الطفرة الحضارية الكبيرة التي حدثت في دولة الإمارات العربية المتحدة وخصوصاً تلك التي حدثت في مدينة دبي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، وخصوصاً من جانب الجهلة الذين لا يفقهون في علم الاقتصاد وعلاقة هذا النهوض الكبير بالمتغيرات الدولية. وفي الجوانب التنموية تكون الغيرة أكثر حدة، وخصوصاً لدى قصيري النظر لعدم مواكبتهم للتطورات الجديدة في العالم التي جعلت دول شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا نموراً اقتصادية أصبح كل العالم يتحدث عن تجربتها في التنمية الهائلة التي فاقت كل المقاييس، كثير من هؤلاء الجهلة يتحدثون عن سقوط اقتصاد دبي... ولماذا دبي بالذات؟
إن مسيرة النجاح التي مرت بها مدينة دبي من خلال مرحلة شاقة من العمل والإبداع تجعلها غير مكترثة بما يقال هنا وهناك، لأن العبرة في الشواهد التي تقف منصوبة في كل مكان على أرض دبي تؤكد أن النجاح الذي تحقق لم يتأت من فراغ بل من خطط ودراسات وجهود مضنية في جعل الحلم واقعاً يمشي على رجلين، وهنا لابد أن نذكر بالبدايات الأولى لقصة النجاح الكبير وبتوجيهات من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إذ تم وضع المخطط الهيكلي لدبي العام 1961 وتضمن بناء مطار دبي الدولي وميناء راشد وميناء جبل علي وبناء أعلى مركز تجاري في منطقة الخليج، وكانت هذه الأسس الرئيسية لنجاح أية مدينة عصرية وشكّل هذا المخطط انطلاقة لدبي على المستوى العربي والعالمي، وهذا ما يمكن أن نسميه في علم الاقتصاد بالأصول التي قامت عليها النهضة، ومن ثم انطلقت الخطط في جوانب أخرى كثيرة حتى تتواكب مع تنفيذ المخطط العام للمدينة.
وفي الوقت ذاته تم التغيير التدريجي بالنسبة إلى القوانين الاقتصادية في الإمارات ليتواكب والتطورات الحاصلة في العالم، وكان ذلك أساس النمو الاقتصادي، كما كان أحد أسباب النهوض للكثير من الدول التي تقدمت. ولم تغفل قيادة الإمارات أن تجعل المجتمع في دبي وفي الإمارات المتحدة عموماً يشارك في صناعة هذه النهضة من خلال التنوير المستمر لما يجري والاستماع إلى الآراء والأخذ بها. ومنذ البدايات الأولى اعتمدت دبي سياسة شاملة بشأن تنويع مصادر الدخل، ما انعكس إيجاباً على توفير التمويلات اللازمة باستمرار لمداخيل الموازنة الحكومية.
وفي هذه السانحة لابد أن نذكر أن لكل نجاح أعداء والحمد لله أن الذين قادوا مسيرة النجاح لا ينظرون إلى الخلف وعيونهم مشرئبّة دائماً إلى الأمام ناظرين إلى المستقبل المشرق الذي ينتظر العاملين والمبدعين وليس المحبطين. وكثيراً ما يصرح قادة الإمارات بأن دبي لا تقلد الآخرين بل الآخرون يقلدونها، ولذلك نرى أن القرارات الإيجابية يجب أن تكون لصالح المستثمرين وأنه لابد من التجاوب الفعّال لاستقطاب رأس المال بتوفير الأجواء الملائمة للاستثمار التي ساعدت على اتخاذ الخطوات التي مكنت من إنشاء الكثير من المؤسسات التي تربط بشكل أو بآخر بزيادة الاستثمارات وفي ذلك الوقت كانت المناطق الحرة في الإمارات تفي بغرض المستثمر الأجنبي في الاستثمار الكامل وتملك الأرباح وحرية تحويلها من دون عراقيل.
ومن بين التحديات الكبيرة التي مرت بها دولة الإمارات العربية المتحدة عندما أنشأت مدينة دبي بشكلها الحالي توفير الرعاية والحماية الضرورية للقطاع الخاص، وبالذات الأنشطة المعززة لقطاع الخدمات وتحديث ودمج قطاعات الخدمات الهامشية وتبني الأساليب الحديثة والتجارة الالكترونية في تطوير القطاع التجاري. وهذه المعالجات المهمة التي أدت إلى نجاح طفرة دبي جعلت العالم قاطبة يحاول الاستفادة من الخطوات التي استخدمتها دبي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من سمعة اقتصادية عالمية أصبحت مسار دراسة في الكليات والمعاهد الاقتصادية. وخلاصة القول إن أحلام سقوط دبي التي تراود البعض ليس لها مكان في الواقع، لأن الأساس الذي قامت عليه أساس متين
العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ