مع انطلاق الدور التشريعي الثالث، يتضح «عقم» الآلية التي يعمل في ظلها مجلسا الشورى والنواب، في البعد التشريعي خصوصا، وكذا الرقابي.
وانتقد المشاركون في منتدى «الوسط» آلية عمل المجلسين، تعسف الحكومة في استخدام صلاحياتها المقررة لها في الدستور، وتحديداً استخدام المادة (92) التي تجيز لها تأخير القوانين بعد صوغها لدور أو دورين مع كونها لا تضيف لها إلا كلمات بسيطة لا تستدعي التأخير، وهذا هو السبب في ان البرلمان - بمجلسيه - لم يستطع اصدار قانون واحد من اقتراحه ونشره في الجريدة الرسمية، أي أنه بعد عامين من العمل التشريعي فإن عدد القوانين التي أصدرها المجلس هو «صفر»... واذا علمنا ان 80 عضوا برلمانيا وأمانتين (واحدة للشورى وأخرى للنواب) قد اجتمعوا لمدة عامين، وصرفت الدولة على الاعضاء والموظفين في الامانتين أكثر من 12 مليون دينار من الرواتب، بالاضافة الى كُلف عالية جدا وجهود مضنية، وكل ذلك لم ينتج عنه صدور حتى قانون واحد، نعلم مقدار الاحباط الذي ينتاب المراقبين والمؤيدين للمشروع الاصلاحي والمشاركين فيه على السوية.
وفيما لم يحدد المشاركون ما إذا كان الخلل في النصوص الدستورية أم تعسف السلطة، فإنهم اعتبروا أن العملية التشريعية في المجلس الوطني طويلة ومعقدة، وربما تستغرق سنوات عدة حتى يخرج قانون واحد إلى النور، ولكنهم دعوا إلى مراكمة العمل النيابي معتبرين الحياة النيابية والدستورية أفضل من قانون أمن الدولة وتجميد الدستور، مع تأكيدهم أن العمل البرلماني صعب، وأن التغيير من خلاله صعب أيضاً.
ولم ينس بعض المنتدين أن يلقوا باللوم على نوعية عدد كبير من النواب الحاليين، معتبرين أن انقسام المجتمع إلى مشاركين ومقاطعين أفرز برلماناً ضعيفاً ونواباً لا يمتلكون الخبرة الكافية ولا المكانة السياسية والاجتماعية التي تمكنهم من التأثير، وأن حصيلة التجربة النيابية وفق هذه التشكيلة غير مرضية، قياساً إلى الطموحات التي كانت معلقة على المجلس الوطني.
الوسط - سلمان عبدالحسين
انتقد المشاركون في منتدى «الوسط» عن آلية عمل المجلسين تعسف الحكومة في استخدام صلاحياتها المقررة لها في الدستور، وتحديدا استخدام المادة (92) التي تجيز لها تأخير القوانين بعد صوغها لدور أو دورين مع كونها لا تضيف لها إلا كلمات بسيطة لا تستدعي التأخير، وهذا هو السبب في ان البرلمان، بمجلسيه، لم يستطع اصدار ولا قانون واحد ونشره في الجريدة الرسمية، بمعنى ان يكون القانون من اقتراحه اساسا ويمرر ثم ينشر. بعد عامين فان العدد هو «صفر»... واذا علمنا ان 80 عضوا برلمانيا وأمانتين (واحدة للشورى وأخرى للنواب)قد اجتمعوا لمدة عامين، وصرفت الدولة على الاعضاء والموظفين في الامانتين أكثر من 12 مليون دينار من المعاشات(خلال عامين) بالاضافة الى تكاليف عالية جدا وجهود مضنية، وان كل ذلك لم ينتج عنه حتى قانون واحد يصدر في الجريدة الرسمية، نعلم مقدار الاحباط الذي ينتاب المراقبين والمحبين للمشروع الاصلاحي والمشاركين فيه.
وفيما لم يحدد المشاركون ما إذا كان الخلل في النصوص الدستورية أم تعسف السلطة، فإنهم اعتبروا أن العملية التشريعية في المجلس الوطني طويلة ومعقدة، وربما تستغرق سنوات عدة حتى يخرج قانون واحد إلى النور، لكنهم دعوا إلى مراكمة العمل النيابي معتبرين الحياة النيابية والدستورية أفضل من قانون أمن الدولة وتجميد الدستور، مع تأكيدهم أن العمل البرلماني صعب، وأن التغيير من خلاله صعب أيضا.
ولم ينس بعض المنتدين أن يلقوا باللوم على نوعية النواب الحاليين، معتبرين أن انقسام المجتمع إلى مشاركين ومقاطعين أفرز برلمانا ضعيفاً ونواباً لا يمتلكون الخبرة الكافية ولا المكانة السياسية والاجتماعية التي تمكنهم من التأثير، وأن حصيلة التجربة النيابية وفق هذه التشكيلة غير مرضية.
هذا، وشارك في المنتدى كل من رئيس اللجنة التشريعية في مجلس النواب النائب حمد المهندي، وعضو مجلس الشورى إبراهيم بشمي، ورئيس جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي حسن مدن.
كيف ترى تدخل الحكومة في صوغ قوانين مجلسي الشورى والنواب؟ هل هو عامل معيق لعمل المجلسين أم عامل مساعد؟
- إبراهيم بشمي: الخلاف الحاصل على المادة (92) الفقرة (أ) من الدستور، التي تقول «ان لـ 15 عضواً من مجلس الشورى أو مجلس النواب حق طلب اقتراح تعديل الدستور، ولأي من أعضاء المجلسين حق اقتراح القوانين، ويحال كل اقتراح إلى اللجنة المختصة في المجلس الذي قُدِّم فيه الاقتراح لإبداء الرأي، فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح، أحاله إلى الحكومة لوضعه صيغة مشروع تعديل للدستور أو مشروع قانون، وتقديمه إلى مجلس النواب في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها».
المذكرة التفسيرية للدستور، أعطت شرحا للجزء الأول من الفقرة (أ)، بمعنى: لماذا حدد حق النواب في اقتراح تعديل الدستور واقتراح القوانين، ولم يتطرق إلى الدورة نفسها أو الدورة التي تليها، ولنكمل الصورة في نقاشنا هذا، فإن المادة (32) من الدستور في الباب الرابع (الأحكام العامة) الفقرة (أ)، تقول «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفق أحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، إنما يجوز التفويض التشريعي ...».
كيف يمكن القبول بالتضارب بين مادة دستورية وأخرى، إذ يبدو أن المادة (92) مادة إجرائية، في حين تقع المادة (32) في باب الأحكام العامة؟
- إبراهيم بشمي: المادة (92) مادة موجودة في الدستور، أما كلامنا، فعن كيفية تشكُّل العائق الدستوري أمام المجلسين في أدائهما لدورهما التشريعي، فالحكومة مع وجود نص المادة (92) لوحده مع عدم الإشارة لنص المادة (32) يمكن أن تتعسف في استعمال هذا الحق، وتدفع بالقوانين التي تريدها بالسرعة المطلوبة، والتي لا تريدها: يمكنها تعطيلها استثمارا لهذا النص، ما يؤدي إلى التعسف في استعمال النصوص، فالنص الموجود يشوبه بعض القصور، إذ انه يعطي السلطة التنفيذية قدرة تعطيل القوانين، وسيتعمق هذا التعسف في حال ساءت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ونحن نعول على المادة (32) التي تؤكد عدم جواز تنازل السلطات عن بعض أو كل اختصاصاتها إلى الأخرى، فلو ملك المجلس التشريعي لجنة تشريعية خاصة به لصوغ القوانين، فسيحال إلى هذه اللجنة التي سيكون دورها فنيا، ثم يقدم إلى المجلس لتجاوز هذه الإشكالية.
نقطة مهمة أخرى: أنا أقول اننا لا نزال في بداية التجربة الديمقراطية، ومن خلال هذه التجربة، نكتشف معوقات التجربة نفسها، سواء كانت في العملية التشريعية أو في النصوص التي نتعامل معها، كما نكتشف السلبيات والإيجابيات في التعاون بين السلطات الثلاث عبر التعامل اليومي، ومن المفترض أن تكون السلطة التنفيذية بما تملك من تجربة وأجهزة ومستشارين القدوة لهذا التعاون، وألا تضع معوقات عبر التمسك ببعض النصوص في تعاملها مع السلطة التشريعية.
النائب حمد المهندي ... أنت في اللجنة التشريعية على مدى ثلاثة أدوار، وأنت الآن رئيسها، كيف ترى تعاون السلطة التنفيذية مع البرلمان والمقترحات بقوانين وبرغبات؟ فالبعض يقول: ان الحكومة تحتفظ بالقوانين إلى دور أو دورين، في حين أنها تغير كلمة أو مادة واحدة فقط من القانون، هل هذا تعسف في استعمال الحق، أم حق لا يجب منعه؟
- حمد المهندي: ما دمنا رضينا بالعمل من خلال الدستور وميثاق العمل الوطني، فلابد لنا أن نلتزم بالنصوص الموجودة، فالنصوص تلزمنا، ونص المادة (92) معيق جدا، وهو نص يعطي الحق للسلطة التنفيذية في أن تصوغ القوانين في الدورة التي سيسلم فيها القانون أو في الدورة التي تليها، وكل سلطة لها مصالحها الخاصة، فإذا رأت أن من مصلحتها تأخير القانون فستؤخره، لا أحد يستطيع أن يعيب عليها ذلك، لأن الدستور أعطاها هذا الحق.
أما عن وجود تعسف في إرجاء القوانين لدور أو دورين، فهناك تعسف من جانب السلطة التنفيذية في ذلك، مع أنها تغير مادة أو مادتين، فإنها لا تعيدها إلى المجلس إلا بعد دورين، وكان بإمكانها إرجاع القانون في ظرف شهر واحد فقط، لكنها لم تفعل، ومع تنبيهنا لها بضرورة إرجاع القوانين، وعدونا بإرجاع المقترحات بقوانين لتصبح مشروعات قوانين، والآن في الدور الثالث:أعادت لنا كل المشروعات الموجودة عندها.
إضافة إلى ذلك، حتى لو عادت هذه المقترحات بقوانين وأصبحت مشروعات، فهناك إجراءات طويلة، يمكن من خلالها أن تعيق السلطة عملنا في المجلس النيابي إذا أرادت.
ما هي الإجراءات المعيقة؟
- ما سنقوله ليس بجديد، فقد كتب في كل الصحف وأشبع كلاما، وحتى في لقائنا الحالي، أحس أننا نجتر كلاما تكلمنا فيه وانتهينا منه، ولا مانع من إعادة الكلام مرة ثانية وثالثة، ولكن الحل هو الدخول في اللعبة الديمقراطية والتغيير من الداخل، فالعمل البرلماني صعب، والتغيير من داخله صعب جدا، وبالنظر إلى المعوقات مرة أخرى، فإن هذه المعوقات لها أسبابها، ومن هذه الأسباب نوعية النواب الموجودين حاليا، فهل هم بقدر العمل البرلماني وصعوباته؟ فإذا كان مقترح يقدمه أحد النواب يتم تداوله في اللجان المختصة لدورتين أو ثلاث، إذ ان بعض القوانين موجودة في هذه اللجان حتى هذا الدور (الدور الثالث) ولم تذهب إلى المجلس ولا إلى مجلس الشورى فضلا عن كونها لم ترفع إلى الحكومة، وبالتالي: فهؤلاء النواب يزيدون من تعقيد العمل البرلماني والتشريعي، ما يعني أن المعوق من المجلس نفسه.
أما السبب الثاني: فهو آلية تدوير القوانين الطويلة والمعقدة، فالقانون يستغرق في اللجنة دورة أو دورتين، ثم يرفع إلى المجلس ليدرج على جدول أعماله، فإن وافق عليه المجلس، رفعه إلى الحكومة ليمكث عندها دورين أيضا، ثم يرجع مرة أخرى إلى اللجان، وقد يجمد في اللجنة دورا واحدا على الأقل، ثم يرفع إلى مجلس الشورى، ومجلس الشورى بالتأكيد لديهم تمحيص غريب عجيب في القوانين، إذ سيمكث عندهم في لجانهم سنة وسنتين، فإذا ما اختلفوا معنا في بعض حيثيات القانون، أرجعوه لنا، لنحيله إلى اللجان المختصة مرة أخرى، التي ستمحص فيه مرة أخرى، وتحيله إلى المجلس النيابي، الذي يحتاج إلى وقت ليضعه على جدول الأعمال، ثم يحال مرة أخرى إلى مجلس الشورى إذا وافق مجلس النواب على تعديلات مجلس الشورى، ثم يرد إلى مجلس الشورى ولجانه للتمحيص فيه، كل هذه العملية تأخذ ست سنوات فما فوق، فإذا ما اختلف المجلسان، يجتمعان بعد أسبوعين للتصويت عليه، فإذا ما صوتوا عليه بصياغة معينة، ربما لا تكون في صالح الناس لا تلبي طموحاتهم، يتم رفعه إلى جلالة الملك، وتكون للملك فترة 6 أشهر لإصداره، فإذا رأى إعادته، يعاد إلى المجلس ليدخل في نفق الآلية المعقدة نفسها، إذ يمكن أن ينظر المجلس للمقترح في هذا الدور أو الدور الذي يليه، وربما يأتي هذا القانون الذي تعب عليه النواب والشورويون، بوجه مغاير لينسف الجهود كلها، فالعملية التشريعية طويلة جدا في البحرين.
حسن مدن ... أنت رئيس جمعية سياسية مشاركة ولها أعضاء في البرلمان، وهم فاعلون في مختلف اللجان، وقدموا مقترحات عدة، كيف تقيمون عمل المجلس الوطني ككل، والمجلس النيابي تحديدا، في ظل دوري الانعقاد الماضيين، والدور الثالث الذي هو بدايته؟ وكيف تقيمون التجربة ككل، هل بالإمكان مواصلتها وفق آليتها الحالية، سواء التشريعية أو الرقابية؟
- حسن مدن: دعني أقدم مقدمة ضرورية: حينما نقيم تجربة المجلس الحالية، يجب ألا نسقط من اعتبارنا أن التجربة البرلمانية الحالية تأتي بعد انقطاع عمره 30 سنة، عاشت فيها البلاد ظروفاً صعبة غاية في القسوة، وتقييمنا أن التجربة الجديدة فيها الكثير من النواقص والثغرات، ولا تلبي الطموحات المنشودة، وأقل في الكثير من جوانبها مما كنا نتطلع إليه، ولكنني أعتقد أن البلد بمجلس وطني، وبحياة برلمانية ودستورية مهما كانت المآخذ عليها أفضل بكثير من بلد يجمد فيها الدستور، ويسود فيها منطق قانون أمن الدولة، لننطلق من هذه المقدمة، وأتمنى أن يثبت هذا الرأي.
عندما نقيم أداء مجلس النواب بشكل خاص، وأنا هنا أحب عن أتكلم عن مجلس النواب وليس مجلس الشورى، فأعتقد أن أداءه في الإجمال أداء غير مرض، فالثغرات في أدائه كثيرة، ولكن ينبغي أن نكتفي بهذا الحكم، ونغفل أسباب سوء أداء مجلس النواب. فمن أسباب سوء الأداء: الظروف التي تشكل فيها مجلس النواب في ظل الانقسام الحاصل في المجتمع بين مشارك ومقاطع، فهذا المجلس حصيلة وضع إشكالي في البلد، وليس حصيلة وضع طبيعي، وقد جاء هذا المجلس على هذه الخلفية، وبالتالي فقد حمل خصائص ونتائج هذه المرحلة.
ثانيا: الكثير من الوجوه والشخصيات ذات التأثير والوزن التي كان بإمكانها أن تكون داخل المجلس أصبحت خارجه، ويجب ألا نغفل هذا الجانب، إذ ان الوجوه التي جاءت إلى المجلس هي وجوه لا تملك الخبرة ولا الرصيد السياسي ولا المكانة الاجتماعية الكافية، وقد انعكس هذا على أداء المجلس.
ثالثا: انعدام خبرة أعضاء مجلس النواب، فلا يجب أن ننسى أن الحياة السياسية في البلد مجمدة منذ ثلاثين سنة، وهذا الجيل الجديد من النواب ليس له أية خبرة سياسية ونيابية سابقة.
رابعا: هناك عامل مهم يجب التوقف أمامه، وهو أن السلطة التنفيذية لعبت دورا مهما وسلبيا في إضعاف المجلس، ولم تتعاون مع هذا المجلس.
(...يتبع)
الوسط - عباس بوصفوان
مع انطلاق الدور التشريعي الثالث، يتضح «عقم» الآلية التي يشتغل في ظلها مجلسا الشورى والنواب، في البعد التشريعي خصوصا، وكذا الرقابي. إذ بعد مضي نحو عامين من العمل البرلماني، الذي انطلق في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002، فإن تقارير المجلسين التي صدرت بمناسبة تدشين الدور التشريعي الثالث في التاسع من الشهر الجاري، تفيد بأن الانجاز التشريعي للمجلسين يساوي صفرا، إذ لم ير أي مقترح بقانون قدمه الأعضاء المنتخبون أو المعينون النور، وهو ما يتأكد من مراجعة أعداد «الجريدة الرسمية» التي تنشر مضابط الجلسات، والقوانين التي يصدقها جلالة الملك. في حين أصدرت السلطات التنفيذية - حين كانت تمسك بزمام العمل التشريعي «رسميا» - نحو 56 مرسوما بقانون خلال «الفترة الانتقالية» الممتدة من صدور الدستور «المعدل» في 14 فبراير/ شباط 2002، إلى غاية إجراء الانتخابات النيابية في 16 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه.
يأتي ذلك بعد أن عقد المجلسان أكثر من مئة جلسة، عامة واستثنائية، وعشرات من اجتماعات اللجان الخمس الدائمة في كل مجلس، فضلا عن طاقم كبير من الموظفين في الأمانتين العامتين، يكلفان ملايين الدنانير، ووزارة خاصة بالشورى والنواب، وانشغال الوزراء والوكلاء والمستشارين الملزمين بحضور لجان المجلسين وجلساته العامة، إضافة إلى كلفة باهظة يكلفها ثمانون عضوا في المجلسين (3200 دينار كل شهر للعضو الواحد) على مدى العشرين شهرا الماضية، تجاوزت خمسة ملايين دينار، كلها أفضت إلى لا شيء على الصعيد التشريعي، من الباب المتعلق بالمبادرة الصادرة من المؤسسة التشريعية.
معلوم أن القوانين الصادرة من المؤسسة التشريعية، والتي يشترط أن يصدقها الملك كي تكون نافذة، إما أن تكون، في الأصل، مشروع بقانون (مسودة القانون التي تبادر السلطة التنفيذية بتقديمها إلى مجلس النواب)، أو مقترح بقانون (مسودة القانون التي يقترحها أحد الأعضاء الثمانين في المجلسين)، وقد صدرت عدة قوانين من المشروعات التي قدمتها الحكومة، بيد أن أيا من المقترحات التي قدمها أعضاء المجلسين، لم تصدر في صورة قانون، بل إن طريقا طويلة تنتظرها، كي تجد الإصدار الرسمي.
وعلى رغم أن أسبابا كثرا يمكن أن يرجع إليها تلاشي الانجاز التشريعي، مثل اختلال تركيبة المجلسين، وضعف عدد من أعضائهما، بما في ذلك الشخصيات التي عُينت، والتي يفترض أن يكون «التحكم» في اختيارها أكثر من السيطرة على الشخص المنتخب، وخصوصا في ظل مقاطعة تيارات فاعلة للانتخابات النيابية الماضية، فإن متابعي المشهد النيابي يعتبرون أن أبرز الأسباب التي تجعل الانجاز التشريعي صفرا، يعود إلى التعاطي الحكومي «المتشدد» في فهم المادة (92) من الدستور، التي تنص في فقرتها (أ)، على أن لكل «خمسة عشـر عضـوا من مجلس الشورى أو مجلس النواب حـق طلب اقتراح تعـديل الدستور، ولأي من أعضـاء المجلسين حق اقتراح القوانين، ويحـال كـل اقتـراح إلى اللجنـة المختصة في المجلس الذي قدم فيه الاقتراح لإبداء الرأي، فإذا رأى المجلـس قبول الاقتراح أحالـه إلى الحكومة لوضعـه في صيغة مشروع تعديل للدستور أو مشروع قانون وتقديمـه إلى مجلس النواب في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها».
ويثور الإشكال، بشأن الفقرة الأخير من النص أعلاه، والذي يعطي الحكومة الحق في الاحتفاظ بمقترحات القوانين لدورين كاملين، تحت مسوغ «إعادة صوغ القانون».
وفي ظل ما يسميه متابعون - «سوء التعامل» الحكومي في تفسير المادة، فإن السلطات الرسمية احتفظت بمقترحات القوانين «القليلة»، أصلا، التي أحيلت من المجلسين لشهور طويلة.
إذ رفع مجلس النواب في الدور الأول، ستة مقترحات بقوانين، كما رفع مجلس الشورى خمسة مقترحات بقوانين، لكن الحكومة، في ظل تعاطيها بـ «سوء تعامل» مع الحق المتاح لها، احتفظت بالقوانين إلى «المدة القصوى»، وقدمتها في نهاية الدور الماضي «مضطرة»، ما يجعل «مشروعات القوانين» هذه (حين يحال المقترح المقدم من النواب أو الشورى إلى الحكومة، وتعيده مصاغا، يسمى مشروعاً بقانون) في بداية السلم التشريعي، وينتظرها دورتين كاملتين في النواب والشورى، في أقل تقدير.
في الدور التشريعي الثاني الذي انتهى في يونيو/ حزيران الماضي، أحال مجلس النواب 16 مقترحا بقانون، ومجلس الشورى تسعة مقترحات، إلى الحكومة لتضعها في صيغة مشروعات بقوانين، التزاما بنص المادة 92 من الدستور، لكن الغالبية العظمى من هذه المقترحات لم ترجعها الحكومة، باستثناء ستة مشروعات، أبرزها مشروع بقانون الجمعيات السياسية المثير للجدل، وثلاثة مشروعات أخرى تتعدل بتعديلات على مواد في اللائحة الداخلية.
وقد أحال مجلس النواب في جلسته الأسبوع الماضي اثنين من مشروعات القوانين التي أعادتها إليه الحكومة بعد طول انتظار أحدهما عن صندوق النفقة والثاني عن تحديد أراض للأوقاف، ما يعني أنه بعد نحو عشرين شهراً، للتو بدأت العجلة تسير ببطء وينتظر هذين المشروعين الكثير من العمل في مجلس الشورى،وإذا صدرا خلال الدور التشريعي هذا فإن ذلك يعني أن التشريع المقترح من المجلسين يحتاج إلى نحو ثلاثة أدوار كي يرى النور، ويتساءل البعض كيف تسمى في هذه الحالة مؤسسة تشريعية عدا عن المدة الكبيرة في الاحتفاظ بالقوانين، فإن التفسير سيء التعامل من طرف السلطات الرسمية للمادة 92 يمتد ليشمل مفهوم «إعادة صوغ القانون»، إذ تفهمه الحكومة على أنه يعطيها الحق في إجراء أية تعديلات على المقترحات المرفوعة من المجلسين، بدعوى «تطابقها مع الدستور»، أو أي دعوى أخرى، وهو أمر طالما أثار خلافا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لعل أكثرها حدة تلك المتعلقة بتدخل السلطة التنفيذية في حذف وإضافة بعض المواد على مقترح لتعديل اللائحة الداخلية للنواب.
ويرى متابعون أن التفسير الحكومي، يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويجعل مجلس الوزراء شريكا في التشريع، وهو حال شبيه بالفترة غير الدستورية التي عاشتها البلاد بعد حل المجلس المنتخب في العام 1975، وهو ما يتناقض مع روح المواد الدستورية التي تنص على الفصل بين السلطات، وعدم جواز تنازل أي منها عن سلطاتها للسلطة الأخرى.
هذا، وترفض الحكومة تقديم أسباب لتأخيرها إعادة القوانين، وترى أن ما تقوم به منسجماً والدستور، فيما ينصح مراقبون النواب والشورى بوضع مادة في اللائحة الداخلية تحدد وقتا معلوما لعودة القوانين، كما فعلت الحكومة حين حددت عدد الأسئلة التي يحق للأعضاء سؤالها للوزراء، خصوصا في ظل عدم القدرة على وضع أعراف تقلل من مماطلة الحكومة في إعادة القوانين.
وبحسب أنباء سابقة، فإن تغييرات تمت في اللجنة الوزارية لشئون مجلس الشورى والنواب، تم بموجبها تعيين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بدلاً من وزير شئون مجلس الوزراء محمد المطوع، في أعقاب المشادة بين مجلس النواب والمطوع، بعد الخلاف على تدخل دائرة الشئون القانونية التي تتبعه، في صوغ اللائحة الداخلية لمجلس النواب. كما صدر في حينها توجيه ملكي يدعو إلى تحويل دائرة الشئون القانونية إلى «جهة مستقلة» تتبع إداريا وزارة العدل، بيد أن الشكوك مازالت قائمة في جوهر هذا الاستقلال، ما يجعل بعض النواب يطالبون بأن يكون للمجلسين جهة لصوغ القوانين، ترفع يد الحكومة عن التشريع.
إلى ذلك، فإن أحد الأمور التي تبطئ من العمل التشريعي، تتعلق بطبيعة آلية عمل المجلسين. إذ يدخل المشروع دورة كاملة في كل مجلس، تبدأ بمكتب النواب، ثم إحدى لجان المجلس أو أكثر، والتي تقوم بدورها بلقاء الجهات الرسمية، لإعداد تقرير، واقتراح صوغ المواد، ويلي ذلك التصويت العلني على المشروع في جلسة عامة، وهي الآلية التي تتكرر في مجلس الشورى المعين. وإذا حدث أن أجرى الشورى تعديلات على مقترحات النواب، فسيعود المشروع إلى النواب مرة ثانية، ثم الشورى، وقد يحدث أن يلتقي المجلسان في جلسة عامة، تحت مسمى المجلس الوطني.
إن هذه الآلية «العقيمة»، فضلا عن بحث النواب عما يرفع أسهمهم، يجعل كثير منهم غير عابئ بالتشريع، ملتفتا إلى الأسئلة ولجان التحقيق، التي هي مهمة أيضا، عله يتمكن من أن يقول لناخبيه إنه أنجز شيئا.
ويقول متابعون أن إقناع الحكومة جهات سياسية مقاطعة بالمشاركة في الانتخابات النيابية في العام 2006 المقبلة، في ظل هذا الانجاز، لن تكون سهلة
العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ