ليس بمقدور أحد أن يفتض ضمير التاريخ الوحدوي بين المسلمين بضغائنه أياً كان هو. ولن يتمكن كائن من كان أن يفتت عُرى التلاحم وأواصر الحب بين الطائفتين مهما أخرج مما في باطنه الى ظاهره وعلى «قسمات وجهه أو فلتات لسانه»، الله أعلم بما تضمره القلوب وتكنّه الضمائر من بغض أو محبة لبعضها بعضاً، ولكن في الوقت ذاته الله (جل وعلا) يحفظ بقدرته هذا التمازج في نسيج الأمة رأفة ورحمة بها لأنها «خير أمة أخرجت للناس».
طبيعي ليس من الازدواجية والنفاق الفكري ان يعتز الإنسان بأصالته وأن يدافع عن مبدئه ومعتقداته بأسلوب عقلاني رصين، ولا تتناقض أبدا الدعوة الى وحدة المذاهب الاسلامية والمناقشة النزيهة والحكيمة لبعض الجوانب المفصلية في أمور المذهب. ولكن ما يشق العصا ويؤجج الفتن من تجاسر على بعضنا بعضا بلفظ أو قذف أوشتم.
ماذا حدث «يا عالم»؟
سمعنا وقرأنا ورأينا الكثير مما يدور في البرلمانات العالمية والعربية من عراك ونقاشات ساخنة وانتصار لفئة على أخرى وتضييع لآمال الشعوب وبيع ضمائر بأثمان زهيدة في الأسواق الحكومية وغيرها... ولما جاء برلماننا (الذي ظفر به قوم وقاطعه آخرون!) بعد طول عناء وانتظار حاولنا ان نسقط عليه واقع البرلمانات الأخرى ولكن في حدود المزايا البحرينية من صغر المساحة وعمق العلاقة وقلة الصلاحيات. فلم يكن غريباً ان يمر عامان من عمر المجلس من دون انجاز يذكر سوى مقترحات بقوانين تملأ الخافقين وصراع على تصدّر الصحافة بالتطبيل والتهويل.
ما لم يكن في الحسبان هو ما حدث في بعض الجلسات الأخيرة لمجلس النواب وتكرر قبيل أيام من الوصول الى حد البدء في كشف النوايا المبطنة، وان افترضنا حُسن النوايا لقلنا: انفعالات «فوق اللازم» تُخرج من القلب ما لا يُراد إخراجه ومن فلتات اللسان ما لا تحمد عقباه. والمضحك المبكي ان من يقود هذه الحملات الشعواء هم «شيوخ النواب»!...»
هب ان هناك سوء نية مبيّت من الطرف الآخر، وتم الاعتراض على بيان هنا أو هناك، كم يستدعي ذلك من الانفعال؟ وهب انكما اختلفتما على مبررات بعض المسيرات (وإن اتفقتما على نقد أساليبها) هل يضطر ذلك نائباً يفترض ان يكون عاقلاً وحكيماً لهذه الموجة من التصريحات النارية؟
إذا كان السّباب له شعار
فلا خيرٌ بهِ من برلمانِ
ثم توقفوا جميعا أيها «النواب» وقولوا لشعبكم المحروم: ماذا قدمَت بياناتكم أو أخّرت بالأمس للنجف... وماذا ستقدم أو تؤخر اليوم للفلوجة؟ أليست مجرد «إيتكيت» وديكور ليس إلا؟ فهل يستدعي الدفاع عن «إيتكيت» حرباً طائفية وتكفيرية لا حدود لها؟!
أليس الأجدر بكم ان تصدروا بياناتكم لرفض قانون التجمعات المكبل للحريات؟ أليس من الأولى ان تصدروا بياناتكم للمطالبة الملحة بتوسيع صلاحياتكم (اللاصلاحيات أصلاً)؟ أما كفاكم ضحكاً على ذقون أبناء هذا الشعب المسكين حتى قفزتم الى النجف والفلوجة «لتحرروهما» من نير الاحتلال وقصفه؟
واختتمنا الشهر بمحو الحسنات!
كانت القلوب تتجه نحو الخروج من ضيافة الله في هذا الشهر الحرام وقد طُهِّرت من دنس الغفلة والذنوب التي من كبائرها الحقد والضغينة والشتم والقذف، إنها الأيام الأخيرة للرحيل المر، يغتنمها الانسان في تصفية حسابه مع الخلق والخالق، هذا الكلام كنا نوصي به العوام من الناس، ولم ندرك أن البرلمانيين الذين يلهجون به ليل نهار هم أولى به...
يا للحسرة، لماذا يطغى علينا دائماً هذا المنطق؟ أهذا منطق الاسلام الذي نعلمه للناس؟لا يُطاع الله من حيث يُعصى!
رب اغفر لنا ولجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حيّهم وميّتهم واهدنا جميعاً لما اختُلف فيه من الحق بإذنك وتقبّل صيامنا بأحسن القبول والمم شملنا ولا تفرق بيننا أبداً... آمين
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ