العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ

ساعدوهم ولكن احفظوا كرامتهم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اعتاد أهل البحرين على تنظيم فعاليات الزواج الجماعي في موسم الصيف، تزامناً مع انتهاء الموسم الدراسي وتخرّج الفتيات واستعداد الشبان لهذه الخطوة. وكان للصناديق الخيرية والهيئات الاسلامية النشطة من الطائفتين مبادراتٌ محمودةٌ في هذا الطريق، من أجل تخفيف الأعباء والتكاليف في مفتتح الحياة الزوجية لهؤلاء. وكان سرّ نجاح هذه الفكرة الرائدة توافقها مع المجتمع ومراعاتها الحدود المتعارف عليها، من حيث التوفيق بين المساعدة المباشرة وغير المباشرة للشباب. وهي المعادلة التي شجّعت بعض الشباب من غير الأسر المحتاجة على المشاركة في هذه الفعاليات الاجتماعية، وبذلك تم كسر الحاجز النفسي المتمثل في اعتبار المشاركين انما هم من الفقراء فقط، وان ما يجري بمثابة صدقة، وهو أمرٌ لا يقبله الكثيرون. من هنا طالبت بعض الأصوات العاملة في الساحة بالاهتمام بتيسير الزواج على الشباب بتسهيل إجراءاته وتقليص مصاريفه، أكثر من جمع «التبرعات» لإعطائها المتزوجين، فالمفترض منطقياً، ألاّ يشارك شخصٌ وهو غير متمكن من تسيير البيت الجديد الذي سيفتتحه مادياً لينتهي بعد أقل من عام واحد بالطلاق. لذلك ترفض بعض الجهات المنظمة مشاركة العاطلين عن العمل.

غالبية الصناديق الخيرية التي نجحت في تنظيم هذه الفعاليات الجميلة، إذا بحثتم عن سرّ نجاحها فستكتشفون تلك المعادلة الموفّقة بين ما يدفعه المشارك وبين ما تجمعه الصناديق من المتبرعين أو المعلنين أو «رعاة الحفل»، والطرف الثاني في كثير من الأحيان يضع في اعتباره مسألة «التسويق» في فعالية جماعية تستقطب الآلاف. فهي أقرب إلى المصلحة المتبادلة المحفوظة للطرفين.

في الاسبوع الأخير قرأنا خبراً محزناً جداً، عن إخفاق «مكتب وسيط» في تدبير مشروع زواج جماعي، بسبب تراجع المموّل الرئيسي عن الدفع. وإذا كنا لا نشكك في الدوافع النبيلة لأصحاب المكتب، إلاّ اننا نتحفّظ على هذه الطريقة التي سترجعنا أميالاً إلى الوراء، بما ينسف أسس النجاح التي أرستها الصناديق والهيئات الاسلامية على مدى السنوات السابقة. فهذه الطريقة من شأنها إعادة التصور السابق إلى الأذهان وبقوة وبشاعة: نحن سنجمع صدقات لنزوّجكم!

وهذه الطريقة غير مقبولة، في وقتٍ ينبغي أن يفكّر القائمون على هذه الفعاليات في كرامة الشباب. ففي الوقت الذي رفضنا فيه طريقة توزيع «كوبونات الكهرباء»، بتلك الطريقة المذلة، انطلاقاً من حفظ كرامة المواطن حتى لو كان فقيراً فاننا نرفض أيضاً هذه الطريقة التي لا تراعي كرامة شبابنا ولا تحفظ ماء وجوههم. وإذا كنا قد كتبنا في هذه الزاوية قبل أسابيع محتجّين ومندّدين بطريقة توزيع تلك الكوبونات مع انها «تعويض»، لانها تمس نفسية الأسر المحتاجة، فإننا لن نتردد إطلاقاً في انتقاد طريقة «استجداء» المعونات من الداخل أو الخارج، وخصوصاً إذا تم معها تصوير لحظات تسليم «الشيكات» ونشرها في الصحف ووسائل الإعلام.

ان هذه الطريقة تعتبر تراجعاً وليست تقدماً على طريق العمل التطوعي الخيري، وإذا لم يرغب هذا الطرف الوسيط أو ذاك في التعاون مع الصناديق الخيرية في مثل هذه المشروعات، فعلى الأقل لا يقم بما يقوّض تجربتها ويؤثر سلباً على الصورة الاجتماعية التي تم تكريسها على مدار عقد أو أكثر من الزمان.

لتعذرنا الأطراف الرسمية، من وزارات أو محافظات، لاننا لا نعرف التسامح في انتقادنا عند الاقتراب من شيء اسمه كرامة المواطن، وعلى الاطراف الشعبية، صناديق خيرية أو جمعيات اسلامية أو حتى «مكاتب وساطة»، ان تتقبل الانتقاد وتستعد للتنديد أيضاً، إذا اقتربت من ذلك الحمى.

للشباب كرامة فاحفظوها، فليس عند الإنسان ما هو أغلى من ماء وجهه، فلا تسفحوه مقابل «شيك» حتى لو كان بألف ألف دينار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً