يا لعجلة الزمن! تدور بسرعة البرق الخاطف... أتذكرون عندما بدأت رحلة ذلك الشاب للبحث عن محطة «الوقود»؟ما هي إلا أيام قلائل قضاها في تلك المحطة لعلّه يتزود بشيء من «وقودها» وإذا بموعد الزيارة ينتهي... فهل اغتنم الفرصة وأعد العدة لمغادرة المحطة والدخول في زحمة الحياة من جديد؟هذا ما سيحدده كل زائر تشرف بالوصول إلى تلك المحطة التربوية.
ها هي الدورة التربوية شارفت على الانتهاء... وها هو موعد الضيافة ينقضي... وهذه الأبواب المشرعة التي فُتحت خصّيصاً للمذنبين والغافلين ربما ستوصد في وجوههم! يا لها من سويعات صعبة، لا يشعر بمرارتها إلا من ذاق طعم التوبة والغفران ولذاذة المناجاة. أمّا من استكبر وطغى ونزه نفسه عن العصيان فأعمى الشيطان قلبه فعنده شهر رمضان وغيره سيّان... لا فرق فيه إلا بـ «فرفشته» وسهراته الليلية و«غبقاته».
هل أعددنا العدّة؟
نحن أيضاً مازلنا نتذكر جيداً قبيل 28 يوماً، عندما أقلعت بنا «طائرة الايمان» لتحلق بنا في أفق السماء الرحب... نشم من عبق الرحمة الإلهية وأريجها، ونستقي من ندى السماء غيث المغفرة وقطرات الرضوان... هل تذكرتم؟
يا ليتها كانت رحلة ذهاب من دون إياب... فهي تقلع من هذه الأرض الملطخة بذنوب البشرية وتحلق بنا إلى عنان السماء المتزينة بتسابيح وتهاليل الملائكة.
مجرد فرصة عابرة لا ندري أنعود إليها أم نكون في عداد الموتى؟ تترك لنا المجال لترطيب الروح وغسل الأنفس من أدران التيه والمعاصي، ثم تهبط بعد ذلك ثانية إلى الأرض، حيث المغريات الدنيوية التي تبهر نفوسنا الضعيفة.
ويبقى الكلام عما اغتنمناه في هذا السفر السريع من رصيد وما ادخرناه من «حصانة» إيمانية ضد «الفيروسات» الشيطانية. نعم... شارفت الرحلة على الانتهاء، وبقيت ساعات قليلة قبل الهبوط إلى الدار الدنيا.
«رمضان» والفراق الصعب...
يأتي الصوت من قمرة القيادة: «السادة المسافرون... نتمنى أن تكونوا أمضيتم رحلة سعيدة في رحاب الملكوت، واستمتعتم بهذه السفر المبارك بما فيه صالح أنفسكم. نود أن نفيدكم علماً أنه بقيت سويعات قليلة جداً على انتهاء زمن الرحلة... بعدها ستبدأ الطائرة في الهبوط إلى مطار الحياة الدولي».
عندها يحدث بعض اللغط والثرثرة بين المسافرين. فبين من يعجل الهبوط إلى الأرض للتخلص من الرسميات والممنوعات الرمضانية والرجوع إلى أيام التيه واللعب، والبعض الآخر يتألم حرقة للفراق الصعب بعد أن أحس بالقرب الإلهي وبطعم السعادة الحقيقية. أما الصنف الثالث فهم جماعة بين هذا وذاك، أضلتهم أنفسهم وضاعت عليهم الفرصة ففوجئوا بانتهاء الرحلة من دون أن يغتنموها للحصول على صك الغفران، وها هم يتأوهون حسرة وندامة لفوات الوقت.
يقطع ذلك اللغط صوت عابد معتكف في أحد «المقاعد الأمامية» للطائرة: «إلهي، ربح الصائمون وفاز القائمون، ونحن عبيدك المذنبون... إلهي إن لم تكن تغفر في هذا الشهر إلا للمطيعين فمن للمسيئين؟».
وبدأت لحظات الهبوط...
جاء الصوت من قمرة القيادة مجدداً، ولكن هذه المرة تحدث بلهجة لا تخلو من الرأفة والتحنان بأولئك المسافرين: «السادة المسافرون... يعز علينا ترككم مجدداً، بعد دقائق معدودة ستهبط الطائرة متوجهة إلى «مطار الحياة الدولي»... احزموا أمتعتكم واربطوا الأحزمة جيداً... نتمنى لكم سفراً سعيداً، عامراً بتقوى الله وطاعته، ويصعب علينا أن نخبركم بأن (الشقي من حرم غفران الله) في هذه الرحلة... دمتم سالمين»
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 798 - الخميس 11 نوفمبر 2004م الموافق 28 رمضان 1425هـ