العدد 782 - الثلثاء 26 أكتوبر 2004م الموافق 12 رمضان 1425هـ

لماذا تراجعنا في مؤشر مدركات الفساد؟

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

من المبادئ الأساسية في علم السياسة أن الإصلاح السياسي يؤدي إلى حال من الإصلاح الاقتصادي ويؤدي إلى انتعاش اقتصادي وزيادة في قدرة الاقتصاد الوطني على استقطاب الاستثمارات الأجنبية. والعلة التي يقوم عليها هذا المبدأ أن أية حالة إصلاح سياسي ستؤدي بالضرورة إلى شيوع الشفافية في المجتمع سواءً على صعيد كشف المشكلات أو الحقائق التي تهم رجال الاقتصاد، وبالتالي فإن الشفافية ستساهم في التقليل بدرجة كبيرة من حالة الفساد بسبب توافر الإصلاح السياسي.

وبالتطبيق على الحالة البحرينية نجد أن نظامنا السياسي قد شهد حالاً من الإصلاح السياسي منذ العام 2001 وحتى الآن. ومع إنشاء المجلس الوطني بغرفتيه فإنه يفترض أن يقوم المجلس باعتباره سلطة تشريعية لها اختصاصات في التشريع والرقابة بدعم شيوع الشفافية في المجتمع، كما انه يفترض أن يقوم بممارسة دوره في الرقابة والتحقيق في المسائل المتعلقة بأنشطة السلطة التنفيذية كافة. وبحسب تصريحات النواب فإنهم يؤكدون على أنهم يمارسون دوراً رقابياً معقولاً.

ولكنني لا أتفق البتة مع هذا الطرح، فالمؤشرات التي كشفتها منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي بشأن مؤشر مدركات الفساد 2004 الصادر يوم الأربعاء الماضي له دلالات كثيرة، وبحاجة إلى دراسة ملحة وسريعة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

على رغم أن منظمة الشفافية الدولية تعتبر أكبر منظمة غير حكومية NGO في العالم تهتم بقضايا مكافحة الفساد، فإنها منذ تأسيسها في العام 1993 ببرلين تتصدر مجموعة من التقارير الموضوعية والمهمة بشأن مؤشرات تتعلق بالفساد والشفافية في مختلف بلدان العالم. ومؤشر مدركات الفساد في تعريف المنظمة هو «استطلاع للاستطلاعات يعكس إدراك رجال الأعمال والمحللين السياسيين المقيمين في بلد ما أو غير المقيمين فيه. ويستند مؤشر مدركات الفساد للعام الجاري إلى 18 عملية مسح قامت بها 12 مؤسسة مستقلة قدمت لمنظمة الشفافية الدولية بين عامي 2002 و2004».

وإذا قرأنا التقرير الجديد للمنظمة عن مؤشر مدركات الفساد فإننا سنلاحظ أمرين، الأول أكدته المنظمة في التقرير عندما أشارت إلى أن الفساد يقل بدرجة كبيرة في البلدان الغنية جداً كما هو الحال بالنسبة إلى فنلندا ونيوزيلندا والدنمارك وآيسلندا وسنغافورة والسويد وسويسرا. وهذه الملاحظة مهمة إذ نجد أن بلدان غنية أخرى في منطقة الخليج العربي تعاني من تفشي الفساد على رغم ثرواتها الضخمة!

والأمر الآخر وهو الأهم يتمثل في علاقة الإصلاح السياسي بانتشار الفساد في بلدان مجلس التعاون، إذ يلاحظ من سياق التقرير أن البلدان الخليجية التي تشهد إصلاحات سياسية بشكل بطيء هي الأقل فساداً، كما هو الحال بالنسبة إلى سلطنة عمان ودولة الإمارات. في حين أن الدول الخليجية التي تشهد إصلاحات سياسية متسارعة مثل البحرين وقطر والكويت والسعودية يزداد فيها الفساد.

مثل هذه الحقيقة التي كشفها التقرير بحاجة إلى دراسة لأنها مرتبطة بطبيعة الإصلاح الجاري في بلدان المجلس ومدى فاعليته في المجتمع، وتأثيره على ظاهرة انتشار الفساد.

وعودة مرة أخرى إلى البحرين، فعلى رغم إشادة منظمة الشفافية الدولية بارتفاع مستوى إدراك الفساد في البحرين مقارنة بالعام 2003 فإن التقرير يكشف تراجع ترتيب البحرين في مؤشر إدراك الفساد من المرتبة 27 عالمياً في العام 2003 إلى المرتبة 34 عالمياً في العام الجاري، وكل هذا في الوقت الذي نعيش فيه فترة إصلاح سياسي. ولذلك قد يعود سبب تراجعنا في التقرير إما إلى السلطة التشريعية التي لم تقم بدورها في مكافحة الفساد في الدولة، أو لطبيعة النظام السياسي الذي برز بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني، وقد يكون السبب الثالث هو في الثقافة السياسية السائدة في المجتمع والتي تحول دون تطوير عملية الإصلاح بشكل فاعل

العدد 782 - الثلثاء 26 أكتوبر 2004م الموافق 12 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً