العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ

الضغط زاد على دمشق بعد استقالة حكومة الحريري

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

دمشق محتارة مع واشنطن وواشنطن محتارة حيال دمشق. هذا عنوان اللعبة الجديدة في الشرق الأوسط. دمشق أيضا تنتظر انتخابات الرئاسة الأميركية وتعلم أن إعادة انتخاب بوش سيزيد الخناق عليها. لكن بعض المعلقين هنا يعتقدون أن كيري سيعمل بسياسة مماثلة لسياسة بوش حيال سورية.

وفي الفترة الأخيرة زاد بوش الضغط على سورية ويقف اليوم إلى جانب فئات متزايدة من اللبنانيين الذين يريدون نهاية لهيمنة سورية على بلدهم. لم يكن الضغط الأميركي قويا بهذه الصورة الجديدة. في المدة الأخيرة لوحظ زيادة عدد الوفود الأميركية إلى سورية ويستفاد من تقارير صحافية أن الأميركيين يركزون في محادثاتهم مع السوريين على ثلاث نقاط رئيسية هي: بحث مشكلة تنقل مقاتلين وشحنات أسلحة وأموال من سورية إلى العراق. ثانيا: لجوء مصارف سورية لتوظيف أموال خاصة بجماعات تتهمها الولايات المتحدة بممارسة الإرهاب وكذلك رموز في حزب البعث العراقي. ثالثا: مدى استعداد دمشق للتعاون في جمع المعلومات عن نشاطات المقاومة العراقية والعمل مع الولايات المتحدة في الحرب المناهضة للإرهاب. العلاقة بين واشنطن ودمشق كانت على الدوام علاقة حب وكراهية. في الفترة الأخيرة اكتشفت الولايات المتحدة لبنان من جديد كساحة لتوسيع نزاعها مع سورية وتعلم أن لها مؤيدين داخل هذا البلد الذين يقفون في صفها بمواجهة سورية.

كان لبنان يحمل لقب سويسرا الشرق الأوسط نسبة لجمال طبيعة أراضيه. لكن هذا أصبح في عهدة الماضي. ففي الفترة من العام 1975 حتى العام 1990 تحاربت على أرضه أطراف كثيرة، جماعات دينية وقومية عملت جميعها في إغراق البلد المزدهر في حرب مدمرة. يسود هذا البلد اليوم هدوء حذر. وقد سعت الإدارة الأميركية كي يجري الحديث مجددا عن لبنان وهي تستخدم هذا البلد الصغير في المواجهة ضد سورية، البلد المناهض الوحيد في المنطقة للولايات المتحدة. وتحت ضغط من واشنطن طلبت الأمم المتحدة أكثر من مرة أن تسحب سورية قواتها من لبنان.

لكن حركة التشويش على سورية ليس مصدرها واشنطن فقط بل أيضا من البلد الذي فرضت سورية نفوذها عليه. بعد ساعات على صدور إعلان الأمم المتحدة استقالت حكومة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يوم الأربعاء الماضي. سبب آخر هو الخلاف الدائم بين الحريري والرئيس اللبناني إميل لحود المحسوب على سورية. في سبتمبر/أيلول الماضي ضغط السوريون لغرض تعديل الدستور وتمكين لحود من الحصول على تمديد لست سنوات. كان الحريري من مناهضي عملية التلاعب القانونية. رغبة منه أم لا، فإن خطوة الحريري باستقالة حكومته عززت قوة الحجة الأميركية وزادت الضغط على سورية.

مازال في لبنان أكثر من خمسة عشر ألف جندي سوري. في بداية انتشار الجيش السوري في لبنان كان الهدف ضمان السلام بعد نهاية الحرب الأهلية. وقد مضى على الوجود العسكري السوري في البلد الجار وقت طويل. لذلك فإن الأمم المتحدة تشير إلى حق قانوني حين تطالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان لأنه تجاوز المهلة المحددة. كذلك فإن إعلان الأمم المتحدة ليس خدمة لمصلحة أمن لبنان بقدر ما هو يخدم الحملة الأميركية المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد.

كانت سورية دائما مأخوذة بحلم ضم لبنان لأراضيها. وكان الفرنسيون الذين يؤيدون اليوم إعلان الأمم المتحدة ضد دمشق، هم الذين قاموا في العام 1920 وضد إرادة الشعب السوري باقتصاص أرض سورية صنعوا منها لبنان. على مدى التاريخ ظلت سورية تعتبر نفسها وصية على لبنان. لا يحدث شيء في لبنان على الصعيد السياسي أو الاقتصادي دون موافقة دمشق. وقد تحول هذا البلد في السنوات الأخيرة إلى سوق لرجال الأعمال السوريين وآلاف من العمال السوريين وأيضا بات ساحة للمخابرات السورية.

الوجود العسكري السوري في لبنان والذي تسعى الولايات المتحدة لوضع نهاية له، لا يمتاز بأهمية عسكرية. منذ العام 1976 حين اجتاح السوريون أراضي لبنان وساندوا قوات الكتائب إذ حالوا دون سقوط الموارنة أمام القوات التابعة لياسر عرفات، لم يدخل السوريون في نزاع مسلح مع أية جهة في لبنان. لكن المرء في دمشق يرى الوجود العسكري السوري في لبنان عبارة عن قوة تسهر على الأمن في هذا البلد ومن جهة أخرى تعوض سورية عن الخسارة التي تسبب بها التاريخ بوجود العلم السوري في لبنان علامة على موقفها بأن هذا البلد تابع لها. في كلمة ألقاها الرئيس السوري أمام جمع من المغتربين السوريين استغل الفرصة للرد على شكوى الغرب من وجود قوات سورية حتى اليوم في لبنان. سأل الأسد أين كان الغرب حين كان لبنان غارقا في حرب أهلية دامية طيلة الفترة من العام 1975 حتى العام 1990؟ وقال إن الجيش السوري دخل لبنان في العام 1976 لهدف حقن الدماء والحيلولة دون وقوع مذبحة ضد اللبنانيين المسيحيين وخشية أن ينتشر دمار كامل في هذا البلد.

لكن لن يصبح بوسع سورية التمسك بهذه الحجة لوقت طويل. فالضغط الأميركي يزداد واستقالة حكومة الحريري تكشف عن وجود معارضة متنامية داخل لبنان تجاه الهيمنة السورية. في السنوات الماضية زادت ثقة اللبنانيين بأنفسهم وغالبيتهم أنهكهم التعب من الوجود السوري. وهم لم يحصلوا على حرية التعبير عن رأيهم إذا يريدون بلدهم محميا من قبل سورية. استقالة الحريري عبارة عن تحذير لدمشق بأن صبر اللبنانيين شارف على النفاد

العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً