العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ

عقلية البلدوزرات في البرلمان

قانون «الكبت العام»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحد أوجه المشكلة اليوم مع اندفاع الحكومة لطرح مشروع قانون التجمعات والمسيرات الجديد، أن هناك تجاوباً من قبل بعض النواب لتمرير ما تهواه الحكومة، وإلباسه حجاباً شرعياً، وإعطائه لحية ومسبحة أيضاً. بل إن النواب المتسرعين الذين «تورّطوا» بتصريحاتهم في التمهيد لهذه «الهيصة» قد لا يدركون انهم يقوّضون تماماً أية مساعٍ أو خطوات جادة لإقامة دولة القانون، الضامن الأكبر للإصلاح الحقيقي. فكلما حدث حدثٌ أو طرأ طارئ، وما أكثر الطوارئ في بلد مأزوم بقضايا البطالة والتجنيس والتمييز والفقر، حنّت الإبل إلى المرعى الوبيل.

إن قضية في حجم خطورة الحريات العامة وحرية التعبير لا ينبغي السكوت عليها، فهي أكبر مما جرى توصيفه بقانون «الصمت العام»، لأن التوصيف الأدق هو قانون «الكبت العام»، فهو نسخة «متخلفة» من قانون «أمن الدولة»، أضيفت إليه مواد أخرى أسوأ من السابق، وإذا مرره البرلمان فإنما سيسجل أعضاؤه الحاليون على أنفسهم عاراً لن ينساه لهم هذا الشعب بقطاعاته وجمعياته ومؤسساته المدنية وقواه الحية.

وما يثير القلق هو ما نقرأه من تصريحاتٍ تنم عن الميل والاستعداد النفسي لدى بعض النواب لتمرير هذا القانون، وبذلك يلعبون دور شاهد الزور على ما يجري التخطيط له من تقييد متسارع للحريات سينتهي حتماً إلى «تسويد» السجون!

من واجبنا التذكير أنه بعد فرض قانون أمن الدولة في نسخته الأولى بمبررات لا تختلف كثيراً عن مبررات النسخة الجديدة، تلته هجمة شرسة في منتصف السبعينات على كل من يقول «أف»، وبذلك امتلأت السجون بصفوف المعارضي السياسيين، ما بين يساريين ووطنيين وقوميين وإسلاميين. الجميع دفع الضريبة، حتى وصل عددهم إلى 3 آلاف معتقل في ذروة تشديد القبضة الامنية في التسعينات، أي بمعدل مواطن معتقل مقابل كل ألف مواطن، وهي من أعلى النسب في العالم أجمع.

برلمان الرجال

البداية تبدأ صغيرة، شبكة صغيرة تلم السمك الصغار، وتنتهي إلى اغتيال روح المجتمع ومؤسساته وقواه الحية. في المرة الأولى أثبت النواب أنهم على مستوى من الوعي والمسئولية، بحيث قالوها صريحة: «لا»، وهو ما ترك لهم في نفوس الشعب هذه المنزلة والاحترام، إذ اعتبروا مجلسهم أعلى درجات الطموح السياسي بعد ثلاثين عاماً، وقدموا في سبيل عودته 40 «ضحية» من أبنائهم. بل واعتبروا ذلك الدستور بمثابة مرجع تطمح له حتى أقوى أطراف المعارضة تشدّداً.

أما اليوم فإن ما نسمعه على ألسنة النواب فنرى فيه اهتزازاً واضطراباً وجزعاً من قول «لا» صريحة. أحد النواب يقول: «لا أستطيع أن أبدي رأيي مقدماً»، فيما يحاول صاحب السعادة الثاني إقناعنا بأن هناك إمكاناً لتمرير القانون بأقل الأضرار الممكنة وتخفيف ضرره وجعله متناسباً والمشروع الإصلاحي، و«يجب أن يعلم أن القانون أتى من الحكومة ويجب أن نتعامل معه...»، ومادام قادماً من الحكومة فلا مجال لقول «لا»!

أما صاحب السعادة الثالث فقال إنه إذا رأى سعادته أن القانون يتعارض مع المكتسبات فسيعارضه! أما رابع القوم فقد استشكل على أداء الصحافة قائلاً: «إن آلية طرح الصحافة للموضوع غير مبررة على الأقل في هذه المرحلة»! ولا ندري ما هو المطلوب من الصحافة أن تقوم به في وقتٍ يهدد القانون الجديد حرية المجتمع وأكبر مكتسباته في الصميم. فهل المطلوب أن تنشئ القصائد الطوال في مديح القانون والتهليل بحمده حتى يكون أداء الصحافة مقبولاً لديه؟ أم أن عليها الانتظار حتى يتم إقراره في الظلام، وسط تواطؤ كتلٍ كاملةٍ في مجلس النواب واستعدادها التام لتمريره في غمضة عين! هل المطلوب أن تكون الصحافة الوطنية شاهد زور كما ارتضاها لنفسه البعض؟

كل ما سمعناه ونسمعه من بعض «نواب» الشعب في البرلمان يصغر أمام ما نسب من تصريح هتلري لأحد أكبر الوجوه البرلمانية، حين عبّر عن رغبته في «كسح المسيرات بالبلدوزرات»، ما يذكّرنا بإنجازات طيّب الذكر شارون وما يصنعه بالفلسطينيين في الضفة والقطاع.

قبل تسعة وعشرين عاماً، كان مجلس النواب أمام مفترق طرق: يمرّر قانون «أمن الدولة» أم يقول «لا»، ووقف الرجال موقف الرجال وقالوها، وأغلق المجلس وحكمت البلاد تلك القوانين التي فرّخت مجمعات السجون بالعشرات، وآلاف المعتقلين، وآلاف المشردين والمنفيين والملاحقين، حتى احتلت هذه الدولة الخليجية الصغيرة منزلتها بين الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الانسان. واليوم يدور الزمن دورة أخرى، ليجد النواب أنفسهم أمام المفترق ذاته: «نمرّر القانون أم نقول لا»، فهل يقف النواب موقف الرجال... أم ستحكمنا سياسة البلدوزرات؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً