العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ

فضل الله يحذر من الخلط بين العداء للسامية والعداء لـ«إسرائيل»

هل انتقاد «إسرائيل» جريمة؟

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

انتقد المرجع الديني، السيّدمحمد حسين فضل الله، الرئيس الأميركي جورج بوش لتوقيعه قانوناً جديداً يلزم وزارة الخارجية الأميركية إحصاء الأعمال المعادية للسامية، مشيراً إلى أن هذه القرارات قد تتحول إلى أسلحة ثقافية وسياسية وأمنية ضد العرب والمسلمين.

وأكد أن المسلمين يرفضون اضطهاد اليهود أو المسيحيين لأنهم يرفضون اضطهاد الإنسان، متسائلاً عن معنى حماية صنف بشري أو جماعة معينة على حساب البشرية كلها مشيراً إلى أن الدول الغربية تتحمل مسئولية أخلاقية كبرى في عدم التسامح مع الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الفلسطينيين.

ورأى أن ما تعرض له الصحافي الفرنسي آلان مينارغ يمثل وصمة عار جديدة على جبين السياسة الأوروبية والغربية متسائلاً: هل اليهود معصومون وهل «إسرائيل» معصومة حتى يتحول نقدها إلى جريمة؟

وعن توقيع الرئيس الأميركي للقانون الجديد حول معاداة السامية، قال: لعلّ ما يعيشه العالم في هذه الأيام من أجواء إعلامية وسياسية تسلّط الضوء على «معاداة السامية» ومن ثم تعمل على إلحاق كل نقد للسياسة الإسرائيلية أو للممارسات الإسرائيلية العنصرية بهذا العنوان، يعود في شكلي رئيسي إلى الضغط الذي تمارسه الإدارة الأميركية على الدول والمجموعات السياسية لحساب «إسرائيل» داخل الأمم المتحدة وخارجها، بعدما خرجت هذه الإدارة عن كل المعايير الإنسانية وحتى السياسية والدبلوماسية في تبنيها المطلق للسياسة الإسرائيلية. ولذلك، فقد لا يكون من المفاجىء أن يوقع الرئيس الأميركي قانوناً جديداً يلزم وزارة الخارجية الأميركية بإحصاء الأعمال المعادية للسامية وهو على أبواب الانتخابات، كما أنه لا يخرج بذلك عن السياق العام لسياسته التي لم تراع مصالح الأميركيين كما راعت مصالح «إسرائيل»، ولكن هذه المسألة تطل بنا على مرحلة جديدة يرفع فيها العالم شعار الحرب على المعادين للسامية ليضع العرب والمسلمين على رأس المستهدفين من هذه الحرب، وهم في الأساس ضحايا هذا العداء وهم الذين يكتوون في هذه الأيام بنيرانه تحت أكثر من عنوان.

وتابع: إن العالم المستكبر يخلط وعن سابق تصور وتصميم بين العداء للسامية والعداء للصهيونية والكيان الإسرائيلي، ولا يرف له جفن أمام الفظائع التي ترتكب ضد العرب والمسلمين الذين هم ساميّون كما يجري في العراق وفلسطين مما يفوق في أساليبه وممارساته ما تعرض له اليهود في أوروبا وما عملت الدعاية الصهيونية على تضخيمه حتى باتت كل الكتابات الموضوعية حول ما تعرض له اليهود على يد النازيين وغيرهم موضع إدانة، وأصبح أصحابها في موقع الاتهام كما في الحملة التي طاولت المفكر الفرنسي روجيه غارودي، بعد إصدار كتابه حول الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية. ثم لماذا تثار مسألة اليهود فقط في الحديث عما فعله النازيون ولا يُتحدث عن معاناة الشعوب والقوميات والمجموعات الأخرى التي عانت منهم أقسى مما عاناه اليهود.

وقال: إن ما تعرض له الصحافي الفرنسي، آلان مينارغ، بعد إصداره لكتابه «جدار شارون» لمجرد أنه تحدث بصراحة عن أن «إسرائيل» هي دولة عنصرية يمثل وصمة عارٍ جديدة على جبين السياسة الأوروبية والغربية التي لا تنفك تحدثنا عن الحرية وعن نماذج الديمقراطية التي يُراد تصديرها إلى المنطقة وعن الشروط التي ينبغي أن تتوافر في هذه الدولة وتلك لكي تقبل ضمن الاتحاد الأوروبي، ولكنها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل تشهر سيفاً مسلطاً على كل من يتحدث بصراحة ووضوح حيال ممارساتها أو تتركه تحت رحمة الحملات الإعلامية وتنصحه، في الخفاء، بالاستقالة والخروج من دائرة الضوء نزولاً عند الشروط الإسرائيلية.

وأضاف: إننا نسأل الغرب العلماني الذي لا يؤمن بالعصمة: هل أن اليهود معصومون، وهل أن «إسرائيل» معصومة حتى يتحول نقدها إلى جريمة؟! ولماذا يتحوّل أي باحث أو أي ناقد غربي أو أي سياسي يعترض على سياسة القهر والاضطهاد التي تمارسها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين إلى خارج على القوانين في بلاده وإلى منبوذ على المستوى العام؟ ثم لماذا هذه «المعاملة التفضيلية» لليهود إذا كانت المسألة تدخل في العنوان الإنساني؟ إننا كمسلمين نرفض اضطهاد اليهود كما نرفض اضطهاد المسيحيين، لأننا نرفض اضطهاد الإنسان، ولا نقبل بأن يُساء إلى أي إنسان تحت عنوان أنه ينتمي لدين غير ديننا لأننا نعترف بالآخر الديني والآخر السياسي، وقد تعايش الإسلام مع أهل الكتاب ومع اليهود بصورة خاصة ولم يسعَ لاضطهادهم منذ أن انطلقت التجربة الإسلامية الأولى للدولة في المدينة المنورة وصولاً إلى الأندلس وما بينهما وبعدهما من تجارب، حيث عمل على احتضان الآخر الديني أو السياسي الذي كان جزءاً من الدولة الإسلامية في بعض عناوينها ونماذجها، كما في الأندلس، إذ كان من بين الوزراء والمسئولين فيها أسماء يهودية معروفة.

وأردف: ويجب ألاّ يُفهم أننا، عندما ندين السياسة الأميركية في انحيازها المطلق لإسرائيل، أو عندما نقف ضد «إسرائيل» باعتبارها أبرز مصداق من مصاديق الظلم في العصر الحديث، نقبل باضطهاد اليهود أو أننا نرفض صدور قرارات وقوانين تدين العنصرية ومعاداة أي جنس بشري على أساس عصبي وعرقي، بل نحن نشجع على صدور قرارات وقوانين تدعو إلى عدم الإساءة لهذا الجنس البشري أو ذاك، ولكن على أساس عدم تسييسها، بحيث يغدو صنفاً بشرياً معيناً في منأى عن اللوم والنقد على حساب البشرية كلها في الوقت الذي تدفع البشرية الأثمان الباهظة من رخائها وراحتها من خلال الأخطاء الكبرى والممارسات الفظيعة التي ارتكبها فريق من هؤلاء.

وخلص إلى القول: كما إننا في الوقت نفسه نتخوّف من أن تتحوّل بعض هذه القرارات إلى أسلحة ثقافية وسياسية وربما أمنية في مواجهة العرب والمسلمين، لتبدأ الأنظمة الغربية أو بعضها تلاحقهم على مواقفهم السياسية عندما تضعهم في خانة معاداة السامية، مع أنهم ساميون أصيلون، تماماً كما يوضعون في هذه الأيام في موقع الاتهام بالإرهاب ودعمه مع أنهم من أبرز ضحاياه وأكثرهم اكتواءً بناره. ولذلك فنحن من حيث المبدأ مع أي قانون يرفض العنصرية ويحاربها ويرفض احتقار أي بشري على أساس أنه ينتمي لدين ولعرق معين، ولكننا نقول: لابد لأي قانون في هذا السياق من أن يكون شاملاً، ومن ثم لابد من احترام مقاييس العدالة والمساواة والحرية في تطبيقه بحيث يصب في خدمة الإنسان كله لا في خدمة مجموعة بشرية معينة يسعى الكثيرون منها أو القيّمون على أمرها لاضطهاد وهضم حقوق الآخرين بحجة أن ثمة من مارس فعل الاضطهاد ضدهم في مرحلة من المراحل، وعلى البشرية عموماً أن تدفع ثمن ذلك، وعلى العرب والمسلمين والفلسطينيين خصوصاً أن يدفعوا المزيد من الأثمان الباهظة في هذا السياق...

وختم: إننا نقول للدول الغربية التي يستعد بعضها للّحاق بالركب الأميركي في سن القوانين لحساب «إسرائيل» باسم محاربة معاداة السامية، إنها قبل غيرها تتحمل مسئولية أخلاقية كبرى في عدم التسامح مع الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الفلسطينيين وكل أفعال الإرهاب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والاحتلال الأميركي في العراق، وإن عليها ألا تكيل بمكيالين في مسألة معاداة السامية وأن تطبق هكذا قوانين وقرارات على من يضطهد العرب والمسلمين والمسيحيين، وأن تقف إلى جانب عناوين حقوق الإنسان التي ترفعها، لا أن تعمل لتبني قرارات وقوانين ذات صبغة عالمية شاملة لخدمة «إسرائيل»... لأن في العالم ما يكفي من القوانين لحماية البشرية ولكن لا توجد فيه توجهات مخلصة لحماية الإنسان، بل لحماية مصالح هذه الدولة الكبرى أو تلك أو هذه الفئة أو تلك... ولن يرتاح العالم مع كل هذا الظلم في تطبيق القوانين ومع كل هذه المداراة لإسرائيل على حساب الآخرين وخصوصاً العرب والمسلمين

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً