اكتسبت البحرين سمعة طيبة في السنة الأولى للمشروع الاصلاحي بعد الاستفتاء على الميثاق في 14 فبراير / شباط 2001. وما يهمنا هنا توجه مملكة البحرين للتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاشتراطات الدولية للمؤسسات المناط بها إنفاذ القانون كأجهزة الشرطة والأمن العام، والادعاء العام، والقضاء والسجون والمؤسسات الدستورية ودعائم النظام الديمقراطي كالانتخابات الحرة والمجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وغيرها.
يمكننا الاستشهاد بعشرات الوثائق الرسمية وخصوصاً الخطابات الملقاة من قبل كبار مسئولي مملكة البحرين أمام الأمم المتحدة في نيويورك أو جنيف أو مؤتمراتها بشأن التزام مملكة البحرين بالمواثيق والعهود والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان بما فيها تلك التي لم تصدق عليها. ونذكر ان البحرين مصدّقة على بضع اتفاقات تتعلق بمناهضة التمييز ضد المرأة ومناهضة التعذيب ومناهضة التفرقة العنصرية وحقوق الطفل ومناهضة الاتجار بالبشر مع بعض التحفظات على بعضها، كما أن أكثر من مسئول قد صرح بأن مملكة البحرين ستنضم إلى العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والسياسية ومن أهم الالتزامات العلنية بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان ما جاء في الوثيقة التي قدمتها مملكة البحرين إلى قمة الثماني في جورجيا في الولايات المتحدة حديثاً، وحضرها جلالة الملك إلى جانب زعماء دول مختارة التزمت سياسة التحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان.
لكن تجربة المرحلة التي تلت اصدار دستور 2002 تؤكد أن هناك افتراقا متزايداً ما بين التزامات مملكة البحرين بالمواثيق الدولية أو بروح القانون الدولي لحقوق الانسان، وما بين ما يجري على أرض البحرين، وتحديداً هنا التشريعات التي يجري اصدارها تباعا. لن أناقش هنا حزمة القوانين التي صدرت في الفترة الفاصلة بين اصدار الدستور في فبراير/ شباط 2002 وانعقاد المجلس الوطني في ديسمبر/ كانون الأول 2002 ولكن سأكتفي بمشروعات القوانين الثلاثة المتعلقة بالجمعيات الأهلية والجمعيات السياسية والاجتماعات.
جوهر التشريعات الوطنية الأخيرة
خلال دور الانعقاد الثالث للمجلس الوطني والذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 طرحت ثلاثة مشروعات / مقترحات بقوانين خطيرة هي:
1- مشروع قانون الجمعيات السياسية: وتقدمت به شكلا كمقترح بقانون كتلة المستقلين في مجلس النواب في نهاية دور الانعقاد الثاني ووافق عليه المجلس، بينما أسقط مشروع قانون التنظيمات السياسية الذي تقدمت به الكتلة الوطنية الديمقراطية. ومن المعروف أن الحكومة وافقت على المشروع بسرعة قياسية بتعديلات طفيفة وإحالته إلى المجلس في دور انعقاده الثالث.
2- مشروع قانون الاجتماعات والمسيرات والتجمعات: صاغت الحكومة مشروع هذا القانون بسرعة قياسية بعد تداعيات ندوة 24 سبتمبر/ أيلول 2004 بشأن الفقر والحقوق الاقتصادية في نادي العروبة وهو مؤرخ بـ 18 رمضان 1425هـ الموافق 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، والغريب أنه يحمل توقيع صاحب الجلالة الملك وسمو رئيس الوزراء، ما يدل أن إقراره من قبل مجلسي النواب والشورى مضمون.
3- مشروع قانون الجمعيات الأهلية: وهذا لايزال مشروعا لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية، لكنه يتوقع أن يتم تبنيه من قبل الحكومة وتقديمه إلى مجلسي النواب والشورى بعد إقرار مشروعي القانونين المذكورين اللذين لهما الأولوية في نظر الحكومة.
ما يلاحظ بشأن عملية صوغ مشروعات القوانين هذه ما يأتي:
1- ان السلطة التنفيذية لا تأبه بالمجتمع المدني ومؤسساته كجمعيات سياسية وأهلية في صوغ أو إصدار هذه القوانين فهي لم تجرِ أية مشاورات معها ولم تحرص على الاستماع لوجهات نظرها.
2- انه في ضوء صلاحيات وتركيبة مجلس النواب والشورى، فإن الحكومة مطمئنة إلى أنها قادرة على تمرير أي قانون تراه في المجلسين، مع بعض المعترضين القلائل. بل ان المناقشات الأولية للمشروعين الأولين أظهرت أن بعض النواب ملكيين أكثر من ملك في موقفهم فيما يتعلق بالاستهانة بالحريات العامة وحقوق المواطنين، وحث الحكومة على اتباع سياسة القبضة الحديد.
لقد كتب الكثير عن محتوى هذه التشريعات الثلاثة وعقدت الندوات بشأنها ولن أناقش هنا بالتفصيل مواد كل منها، ولكنني سأناقش جوهرها وما يتعلق بمدى توافقها مع المواثيق الدولية والمفاهيم الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مستنداً بالأساس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والتي تتألف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين.
1- تشكيل الجمعيات السياسية والأهلية والنقابات
لا تفرق الشرعية الدولية بين الجمعيات السياسية والجمعيات الأهلية الأخرى، وفعلاً فإن غالبية الدول الديمقراطية لا تفرق بينهما، وهناك تشريعات خاصة بالحملات الانتخابية. وقد أكدت المادة (30) من الاعلان العالمي حق تشكيل الجمعيات وعدم إكراه أي أحد للانضمام إليها. أما المادة (22) من عهد الحقوق السياسية فأكدت الحق في تشكيل النقابات ولم يقيد هذا الحق في الاعلان أو العهد إلا بما تتطلبه القوانين في مجتمع ديمقراطي لضمان مصالح الأمن العام أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
وهنا نشدد على المجتمع الديمقراطي، حيث الاشتراطات المذكورة لا تقدر تعسفياً من قبل حكم متسلط بل من قبل المجتمع الممثل في مجلس تشريعي حقيقي وحكومة منبثقة عنه وقضاء مستقل لكننا عندما نراجع القوانين الثلاثة فإننا نرى تعسفاً شديداً في تفسير هذه الاشتراطات وقيودا شديدة في تشكيل الجمعيات والنقابات، بدءًا بالتسجيل، مرورا بالاشهار، وإدارتها لشئونها وانتهاء بحلها أو تعليق عملها، وإناطة كل ذلك بالسلطة التنفيذية سواء وزارة العمل أو وزارة العدل وفي حين أن المبدأ القانوني العام هو الإباحة فإن هذه القوانين تتفنن في المحرّمات والممنوعات، وفي حين أن دور الدولة هو المنظم فإنها هنا المقرر، وفي حين أن الأساس هو الحق في حين أن المعترض على ممارسة هذا الحق سواء الدولة أو طرفاً ثالثاً هو من يتوجب عليه اللجوء إلى القضاء لتعطيل هذا الحق، فإن العكس هو ما تنص عليه التشريعات البحرينية إذ يحق للوزير تعطيل حق تشكيل الجمعيات أو النقابات، وعلى المؤسسين التظلم للقضاء، وفي وضع البحرين إذ هيمنة السلطة التنفيذية فإن ذلك يعتبر تعسفاً.
2- عقد الاجتماعات العامة والمسيرات والاعتصامات والاضرابات
تؤكد المادة (21) من عهد الحقوق السياسية الحق في التجمع السلمي، ولا يجوز وضع قيود على ممارسة هذا الحق غير ما يفترض منها تمشياً مع القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديمقراطي مصلحة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
وإذا تمعنا في مشروع قانون الاجتماعات والمسيرات والتجمعات رقم (70) لسنة 2004 فإنه يضع اشتراطات شبه مستحيلة لعقد أي اجتماع عام أو مسيرة، وينيط بالمحافظ أو وزير الداخلية صلاحية الترخيص أو حجب هذا الطلب، والإخطار بالموافقة حتى قبل يومين فقط من عقد الاجتماع ويعتبر عدم الرد بمثابة عدم موافقة. وحتى بعد موافقة الوزير أو المحافظ، فإنه يحق لقوات الأمن حضور الاجتماع وليس حمايته كما هو يتبع في الدول الديمقراطية، ويمضي التعسف إلى أقصاه بإعطاء قوات الأمن ان تقرر أن الاجتماع خرج عن موضوعه والحق في إنهائه. كما حرّم القانون مشاركة غير البحرينيين في المسيرات والاجتماعات السياسية.
وبالنسبة إلى المسيرات وإضافة إلى الشروط السابقة فقد أعطى القانون الحق للوزير أو المحافظ الحق في تعديل سير المسيرة وحصر توقيت المسيرات ما بين التاسعة صباحاً وغروب الشمس وهو من أغرب الشروط.
3- تسيير شئون الجمعيات الداخلية
وضع مشروع قانون الجمعيات الأهلية ومشروع قانون الجمعيات السياسية، هذه الجمعيات تحت رقابة السلطة التنفيذية حيث الجمعيات الأهلية تحت رقابة وزير العمل والجمعيات السياسية تحت رقابة وزير العدل. فيتوجب حضور مندوب عن وزارة العمل اجتماعات الجمعية العمومية للجمعيات الأهلية واخطارها الوزارة كتابيا بذلك قبل 15 يوماً على الأقل وإبلاغها نتائج أعمال الجمعية العمومية والقرارات الصادرة عنها خلال 15 يوماً من تاريخ الاجتماع.
وبالنسبة إلى الجمعيات السياسية فإن الايجابي هو عدم إعطاء الوزارة الحق في حضور اجتماعاتها أو الاطلاع على وثائقها، لكنه كلف ديوان الرقابة المالية بصفة دورية أو بناء على طلب من وزير العدل مراجعة دفاتر ومستندات حسابات إيرادات ومصروفات الجمعية وغير ذلك من شئونها المالية. كما حرّم على الجمعيات السياسية الحصول على أية تبرعات أو هبات من خارج البحرين أو من غير المواطنين، فيما وضع شروطاً على قبول التبرعات من البحرينيين باشتراطه الاشهار عن أي تبرع وسقفا للتبرع. كما اشترط إخطار وزير العدل بأية تغييرات في النظام الداخلي للجمعية أو في المناصب الإدارية. إنه بذلك يستبدل مرجعية الجمعية كونها الجمعية العمومية، بمرجعية الوزارة وديوان الرقابة المالية.
4- توقف عمل الجمعيات وحلّها
هناك تطور إيجابي فيما يتعلق بتوقيف عمل الجمعيات وحلّها حيث أناط ذلك بالمحاكم بطلب من الوزير المختص وبصفة مستعجلة، لكن هذا التطور غير كامل، إذ لا يتيح لهذه الجمعيات الاستئناف أمام محكمة أعلى فيما يتوجب النظر في مثل هذه القرارات بتأنٍ وبصفة عادية من قبل القضاء.
5- العقوبات لمخالفة القانون
من المتعارف عليه في الشرائع الدولية الحديثة، انه باستثناء الجرائم الجنائية المترافقة مع المخالفات السياسية، فإنه يجب التعاطي مع المخالفات السياسية بطريقة مختلفة. لكن المادة (49) من مشروع قانون الجمعيات يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من باشر نشاطا لجمعية قبل صدور قرار الاشهار أو بما يجاوز غرض الجمعية أو استمر في ذلك بعد نشر قرار حلها أو تصرف بأموال أو جمعها بما يخالف هذا القانون أو من امتنع من أعضاء الادارة بتنفيذ قرار الحل.
وبالنسبة إلى مشروع قانون الجمعيات السياسية فإن المادة (26) تنص على أن يعاقب بالحبس كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار على خلاف هذا القانون تنظيما سياسيا غير مشروع، وتكون العقوبة بالسجن المؤبد إذا كان التنظيم السياسي غير المشروع معاديا لنظام المجتمع أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري. وعقوبة الحبس لا تتناسب تماما مع مخالفه وليس جريمة، وبالنسبة إلى السجن المؤبد فقد يكون ذلك مفهوما لمن ينشئ تنظيما عسكريا أما ان يكون معاديا للنظام فهو تعبير غامض كما أنه في الكثير من البلدان الديمقراطية هناك تنظيمات تدعو وتعمل لتغيير النظام بطرق سلمية، فهناك أحزاب تدعو إلى الملكية في فرنسا الجمهورية وإلى جمهورية في بريطانيا.
الملكية وبموجب المادة (28) فإنه يعاقب القانون بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر أو بغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بكلتا العقوبتين كل من انضم إلى تنظيم سياسي غير مشروع وتكون العقوبة السجن إذا كان التنظيم معاديا لنظام المجتمع أو ذا طابع عسكري... إلخ. وهذه العقوبات تعسفية أيضاً ولا تتناسب مع المخالفات. وبموجب المادة (27) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار أو بكلتا العقوبتين كل من تسلم أية أموال من أية جهة غير بحرينية لحساب الجمعية وتصادر تلك الأموال لحساب الخزينة العامة للدولة وهذه ينطبق عليها ما ينطبق على سابقتها.
أما مشروع قانون الاجتماعات والمسيرات والتجمعات وبموجب المادة (20) فإنه يعاقب من يشارك بمركبته في مسيرة بسحب رخصة القيادة وشهادة تسجيل المركبة لمدة لا تزيد عن 30 يوما وسحبها لمدة لا تزيد عن سنتين إذا تكررت المخالفة خلال عام. وبموجب المادة (21) فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بإحداهما كل من دعى أو نظم أو عقد اجتماعا عاما أو مسيرة أو مظاهرة أو تجمعا غير مرخص به، وكل من استمر في ذلك على رغم صدور الأمر بفضه ومن المعروف في الدول الديمقراطية أنه يكتفى بفض الاجتماع أو منعه فقط.
كما تنص المادة على المعاقبة بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وبالغرامة لا تتجاوز خمسمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أعلن أو نشر بأية وسيلة من وسائل النشر الدعوة إلى اجتماع عام أو مسيرة أو مظاهرة أو تجمع من دون أن يكون مرخصاً به على رغم علمه بذلك إن ذلك تعسف أيضاً ويتناقض مع ما تنص به المواثيق الدولية بشأن حرية التعبير وتداول المعلومات كالمادة (19) من الاعلان والمادة ذاتها في ميثاق الحقوق السياسية ويمكننا الاستطراد في تبيان التناقضات ما بين مواد مشروعات القوانين الثلاثة والمواثيق الدولية لكننا سنكتفي بهذا القدر.
ردود الفعل تجاه مشروعات القوانين الثلاثة
ووجهت مشروعات القوانين الثلاثة بالرفض الشديد من قبل نواب ومن الجمعيات السياسية والأهلية المستقلة فعلا عن السلطة، وحتى بعض التحفظ من قبل جمعيات سياسية قريبة من الحكم، ومن قبل شخصيات مرموقة في المجتمع البحريني، ورفضا جماهيريا، وتعكف هذه الجمعيات وبعض النواب على صوغ مشروعات بديلة لهذه القوانين كما أن الكثير من المنظمات الحقوقية العربية والدولية انتقدت بشدة مشروعات القوانين هذه، إما مباشرة أو في سياق تعاطيها مع تداعيات ندوة الفقر والحقوق الاقتصادية بنادي العروبة بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 2004. كما قام عدد منها بتسليم سفارات البحرين في الخارج مذكرات بهذا الشأن ورسائل إلى جلالة الملك ترتب على هذه المشروعات خسارة أخرى من رصيد مملكة البحرين فيما يخص بسمعتها فيما يخص الديمقراطية وحقوق الانسان، وإذا أصرّت على إصدارها وتطبيقها فإنها ستخسر المزيد علاوة على ما تسببه من ضرر للمشروع الاصلاحي وما سيترتب عليها من اضطرابات داخلية
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ