في الساحة المحلية كما هو الحال في كل مكان هناك مصطلحان مدرجان في جدول كلام من يستطيع التعبير عن رأيه فيما يحدث في المجتمع من مواقف وحوادث ومناسبات وما تتمخض عنه نتائج المشاركات. والمصطلح الأكثر شيوعاً وتداولاً هو «المصلحة العامة» الذي يظهر وكأنه طوق النجاة للمتحدث أو كأنه الدرع القوية التي تسمح له أن يستعرض الأمر الذي يتناوله طولاً وعرضاً ويفيض ويزيد وينتقد ويوجه.
وهناك من يتمادى أكثر وهو خلف ستار غطاء المصلحة العامة فيخلط بين الموضوعي وغير الموضوعي ويتجاوز خطوط النقد المنطقي فيكيل بلا حساب، متذرعاً بأن «المصلحة العامة» الذي يستظل بها باعتبارها غاية المجتمع وأمله وهدفه تحتاج من يدافع عنها وبالتالي تعطيه كامل الحق والمشروعية في أن يعتبر نفسه قد حصل على تفويض تام من المصلحة العامة نفسها، ليقول عنها كل ما يريده ويعبر باسمها كيف يشاء، وكأنه يدافع عنها من الخطر الذي يتهددها بفعل الآخرين.
وفي ذلك إشارة إلى أن كل ما يقوله أو ينطق به هو من صميم «المصلحة العامة» المجني عليها. ولذلك فما على المتابع غير أن يفتح عقله وقلبه لاستقبال ما يقوله، وعليه أن يوقن بصوابه وصدقه ولا يناقشه في كل ما يذهب إليه، أليس ذلك جواز مرور لكلماته الممهورة بالمصلحة العامة؟ ويحدث كثيراً أن تسمع أو تقرأ عن حدث أو مناسبة واحدة آراء وتحليلات متضادة في كل شيء، إلاّ إن أصحابها كل منهم يدعي أن مصدر حرصه ودفاعه هو المصلحة العامة، ولولا غيرته وخوفه وحرصه عليها لما نطق محذراً ومنتقداً وكاشفاً للمستور.
المصطلح الثاني والذي يندرج أيضاً في جدول الكلام الذي يتم تداوله في الساحة هو «رأي الناس» أو «رأي المجتمع»، فكثيراً ما يحدث أن يستعرض البعض ما يريد أن يقوله بكل الأبعاد ومن مختلف الزوايا ويكيل بكل أنواع المكاييل، وفي كل موقف يحيل كلامه إلى مصدره الأساسي: رأي الناس في الساحة أو الغالبية المطلقة والمواطنون جميعاً. وفي الغالب إن رأي الناس الذي يتحدث عنه هو رأيه الذي يطرحه نفسه، وكأنه استفتى الناس فيما يتناوله فأجمعوا على منحه حق التعبير باسمهم والتحدث نيابة عنهم! وفي هذا النوع من الكلام أيضاً إشارة إلى أن عدم الرضا أو الموافقة على ما يتناوله أو يتحدث عنه هو بمثابة اعتراض على ما يطالب به المجتمع.
والثابت أن التغيير الذي تتطلبه المصلحة العامة يهب كالريح، لا يستطيع أن يقف في وجهه أحد. بل أن رياح التغيير تقتلع كل من يحاول الوقوف في وجه المصلحة، وبالتالي فإن تصوير واقع الحال وكأن هناك فئة أو جماعة تحارب التغيير وهي قادرة على ذلك، فيه الكثير من المغالطة لطبائع الأمور. فعندما يكون التغيير للصالح العام فإن التغيير يكون هو الأقوى والأسرع، لأنه تغيير تفرضه مصلحة الجماعة، أما التغيير الذي ينطلق من اعتبارات فردية ولا يخرج عن كونه رؤية شخصية فإن افتراض أن هناك من يشكل جهة رفض له واعتراض عليه لا يتعدى أن يكون تصويره لمطالبه بحتمية التغيير ليس أكثر من نرجسية طاغية تجعله يرى الفرد في صورة الجماعة، فيختلط عليه الحال بين رأيه ورأي المصلحة، إلى درجة تجعله يشعر أن رأيه هو المصلحة ذاتها، ومن لا يتفق معه فهو ضد المصلحة العامة ويرفض التغيير والتجديد والتطوير... ومن ثم يكون عرضة للتكفير والوصم بـ «اللاوطنية».
والغريب ان مفتاح الهجوم عند البعض هو المصلحة العامة، والقوة المستخدمة في هذا الهجوم هو رأي المجتمع، أو رأي الناس. وإذا قدر لك أن تتمعن وتسأل نفسك أية مصلحة عامة يقصدون أو من أين جاء قياس رأي الناس أو المجتمع، عندها تكتشف أن المسألة ليست أكثر من عرض هذه المصطلحات في جدول الكلام وبهدف ذر الرماد في العقول
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ