يملك مصطلح «المؤامرة» جاذبية خاصة في صفوف الميليشيات الأميركية. وتعتبر من النظريات الأكثر رواجا في صفوفها. ويشير المصطلح إلى شبكة من المؤامرات المعقدة، تقودها الأمم المتحدة بالنيابة عن حزب شيوعي أو اشتراكي عالمي. وتعتمد الأمم المتحدة على الكثير من مؤسسات الحكومة الأميركية الفيدرالية. وهذا بحد ذاته مؤامرة عالمية على الولايات المتحدة.
فالمصطلح يشير إلى وجود «تواطؤ» بين الحكومة الفيدرالية والأمم المتحدة والهدف هو سلب مواطني أميركا حرياتهم وأموالهم وثرواتهم. فالمؤامرة شاملة بالنسبة إلى الميليشيات الأميركية وهي تستخدم مجموعة أدوات منها الأمم المتحدة التي بدورها تستخدم قوات الحرس الوطني وعصابات لوس أنجليس للقيام بحملة واسعة هدفها تجريد المواطنين من السلاح الفردي وهو حق كفله الدستور الأميركي وتريد المؤامرة (الأمم المتحدة) نزع مثل هذا الحق.
وفي هذا السياق، فإن حوادث التسرب الكيماوي هي مناورات مموهة ايضا ومقدمات لاستخدام السلاح الكيماوي من قبل الحكومة الفيدرالية، بهدف ارغام المواطنين على الخروج من منازلهم، تمهيدا لاقتحامها ومصادرة الأسلحة منها.
وقبل شروع الأمم المتحدة في «غزو» أميركا، ستستولي الوكالة الفيدرالية لادارة الأزمات على السلطة عبر تشكيل حكومة طوارئ مؤقتة. وتقوم «المروحيات السوداء»، التي لا صوت لمحركاتها، بطلعات متكررة فوق الشاطئ الغربي في الولايات المتحدة لجمع معلومات لصالح قوات الأمم المتحدة الغازية! ويرى أصحاب نظرية المؤامرة التي تلاقي هوى عند الميليشيات أن مناجم الملح في ديترويت هي مخابئ تحتشد فيها قوات روسية بانتظار صدور الأوامر بالعمل والسيطرة على الولايات المتحدة. ويرى هؤلاء في بعض الملصقات واشارات المرور على الطرقات السريعة (شيفرة سريّة) مشفّرة لارشاد «قوات الغزو» العالمية بالتعاون مع قوات الولايات المتحدة الفيدرالية.
الحكومة الفيدرالية دست آلات الكترونية في السيارات بهدف شلها عن الحركة يوم يقرر «النظام العالمي الجديد» الآتي من الخارج الهيمنة على الولايات المتحدة.
يذكر أن الحكومة الأميركية تفرض فعلا وضع شرائح الكترونية في كل سيارة، بهدف تقصي نسب انبعاث الغازات الملوثة في الجو. وفي حال تجاوز الكمية المسموحة، يقوم كمبيوتر مركزي بتعطيل السيارة. وتستخدم الميليشيات هذه المسألة للتدليل على سعي الحكومة إلى فرض سيطرة كلية على المواطنين. فالدولة المركزية (الفيدرالية) فرضت شروطها الكلية على المواطنين باسم الدستور، وهي مثلا زرعت «شيفرات سرية» في الأوراق النقدية (الدولار) بما يمكنها من معرفة الثروات الفردية لكل أسرة أميركية.
وهكذا تتناسل الأفكار وتكبر المؤامرة في عقل الميليشيات الأميركية. فالمؤامرة عند هؤلاء مقلوبة. فكل العالم يرى أن هناك مؤامرة أميركية تريد السيطرة على العالم من خلال السيطرة على ثروات الشعوب وتجارتهم وأموالهم من خلال «العولمة» و«النظام الدولي الجديد»... بينما الميليشيات الأميركية المسلحة والمدربة والمجهزة بالمعدات والمال والايديولوجيات ترى العكس تماما. انها تقول بوجود مؤامرة عالمية ضد الولايات المتحدة تقودها الأمم المتحدة في نيويورك والحكومة الفيدرالية (المركزية) في واشنطن.
فمن هي تلك الميليشيات التي اتهمت بسلسلة عمليات تدمير وتخريب باسم المحافظة على النقاء الأميركي.
من هي الميليشيات الأميركية وما خريطتها السياسية والايديولوجية وكيف تتوزع على الولايات؟ هنا بعض ما هو معلوم عنها وهي تعطي فكرة مختصرة أو صورة مصغرة عن العنف الأميركي.
1- «رابطة ميليشيات للولايات المتحدة» مركزها مدينة بلاكفوت في ولاية ايداهو، مؤسسها صاموئيل شيروود. من أقواله: «الحرب الأهلية آتية ومعها ضرورة قتل المشرعين في هذه الولاية».
2- «تقريبا الجنة» مركزها مدينة كاميها في ولاية ايداهو أيضا، وهي مجموعة مسلحة أسسها بو جريتز. تتألف من «ثلاثين عائلة» تسعى إلى الاكتفاء الذاتي ماليا. وتعلن طاعتها لقوانين الحكومة، إلا إذا تعارضت مع «قوانين الله والحس العام». من أقوال جريتز «الطغاة الذين أمروا بالهجوم على واكو (معسكر داود) تجب محاكمتهم واعدامهم بوصفهم خونة».
3- «ميليشيا مونتانا» مركزها مدينة نوكسون في ولاية مونتانا وتعتبر احدى ابرز المجموعات المتطرفة. اسسها جون تروخمان. وتدعو المواطنين إلى تشكيل ميليشيات غير مترابطة مركزيا لكي تتولى الدفاع عنهم عند الضرورة.
4- «ميليشيا ميشيغن» مركزها مدينة هاربور سبرنغ في ولاية ميشيغن. شرعت في العمل في العام 1993 كرد على «وثيقة برادي» عن بيع الأسلحة. قادها نورمان اولسون، وهو معمداني وصاحب متجر. وأقصي عن القيادة بعد تفجير المبنى الحكومي الفيدرالي في اوكلاهوما. تؤمن ميليشيا ميشيغن بأن الأمم المتحدة تسعى إلى فرض حكومة اشتراكية عالمية موحدة على الولايات المتحدة.
5- «رابطة العدالة الأميركية» مركزها مدينة انديانا بوليس في ولاية انديانا. أسستها المحامية ليندا تومبسون بعيد هجوم قوات الأمن الفيدرالي (اف بي آي) على مجمع أو «معسكر داود في واكو». تجهد هذه الميليشيا «لوضع حد للنظام العالمي الجديد، وايصال الحقيقة إلى الشعب الأميركي». دعت تومبسون إلى مسيرة مسلحة تتوجه إلى واشنطن من أجل «محاكمة الخونة في الكونغرس».
6- «ميليشيا من أجل الدفاع عن الدستور» مركزها مدينة نيوهامشير. وهي مجموعة صغيرة وجيدة التنظيم. يقودها ادوارد براون. ويذكر أن القوانين المحلية في نيوهامشير تسمح بتأليف ميليشيات غير منظمة. ويعارض براون قوانين ضبط السلاح والأمم المتحدة والحكومة الفيدرالية.
7- «نادي الهضبة الزرقاء للصيد» مركزه ولاية فيرجنيا. وأسسها جيمس وري مولينز الذي اعتقل مع آخرين وأدينوا بتهم بيع بنادق قصيرة الماسورة وكواتم صوت من دون رخص. ويتسلح مولينز وأتباعه استعدادا للحرب المقبلة مع الحكومة الفيدرالية. ويذكر أن هذه الولاية شهدت أعمال «قنّاص واشنطن» الذي استخدم بندقية صيد في قنص ضحاياه.
8- «مواطنون من أجل اعادة تنصيب حكومة دستورية» مركزها مدينة مونروي في ولاية كارولينا الشمالية. ويدعو مؤسسها البرت اسبوزيتو، إلى «تخزين أربعة أشياء: الرصاص والاسعافات الأولية والفاصوليا وكتب التوراة». وأسماء هذه الأشياء تبدأ كلها بحرف «بي» بالانجليزية، فهي Bibles، Beans، Bandages، Bullets. وترمي المجموعة إلى فرض «سيادة التوراة والدستور الأميركي».
9- «ميليشيا ولاية فلوريدا» مركزها مدينة ستوارت في ولاية فلوريدا. وأسسها روبرت بومر. يرد في أحد كتيباتها «كفانا مخدرات، كفانا جرائم وسفك دماء، كفانا (واكو)... وهجمات الحكومة الفيدرالية ضد المسيحيين الأميركيين». وكذلك «اشتروا ذخائركم من الآن، فلن تستطيعوا الحصول عليها مستقبلا».
10- «ميليشيا تكساس الدستورية» ومركزها مدينة ماين في ولاية تكساس. أسسها جون رونالد في العام 1994. قامت بأول عرض عسكري في 19 ابريل/نيسان 1994، في الذكرى الأولى لهجوم الأمن الفيدرالي على مجمع «واكو». وتملك شبكة بريد الكتروني مشفر تنقل عبره رسائل ومعلومات بين الميليشيات المختلفة. يدّعي رونالد أنه استطاع اختراق الأجهزة الحكومية الأمنية العاملة على شبكة الانترنت.
11- «حراس الحريات الأميركية» مركزها مدينة بولتون في ولاية كولورادو. قائدها سيتوارت ويب المعروف بعدائه للسامية ونشاطه في ترويج فكرة «المؤامرة» عبر محطات الراديو التابعة إلى اليمين في أنحاء أميركا. تصف المجموعة نفسها بأنها شبكة من المواطنين هدفها تنقية الحكومة من الفساد، وكذلك الدفاع عن الدستور الأميركي.
12- «رجال شرطة لمناهضة النظام العالمي الجديد» مركزها ولاية اريزونا. أسسها جاك ماكلامب، وهو رجل شرطة سابق من فوينكس. ويوزع دورية شهرية عنوانها «نشرة مساعدة وتحريض البوليس» التي تناقش مسائل دستورية متعلقة بحفظ القانون. وكذلك يذيع برنامجا من محطة خاصة للراديو في منزله.
13- «الأمة الآرية» مركزها هايدن لايك في ولاية ايداهو. أسسها ريتشارد بوتلر. وتدعو إلى تسييد العرق الأبيض.
14- «الجمهرة الكوميشية» حركة مناهضة لدفع الضريبة، تضم في صفوفها عددا من المزارعين الذين تأثروا بأزمة الأراضي في مطلع الثمانينات. تؤمن بأن جهاز النقد الدولي هو أداة بيد المؤسسات المصرفية الصهيونية.
15- «الاستعمال الحكيم» تنتشر هذه المجموعة في الولايات الغربية لأميركا. وتمولها شركات المناجم والأخشاب. تسعى إلى رفع القيود الحكومية عن أعمال التنقيب وقطع الأشجار والمراعي.
16 - مارك كوبرنيك أو «مرقس ميشيغن» انه رجل واحد وليس ميليشيا، إلا أن كوبرنيك يعتبر من أشهر وجوه ميليشيات أميركا. وحاز لقب «مرقس ميشيغن» نظرا إلى نشاطه الاعلامي على الراديو. له صلات مع «ميليشيا مونتانا» ومؤسسها تروخمان.
الهيئات التي يتألف منها «معسكر الأعداء»:
1. مجلس الأمن في اعتباره «حصان طروادة» حكومة «العالم الواحد».
2. «مكتب الكحول والتبغ والأسلحة». تدينه الميليشيات اعتباره أداة قمعية ضد الحق الدستوري في حمل السلاح، وكذلك تقييد الحريات الفردية، عبر تشريعاته ضد التدخين والكحول مثلا.
3. «لجنة العلاقات الثلاثية». وهي «البعبع» الدائم الذي يشهر به الصحافي جون بيرش، وكذلك الداعية بات روبرتسون. وللتذكير فإن روبرتسون قدم أخيرا حلقة على تلفزيون «سي ان بي سي» شهّر فيها بالرسول الكريم (ص). وأثارت تصريحاته ردود فعل قوية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وتعتبر الميليشيات «لجنة العلاقات الثلاثية» محفلا للاتصال بين قادة رجال الأعمال والسياسيين البارزين. ويذكر أن اللجنة تأسست في العام 1973 على يد ديفيد روكفلي. ومن أبرز رموز اللجنة من الحزب الجمهوري هنري كيسينجر وجورج بوش (الأب)، ومن الحزب الديمقراطي الرئيسان السابقان جيمي كارتر (حاز حديثا جائزة نوبل للسلام)، وبيل كلينتون.
4. «الوكالة الفيدرالية لإدارة الأزمات». أنشئت في عهد الرئيس السابق كارتر للتعامل مع الأوضاع الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والزلازل وغيرها. ووصفتها إحدى نشرات «الوطنيين» المتداولة عبر الانترنت بأنها «أقوى تنظيم في الولايات المتحدة». وينظر إليها في اعتبارها أداة بيد «لجنة العلاقات الثلاثية» مهمتها التحضير للامساك بالسلطة في الولايات المتحدة بعد «فرض حال الطوارئ».
5. «الأمم المتحدة». لا تكره ميليشيات أميركا شيئا أكثر من الأمم المتحدة. وتكاد أن تعتبرها العدو الرئيسي. وفي رأيها أن الأمم المتحدة هي «حصان طروادة» لحكومة العالم الواحدة. وتلك حكومة سرية ذات طابع اشتراكي. وتتحصن الأخيرة في الأمم المتحدة ومنظماتها. وتنتظر اللحظة المناسبة للانتقال من نيويورك الى البيت الأبيض، وفرض سيطرة العالم على الولايات المتحدة.
الهيئات المناهضة للعولمة
1. «الناجون». انتظارا لليوم المحتم الذي ستنهار فيه الحكومة والاقتصاد، تستعد الميليشيات وتتجهز مكدسة أنواع الأطعمة والماء والسلاح والذخيرة، وتتدرب على طرق العيش في الغابات.
2. «الوطنيون». شبكة من الناشطين المعارضين للحكومة الفيدرالية، تتشدد في الدعوة إلى تطبيق البند العاشر من الدستور الأميركي الذي يقضي بأن السلطات التي لا تحوزها الحكومة الفيدرالية تؤول حكما إلى الولايات او إلى المواطنين أنفسهم.
3. «الميليشيات». مجموعات مسلحة ذاتيا، وغالبا للدفاع عن الدستور الذي يرونه مُهَدَّدا من قِبَل الحكومة أو «مؤامرة» الأمم المتحدة... الخ.
4. «الهوية المسيحية». مصطلح ميليشياوي يشير إلى أن مواطني شمال أوروبا هم «شعب الله المختار» الذي يرد ذكره في التوراة. ويرى المدافعون عن «الهوية المسيحية» أن اليهود من «نسل الشيطان»، وأن الحكومة الفيدرالية هي «حكومة الاحتلال الصهيونية»
العدد 79 - السبت 23 نوفمبر 2002م الموافق 18 رمضان 1423هـ