عند وبعد قيام الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان كثر الحديث وكثرت الاتهامات التي تقول إن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان مسيسة وخاضعة لتيار سياسي معين، مجيرة في مواقفها لصالح هذا التيار. للإمانة إن هذا الاتهام بعيد كل البعد وإلى حد كبير عن الصحة، فالقول المنصف لمن اراد ان يكون منصفاً هو أن هذه الجمعية استطاعت أن تمارس عملها بعيداً عن التسييس والتجيير، وهذا لا ينفي أن يكون البعض من الناشطين فيها منتمين إلى جمعيات سياسية، ربما تكون عقلية البعض منهم بوعي أو من دون وعي تعمل على تجيير هذه الجمعية لصالح الجمعيات السياسية التي ينتمي إليها أولئك النفر، ولكن الحكم العادل يقول إن هذه الجمعية استطاعت أن تثبت عكس الاتهامات الموجهة إليها.
أما عند قيام الاتحاد العام لعمال البحرين فإن الأمر كان أكثر حدة وكانت الاتهامات أكبر حجماً واتساعاً. كان الجميع منغمساً في التسييس والتحريض وإن تفاوتت الادوار، وامتلأت الصحف بالكثير من المقالات والتصريحات وكلها تؤكد أن التفكير الغالب بوعي أو من دون وعي يصب في اتجاه التسييس، كتّاب ليس لهم علاقة البتة بالحركة العمالية أخذوا يكتبون وينظرون ويكيلون الاتهامات يميناً ويساراً من دون وجه حق، كل يحاول أن يهدم ولا يبني، يوسع شقة الخلاف بدل أن يعمل على التقريب والوحدة، أما من هم في صلب الحركة العمالية ويتصدرون الصف فإن جمعياتهم السياسية هي المحرك لهم، يحددون مواقفهم وفق المصلحة الحزبية الضيقة لجمعياتهم السياسية. ليس عيباً أن يكون الناشطون وقادة العمل النقابي أعضاء في أحزاب. إن الانتماء إلى الأحزاب ليس هدفاً أو غاية لدى الفرد، وإنما الهدف والغاية من الانتماء إلى الأحزاب هو خدمة الوطن والناس ضمن برامج هذا الحزب أوذاك يراها الفرد المنتمي أنها البرامج الأكثر قدرة وصحة والأكثر تعبيراً عن طموحات وآمال القطاعات الواسعة من المواطنين.
إن على المنتمين الناشطين في مختلف منظمات المجتمع المدني أن يضعوا نصب أعينهم مصلحة القطاعات التي يمثلونها دونما محاولة تحويل هذه المنظمات إلى تابع للحزب.
قبل أيام قليلة كنت أستمع إلى أحد الشباب المنتمي إلى إحدى الجمعيات السياسية، وأحد الناشطين لتأسيس اتحاد طلابي أو إعادة تأسيس للاتحاد الوطني لطلبة البحرين (بحسب تعبير هذا الناشط)، وبالمناسبة فإن هذا الشاب ليس طالباً بل موظف. حدثني طويلا عن المحاولات التي بذلت لتأسيس اتحاد طلابي، محاولات فشلت وخلافات نشبت ومحاولات جارية الآن وتشكيل لجنة تحضيرية تعمل حالياً على تأسيس مثل هذا الاتحاد. شعرت أن محدثي ومعه الساعون لتأسيس اتحاد طلابي يفكرون بعقليتي نفسها قبل أكثر من ثلاثين سنة، وأن العمل الجاري الآن في أوساط الطلبة لا يختلف كثيراً عن أساليب عملنا في تلك الفترة أثناء العمل السياسي السري. بل ربما كنا أفضل حالا منهم إذ إن اللجنة التحضيرية للاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي تأسس في السبعينات من القرن الماضي كانت منبثقة عن مؤتمر تحضيري كان أعضاؤه ممثلين حقيقيين للتجمعات الطلابية القائمة آنذاك، وأن الاعضاء الذين حضروا المؤتمر التأسيسي كانوا منتخبين بشكل مباشر من قبل الجمعيات العمومية لتلك التجمعات، حتى وإن كانت التنظيمات السياسية هي المحرك الفعلي لها.
كيف لنا أن نتصور أن يتشكل اتحاد طلابي بعيداً عن القاعدة الطلابية الواسعة التي هي صاحبة المصلحة وصاحبة الحق المباشر في انتخاب من يمثلها في أية لجنة. كيف لنا أن نتصور أن الاجتماعات التي تتم الآن في محاولة لتأسيس اتحاد طلابي تتم بين ممثلين لقطاعات الطلبة والشباب في الجمعيات السياسية ومؤسسات مجتمع مدني يربو عددها على ثلاثين جمعية، وأن الصفة الغالبة للمشاركين في هذه الاجتماعات هي تمثيلهم للجمعيات المنتمين إليها، ولا يوجد ما يدلل على وجود حق يتيح لهؤلاء الادعاء بوجود الصفة التمثيلية للطلبة.
كيف لنا أن نتصور أنهم يتحدثون مع بعضهم بعضاً ويتناقشون بصفتهم ممثلين لجمعياتهم السياسية أو لجمعيات مجتمع مدني أخرى تدار في الغالب من قبل الجمعيات السياسية. اجتماعات تعقد في مقار الجمعيات السياسية!
حدثني هذا الشاب أيضاً عن بعض المحطات التي يتناقش فيها هؤلاء الشباب عن التمثيل الطائفي وعن تمثيل يتناسب مع حجم القوى السياسية في الشارع!
قلت لمحدثي ألا توجد مجالس طلابية منتخبة في الجامعة فرد بالايجاب وأردف قائلاً: إن هذه المجالس محكومة بالأنظمة والقوانين التي وضعتها الجامعة.
مادامت هذه المجالس منتخبة فعلى الناشطين في القطاع الطلابي - وهم طلاب بالدرجة الأولى ومنتمون سياسياً إلى الجمعيات السياسية - أن ينشطوا فعلياً في أوساط الطلبة بداية بتبني برامج طلابية تدافع عن مصالح الطلبة وطموحاتهم، برامج يقتنع بها أوسع قطاع من الطلبة، عليهم أن يترشحوا للمجالس الطلابية، عليهم أن يتمتعوا بنفس طويل، وعليهم تطوير هذه المجالس، بالتأكيد سيدخلون في صدام مع بعض العقليات الإدارية في الجامعة، يجب ألا يكون الهدف من تأسيس الاتحاد مواجهة السلطة سياسياً، وهي العقلية التي حكمت تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في السبعينات، بل يجب أن تكون الأهداف بالدرجة الأولى خدمة الطالب وتطوير المناهج الدراسية وكشف السلبيات ومقاومتها.
نأمل أن يتمكن طلابنا الأعزاء في مختلف الجامعات داخل مملكتنا وخارجها من تأسيس اتحاد طلابي يدافع عن مصالح الطلبة ويتبنى قضاياهم ومشكلاتهم، بعيداً عن عقلية التسييس والسيطرة، اتحاد يعزز من اللحمة الوطنية، بعيداً عن عقلية المحاصصة السياسية والمحاصصة الطائفية.
على جمعياتنا السياسية أن تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن روح الوصاية وتترك الطلاب يتصرفون كطلاب يدافعون عن مصالحهم، وعلى الطلاب أن يبدأوا بداية صحيحة
العدد 807 - السبت 20 نوفمبر 2004م الموافق 07 شوال 1425هـ