بدأ دور الانعقاد الثالث للمجلس الوطني، وبدأ الجميع في مراقبة أدائه مرة أخرى أملاً في أن يحقق جزءاً ولو يسيراً من مطالبهم الجمّة. وبعيداً عن مزايدات الجمعيات السياسية المقاطعة، والقوى السياسية الأخرى التي لم تبرأ في اتهام النواب بالتقصير في أداء مهماتهم الوطنية فإنه يمكن القول إن هناك دروساً كثيرة وعبراً أكثر بالإمكان ملاحظتها وتدبرها بعد تفحص أداء المجلس طوال الفترة الماضية.
وهذه الدروس والعبر يمكن استنتاجها عن طريق جملة من الأسئلة، أولها: لماذا تختلف أولويات النواب في كل دور انعقاد؟ وأين موقع الأولويات من البرامج الانتخابية للنواب عندما كانوا مواطنين عاديين ترشحوا أمام الشعب الذي انتخبهم لاحقاً في ضوء هذه البرامج؟ وهل السلوك والتفاعل السياسي الذي يقوم به النواب الذين انقسموا إلى كتل برلمانية لا يفهم الشارع العام تفاصيلها وخلفياتها يعبّر عن البرامج الانتخابية أم مشروعات ومصالح الجمعيات السياسية التي تقف وراء معظم الكتل؟ وهل تستمر حال القطيعة بين النواب والقواعد الانتخابية إلى دور الانعقاد الرابع والأخير من الفصل التشريعي الأول؟
منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام 2002 طرحت هذه الأسئلة، وحاولت جاهداً البحث عن إجابات مقنعة لها، ولكنني لم أجد، ومع بداية دور الانعقاد الثاني أيضاً توقعت أن أجد إجابات واضحة على الأقل، فلم أجد مرة أخرى. ولا أتوقع أن أجد في هذا الدور إجابات ولو بسيطة على الأقل.
وهناك سؤال مهم للغاية بإمكان كل نائب أن يسأل نفسه: ماذا حقق من برنامجه الانتخابي؟ وأعتقد أن إجابات كثيرة ستكون متقدمة، إذ سيجيب النواب بأنهم حقّقوا الكثير من برامجهم الانتخابية في ضوء المتاح لهم، وآخرون سيجدون أنفسهم حيارى أمام كتيبات أو كتب ملئت طموحات وأحلاماً قدموها في طبعة فاخرة إلى ناخبيهم، وكانت النتيجة أنهم وقعوا في مسئولية جسيمة كانت فوق طاقات الكثير منهم.
طبعاً هناك أسباب كثيرة معوقة لأداء عمل مجلس النواب مثل الصلاحيات الدستورية وأنظمة اللائحة الداخلية، والعلاقة مع الحكومة، ودور الجمعيات السياسية ووسائل الإعلام. إلا أنه في النهاية ستكون المسئولية الأكبر ملقاة على عاتق النواب أنفسهم الذين أثبت كثير منهم خلال عملهم البرلماني أنهم لم يكونوا نواباً للوطن، وإنما أصبحوا نواباً لجمعيات أو طوائف أو لفكر إسلامي ضيّق أو نواباً لمصالح ذاتية لا أكثر. ويمكن البرهنة على ذلك بسهولة ويسر في طريقة تعامل النواب مع المقترحات بقوانين وبرغبات، فكثير من موضوعاتها تعنى في أحايين عدة بطائفة معينة أو منطقة محددة أو نهج ديني معروف، من دون النظر في مصلحة الوطن. وليس هذا فحسب بل نجد أن النواب يكثرون الحديث لوسائل الإعلام ويقدمون مقترحاتهم لها قبل أن يقدّموها رسمياً إلى رئاسة مجلس النواب.
في النهاية، فإن هناك دروساً وعبراً كثيرة، على النواب أن يستوعبوها قبل أن يأتي دور الانعقاد الرابع والأخير، والذي سيشهد تنافساً محموماً على تحسين الصورة، والقيام بحملات للعلاقات العامة من أجل حفظ ما تبقى من السمعة والكفاءة والمكانة من أجل نيل مقعد نيابي في برلمان 2006
العدد 775 - الثلثاء 19 أكتوبر 2004م الموافق 05 رمضان 1425هـ