لم أخفِ سعادتي بدعوة الشيخ عيسى أحمد قاسم إلى الوحدة الوطنية وتشكيل ائتلاف للسنة مع الشيعة في مجلس علمائي موحد (في نطاق القانون) وكانت تلك الدعوة قبل شهر أو يزيد، وعاتبت بعضاً من مشايخ أهل السنة والجماعة على عدم التجاوب مع تلك الدعوة؛ ولكن تفاجأنا بتشكيل الشيخ قاسم مجلساً علمائياً لتيار من الطائفة الشيعية الكريمة! وقطعاً فإن مجلساً محصوراً في تيار من الطائفة، أياً كانت تلك الطائفة التي ينتمي إليها مؤسسوه، لا يخدم دولة القانون من جهة، إذ إنه خارج عباءة الدستور والقانون، ولا يخدم أمنية ودعوة الشيخ عيسى السابقة إلى تشكيل مجلس علمائي مشترك بين السنة والشيعة.
الدستور في المادة (27) نص على أن للأفراد حق التنظيم والتجمعات والمجالس بحسب الأوضاع التي يحددها القانون، وألا يمس القانون جوهر الحق والحريات كما في المادة (31)، بمعنى أن كل التنظيمات (عقائدية، فكرية، تعليمية... إلخ) يجب أن تخضع إلى نظام الدولة العام، والحصول على إذن من الجهة المختصة، من دون تدخل أجهزة الدولة في الشأن الخاص لهذه التنظيمات.
دعوة جلالة الملك، إلى إزالة جميع القوانين المعوقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوعية المواطنين والمسئولين بمفهوم دولة المؤسسات واحترام القانون، تجعل صدقيتنا مهزوزة إذا ما أردنا إلزام السلطة التنفيذية وحدها بهذه المبادئ والمفاهيم. ومن المعلوم أن أية دولة قانون لا تقبل أن تؤسس أية مجموعة من الأفراد، تجمعات أو مجالس خارج إطار قوانين الدولة، ولا تسمح لأي فرد أو جهة أن تبقى خارج القانون أو فوق القانون. هذا من جهة الدولة، ومن جهة التجمعات فمن المناسب أن تعمل في إطار القانون، كي لا تستخدم مثل تلك الوقائع غير القانونية ذريعة من قبل السلطات للتدخل المستمر في شئون التنظيمات المختلفة. بل يجب تعم فكرة دولة القانون على جميع المستويات الرسمية والشعبية، وإلا فإنه مثلما تأسس مجلس علمائي لتيار من الطائفة الشيعية الكريمة فما هو المانع من أن تؤسس بقية التيارات مجالس علمائية، ومن ثم تعميم فكرة التأسيس لتشمل أهل السنة والجماعة، وكل مذهب من المذاهب السنية سيؤسس مجلساً علمائياً على غرار المجلس العلمائي الأول، وهكذا يعم التنافر بين الطائفتين وتياراتهما. وذلك لا يخدم الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، ودعوة الشيخ عيسى الأولى، وتعم فوضى تأسيسية في البلد خارج نطاق القانون، وبالتالي تسبب هذه التنظيمات المختلفة الفرقة والتنافر والتناحر بين المواطنين.
إن العمل من أجل الوحدة الوطنية ليس شعاراً نرفعه بل واقعاً نطبقه في جوانب الحياة المختلفة، في السياسة كما في الاجتماع.
الغريب في الأمر، أن هناك تيارات دينية من الطائفتين الكريمتين، استنكرت تأسيس المجلس العلمائي، وتناست تلك التيارات دعواتها الكثيرة والمتكررة إلى تشكيل مجالس مشابهة لهذا المجلس، وغفت عينها عن مشاهدة عيوبها في ترويج كتب من مثل: «ثم اهتديت» أو «بل ضللت»! وعماها غرامها استضافاتها مشايخ «الفرقة والخلاف»! أو «متسنن» من هنا و«متشيع» من هناك! ولا نعلم إن كان تشكيل المجلس العلمائي يضر بالوحدة الوطنية، فهل دعوة أو وجود أشخاص مثل هؤلاء ينفع الوحدة الوطنية؟ فـ «لا تنه عن عملٍ وتأتي بمثله...»، وتحت أي بند من بنود الوحدة الوطنية تدرج مثل تلك الدعوات والمحاضرات؟
يتحدثون ويزايدون على الوحدة الوطنية ويقومون بنحرها على عتبات الطائفية لصالح الموتورين والطائفيين
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ