«رجل كألف و ألف كرجل»... هذا الوصف ينطبق تماما على شخصية الحاج حسن التي اختزلت آلاف الرجال في شخصها؛ إذ كان المرحوم يشكل شخصية فذة، لا يعرفها إلا من يعايشه عن قرب ؛ لان هذا الرجل يمتلك مواهب وقدرات ، وأفكار متميزة ومستنيرة.
لقد كانت هذه الشخصية كبيرة في معانيها، وعظيمة في قيمها ومبادئها، وبارزة في معطياتها، وعريقة في تاريخها، ومن خلال تسليط الضوء على شخصية العالي، أود أن احلل هذه الشخصية في ثلاث جوانب رئيسية:
1- شخصيته الحقيقية: لقد كان المرحوم يمتاز بقوة الشخصية، وسرعة البديهة، وحسن الخلق، والكرم والتواضع، وحب الفكاهة وكثرة الطموح، والجد والحزم في العمل، وساعيا لقضاء حوائج الإخوان، لا يعرف معنى للفشل والكلل حتى آخر يوم من حياته.
2- شخصيته التجارية: كان الحاج حسن يمثل مدرسة في الحياة التجارية، وقد طبع بصماته على صفحات الحياة التجارية في البحرين ، من خلال مسيرته التجارية العريقة، التي ساهمت و بشكل فعال في تنمية الموارد الاقتصادية ، ومواكبة تطوير الحياة التجارية في البلاد، وخلق فرص العمل اللائق والشريف لأبناء الوطن، وتنفيذ العديد من المشاريع التنموية والإسكانية التي لها المردود الاقتصادي الكبير.
3- شخصيته الدينية: لقد كان المرحوم العالي يذوب في حب أهل البيت (ع) ، ويعد من البكاءين المتميزين في مأتم أبي عبد الله الحسين (ع) ، كما بدل من أمواله الكثير في بناء وتشييد المساجد والمآتم ، وخصص لها المشاريع الوقفية على مدى الحياة، واهتم بإخراج كل الحقوق الشرعية التي على عاتقه من خمس وزكاة والتي تقدر بالملايين، قد صرف كل هذه الحقوق الشرعية في اوجه البر والخير والإحسان، وبالأخص في بناء مساكن للضعفاء والمحتاجين، وتشجيع الطلبة على مواصلة الدراسة الجامعية، وقد ساهمت هذه الفكرة في الإسهام بخلق فرص عمل للدارسين. وكان ملتزما بأداء صلاة الجماعة في جميع أوقاتها على رغم تقدمه في السن وتردي حالته الصحية.كما لا يفوتني أن أشيد بتواضع هذه الشخصية التي كان تتحلى بهذه الخصلة، على رغم عوامل الإغراء الكثيرة التي تمتلكها من جاه وثروة.
وأنا بصفتي ابن القرية (عالي)، فقد عايشت المرحوم العالي في صلاة الجماعة في المساجد، كما كنت أحد رواد مجلسه الأسبوعي، وكذلك من خلال مناسبات القرية المختلفة؛ إذ كان المرحوم حريصا على حضورها ومشاركة أبناء القرية في أفراحهم وأحزانهم.
وعلى رغم قلة إلمامه بالقراءة والكتابة، فإنه كان يمتلك مواهب وقدرات قل ما تجدها في رجل أمي، كما انه استطاع أن يخلق أبناء دارسين ومؤهلين على مستوى عال من الثقافة.
لقد كان الحاج حسن يتحدث معنا في معظم جلساته عن تجربته القاسية في الحياة، وكان يعتز بحياته البدائية، وبتلك الأعمال التي مارسها بدءا من نقل البضائع على الحمير، مرورا بالزراعة، وليس انتهاء بجلب (النورة)، بل كان على الدوام فخورا بممارستها، وكان مصرا على الكفاح والعمل الشاق لجلب الرزق لوالديه.
وعلى صعيد المساعدات التي قدمها لأبناء القرية فهي كثيرة، وسأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أننا في العام 1988 م تقدمنا إليه بطلب من مجموعة من أبناء القرية، بحاجة إلى قسائم سكنية في المنطقة، وبالفعل تحرك العالي سريعا لمخاطبة المسئولين في وزارة الإسكان، وعمل بجد في هذا الموضوع، وبالتالي نجح في تخصيص أكثر من 100 قسيمة سكنية لأهالي المنطقة يقطنها المئات من أبناء القرية، والفضل يرجع بعد الله سبحانه وتعالى إلى جهود الفقيد.
كما اذكر أن جميع جلسات المرحوم تمتزج بالطرافة والفكاهة، ويمتاز بخفة الظل ، والأسلوب الشيق الذي يجذب الكبير قبل الصغير.
وارى أن من الواجب أن نخلد ذكرى هذا الفقيد على مستوى قريته أولا ، وخصوصا مجلسه الأسبوعي، الذي نتمنى من أبناءه الأعزاء أن يستمروا في عقد هذا المجلس ، أما على مستوى البحرين فأؤكد أن من الضرورة بمكان حفظ هذه الشخصية في أرشيف الإنجازات التي حفل بها تاريخ البحرين
العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ