إذا كان الإصلاح سياسياً أو إدارياً أو إقتصادياً (كما أعلن جلالة الملك في أول خطاب بمناسبة العيد الوطني: الإصلاح في كافة الميادين)، أو كما نفهمه من خلال مصطلح الإصلاح الواقعي: تطهير سياسي وإداري. هكذا نفهم الإصلاح في الخطاب الملكي أو من حيث الواقع المعاش في دول الإصلاحات الحقيقية.
وأيضاً، وعلى قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن الإيمان بالتعددية السياسية والذي يأتي مقروناً بالفعل التعددي على أرض الواقع، واستخدام الوسائل المتكافئة مع الخصم السياسي في خوض معركة اقناع الناس، تلك المعركة تتطلب التحلي بشيء من «الشرف السياسي» الذي يمنح الآخر ما نتمتع به من حرية القول والفعل ومحاولة إقناع الناس بمرئياتنا وبرامجنا السياسية والاقتصادية في التغيير والإصلاح الذي ننادي ونطالب به! من إعطاء الآخر حق الاختلاف، بدءًا من عقيدته ورأيه المذهبي المتحدد آنفاً في قرارة نفسه، مقترناً ذلك بتوجهاته العملية السلمية. هذه هي الديمقراطية، والتي ضاقت صدور أعضاء مجلس النواب بها، في كثير من المواقع. فتارة يتهمون من يختلف معهم بالجهل بأدوات اللعبة السياسية وأخرى يتهمون المختلف معهم سياسياً بالغباء السياسي! أو اتهام الآخر بالفتنة! في ظل وجود هذه المنطلقات الفكرية الاستبدادية، لا نفهم معنى الديمقراطية والتعددية السياسية التي يتحدث عنها النواب!
أعضاء مجلس النواب، برهنوا - عملياً - على ضيق صدورهم، سواء بقانون الجمعيات السياسية «الكابح» للحرية السياسية - ومع ذلك يعاتبنا أحدهم على نقدنا للقانون المقترح - وساعة بضبط المسيرات وتنظيمها في «هايد بارك»! وأجزم أن مقترح ضبط المسيرات ليس لتحويلها للهايد بارك، بل لتحويل الناس إلى «التخشيبة»!
ماذا يريد أن يضبط النواب؟ يريدون أن يضبطوا التعددية السياسية، والتي هي رفض كل أشكال الأحادية والإيمان بالتنوع الإيديولوجي والفكري، وحق الآخر في قول رأيه بحرية والتعبير عن قناعاته بوسائل سلمية في التغيير، فهل هذا ما يريد ضبطه النواب؟ ولكن ضبطه بماذا؟
نوابنا الأفاضل مازالوا يؤمنون بأن التنوع والتعددية يعني أن يتعدد الشعراء والرواة وأصحاب كل فن بهيج بالمديح والثناء والتسبيح والتبجيل، أي مازالوا يعتقدون بدور «شاعر القبيلة» الذي تتحدر من فيه الدرر في وصف علية القوم واسباغ صفات الذات الإلهية على زعماء القبائل، والفرسان وحماة الديار، العارفين بدين الله والبروفيسورات في العلوم الإنسانية والتطبيقية والعلماء ببواطن السياسة والاجتماع والاقتصاد والشرع الحنيف!
هذا الإيمان العقدي، والعملي، من النواب، يجعلهم أمام استحقاق تاريخي شعبي كبير، وأمام استياء شعبي معجون بمرارة السنين العجاف، فهل يقبل النواب الوقوف أمام استحقاقات عقود ثلاثة؟ أشك في ذلك!
التغيير السياسي عمود أساسي في العملية الإصلاحية، والتغيير لا يأتي من فراغ (ومن قال إننا كنا في فراغ قبل الإصلاح فهو واهم، كنا في حال استثنائية بكل معنى لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان) والعملية الإصلاحية في «كافة الميادين» كما يشير جلالة الملك في الخطاب الآنف الذكر، تعني التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، من حقوق إنسان وأمن وضمان اجتماعي وتطور اقتصادي وتغيير في انماط الوعي المتخلفة والسير بها نحو التقدم في الإدارة بتوسيع المشاركة الشعبية في الإدارة والحكم، كما يشير ميثاق العمل الوطني. فهل أدرك النواب مغزى خطاب جلالة الملك وحديثه المتكرر عن الفساد؟ أشك في ذلك
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ