في البداية لم يكن من السهل على الأم أن تقوم بتطبيق الاتفاق الذي عقدته بينها وبين ابنتها رجاء... لكنها مع الإصرار والحزم... استطاعت هذه الأم أن تصل إلى هدفها وهو تطوير شخصية ابنتها بحيث تدرك مسئولية اختياراتها والالتزام بها... وهذا ما يجب أن يتبعه كل والدين حريصين على تحسين شخصيات أبنائهما.
إن التربية النفسية الصحيحة تحتاج من الآباء إلى الفهم والوضوح والحزم والإصرار في تعاملهم مع أبنائهم... وإلا فلن يفيد أي أسلوب تربوي في تطوير سلوكهم.
وكما توقعت أم رجاء بدأت بعض الصعوبات تظهر في البداية... قد يكون سبب ذلك رغبة رجاء في اختبار مدى جدية والدتها معها... أو لانها نسيت القيام بما وعدت به. تجاهلت الأم بعض الأمور الصغيرة... لكنها عندما وصلت إلى الاتفاق الرئيسي بينهما... وقفت الأم صامدة أمام توسلات ابنتها.. فماذا حدث؟
وصلت رجاء متأخرة عن موعد عودتها من بيت صديقتها ساعة واحدة.
سألتها الأم، وهي جادة: «أين التزامك بالوعد الذي بيننا؟»
ردت رجاء بخجل: «أنا آسفة يا أمي... لقد اضطررت إلى التأخر».
لكن الأم أصرت على موقفها «تستطيعين أن تذهبي إلى بيت صديقتك بعد ثلاثة أيام».
توسلت رجاء: «أرجوك يا أمي... سامحيني هذه المرة... لم أكن أقصد أن أعاندك... لن أعيد ما فعلت مرة أخرى».
إلا أن توسلات رجاء لم تفدها... فأمها لم تتجاوب معها على الإطلاق... ولم تستطع رجاء الذهاب إلى بيت صديقتها الا بعد ثلاثة أيام... بقيت في البيت... وطلبت من أمها أن تدعو صديقاتها... فوافقت الأم لأن ذلك كان ضمن الاتفاق الذي عقدته مع أمها... لكن الأم علقت قائلة: «ستفعلين ما اتفقنا عليه... أن تقمن بترتيب البيت قبل ذهابهن... هل أنت موافقة؟»
قالت الابنة: «نعم موافقة... هل أدعوهن؟»
أومأت أمها برأسها موافقة وقالت لنفسها «قد لا يعجبني أن تدعو ابنتي صديقاتها وهي معاقبة... لكن ذلك جزء من اتفاقنا... ومادامت ستحافظ على نظافة البيت وترتيبه قبل ذهاب صديقاتها... فهذا معناه أنها تحاول تطوير نفسها».
بعد أسبوع واحد... خالفت رجاء بنداً يتعلق بالوقت المخصص لمكالماتها الهاتفية... واستمرت تتكلم حتى الساعة السادسة والنصف... بينما الوقت المخصص لها هو من الساعة الرابعة إلى السادسة مساء»...
أشارت الأم إلى ساعتها لتنبه ابنتها... لكن ابنتها تجاهلت اشارة أمها وواصلت حديثها.
قالت الأم: «لقد تجاوزت وقتك نصف ساعة... اقفلي السماعة».
ردت رجاء: «أرجوك يا أمي سأقفل السماعة حالاً».
لكن حالاً هذه امتدت إلى نصف ساعة... فقررت الأم عقاب ابنتها لعدم التزامها بالوقت الذي اتفقا عليه من قبل.
قالت الأم: «أنت محرومة من استخدام الهاتف ثلاثة أيام».
احتجت الابنة مماطلة «لكن ذلك ظلم... لم أكن أقصد مخالفتك... سامحيني يا أمي هذه المرة».
ردت الأم بحزم: «الحدود التي وضعناها معاً لا مجال فيها للنقاش... هل هذا واضح لك».
حاولت رجاء فيما بعد أن تثني أمها عن قرارها إلا أن الأم ظلت صامدة مع ابنتها... واستمرت الأم على هذا الأسلوب الحازم في تطبيق بنود اتفاقاتها مع ابنتها لتعودها تحمل المسئولية نتائج أفعالها.
وبعد شهرين تعودت رجاء على قواعد البيت الجديدة... وكما يفعل كل الابناء المراهقين... كانت تحاول بين الحين والآخر أن تختبر مدى جدية أمها... لكنها عندما لاحظت إصرارها بدأت تتراجع وتعلمت أن تتحمل مسئولية حرية اختيار الحدود التي تناسبها... لقد كانت رجاء تتلقى من أمها أول دروسها في تعلم الالتزام بما قررت أن تقوم به... فتتعلم بذلك معنى الاحساس بالمسئولية بشأن نتائج أفعالها... كل ذلك بمساعدة وإرشاد والدتها.
إلا أن هناك بعض الآباء يفضل أن يمنح أبناءه حرية كاملة وعندما يسيء الأبناء استخدام هذه الحرية يبدأون في سحب بعض الصلاحيات المعطاة لهم لتأديبهم وردعهم وهو موضوع حلقتي للأسبوع المقبل
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ