّرت النظرة التقليدية.
في النهاية، فإن هذه الاعتبارات الأربعة ينبغي مراعاتها عند قراءة أو تحليل أية مشكلة مرتبطة بالطائفية أو الإقليمية يشهدها النظام السياسي البحريني. لأن معظم الممارسات السياسية سواءً من قبل الحكومة أو القوى السياسية أو حتى المؤسسة التشريعية لن تخرج عن إطارها البتة. والأهم بعد استيعاب الاعتبارات الأربعة دراسة وبحث الكيفية التي يمكن من خلالها تقليل حدة الطائفية وبناء الهوية الوطنية للمجتمع البحريني
العدد 807 - السبت 20 نوفمبر 2004م الموافق 07 شوال 1425هـ