العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ

قناعة نبذ العنف

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

حال نبذ العنف واستكراهه المتصاعدة في النظام السياسي البحريني حالياً والتي توجت أخيراً بإعلان (لجنة الدفاع عن المعتقل عبدالهادي الخواجة) عن وقف فعالياتها تعطي مؤشراً بأنه ثمة قناعة مجتمعية سائدة بضرورة الابتعاد عن العنف في المطالب والتعبير عن الرأي. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تلتزم القوى السياسية والقواعد الشعبية بمثل هذه القناعة؟ وهل بالإمكان أن تتغير بمجرد بروز حوادث ومعطيات مواتية لطرح أجندة خصوصاً قد ترتبط بالطائفة يمكن إنجازها على أرض الواقع؟

عند تتبع تاريخ النصف الثاني من القرن العشرين نجد أن قناعة نبذ العنف كانت غائبة في معظم الأوقات، وخصوصاً في أزمات الاحتجاج السياسي التي شهدها القرن الماضي بكثرة. بل قد تكون هذه القناعة عكسية في تاريخ حركات الاحتجاج منذ حركة 1938 إلى أن وصلت ذروتها في حركة 1994 الأخيرة والتي اعتمدت في أدواتها المطلبية على إحراج السلطة من أجل نيل المطالب السياسية والدستورية التي قادتها التنظيمات السياسية البحرينية سراً في الخارج.

مع تولي جلالة الملك مقاليد الحكم بدأت (قناعة العنف) بالتغير نحو (قناعة نبذ العنف) وها نحن نشهد مظاهرها اليوم. والمهم في القناعة الجديدة الآخذة بالنشوء أن تعتبر القانون وسيادته حَكماً لأية مطالب، لا أن تقوم باعتبار القانون سبباً رئيسياً يؤدي إلى ممارسة العنف السياسي لتحقيق مطالب محددة.

وتبرز إشكالية العنف الجديد الذي ظهر منذ نهاية الأسبوع الماضي أنه عنف يؤكد العمق الطائفي للمجتمع، ويعزز من نظرية ارتباط العنف بالطائفية. وهو ما يستدعي المحاربة من قبل المؤسسات الدينية أولاً، ثم مؤسسات الدولة والسبب في تأخير الثانية على الأولى العجز الواضح لمؤسسات الدولة في مواجهة قدرة المؤسسات الدينية على التغيير والتوجيه السياسي، وخصوصاً أن هذه المؤسسات أصبحت لديها خبرة طويلة في مجال القيام بمهام التنشئة السياسية لتحقيق أغراض محددة بخلاف مؤسسات الدولة التي اهتمت بتوظيف التنشئة السياسية من أجل إضعاف الوعي السياسي للمواطنين خلال العقود الثلاثة الماضية.

بالتالي تأتي ردود فعل المؤسسة الدينية والقوى السياسية الشيعية كتعبير واضح للطرح السابق، في الوقت الذي اهتمت فيه مؤسسات الدولة بتوظيف حوادث العنف الأخيرة في سياق الفكرة الطائفية. ولكن حسناً فعلت القوى السياسية السنية عندما أعلنت موقفها صراحة ورفضت أية محاولات للتصعيد ونبذت العنف لأن هذا السلوك عكس توجهاً رافضاً لتوجه مؤسسات الدولة لتوظيف العنف من أجل تعزيز الانتماء الطائفي على حساب الانتماء الوطني والعودة إلى أوضاع ما قبل الإصلاح السياسي.

ولهذا فإن الحوادث الأخيرة ينبغي استثمارها بشكل جيد بحيث تكون بداية نحو قناعة مجتمعية مشتركة قائمة على نبذ العنف وليست قائمة على قبول العنف. وعلى مؤسسات الدولة أن تدرك بأن الوقت قد آن لوقف التوجه القديم، فاللعبة الطائفية يجب أن تتوقف وتحل محلها لعبة القانون والاحتكام إليه، فقناعة نبذ العنف هي من أهم نتاجات المشروع الإصلاحي الحالي

العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً