بناء مستقبل سياسي منظم على أسس ديمقراطية تتمتع في ظله التنظيمات السياسية بمساحات من الحريات والحقوق، لن يتم إلا بتوحد جهود جميع قوى المجتمع المدني المؤمن بالحريات والحقوق المنصوص عليها في الدستور والميثاق، والعهود والمواثيق الدولية والمتعارف عليها في الدول الديمقراطية العريقة. لذلك فإن تكتل قوى الشعب في مواجهة المرسوم بقانون تدابير أمن الدولة في السبعينات، يترك لنا بصيص «الأمل» في تنظيم تحالف «جبهوي» ذي فاعلية دافعة لمعارضة مقترح قانون الجمعيات السياسية.
إن الدعوة إلى قيام جبهة تحالف من القوى المؤمنة بالحقوق والحريات، لا تعني الانصهار والذوبان في بوتقة جماعية واحدة، وبالتالي التخلي عن الركائز الحزبية في صالح «الجبهة» أو «التحالف» إذ إن العمل الجبهوي المتحالف في شأن من الشئون السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، يتطلب أولاً: الحوار، وثانياً: الاتفاق على الهدف بصورة واضحة. وما ان يتم الاتفاق حتى يتم الإعلان للقواعد المنتمية لمختلف التيارات المتحالفة والتي يضمها الإطار الجبهوي التنظيمي، لتكون هناك عملية توعوية متغلغلة في أوساط القواعد، ولكي تتناغم سلوكياتها ومرئيات القيادات السياسية.
إن «العمل التحالفي» المطلوب الآن أكبر من التحالف الرباعي أو السداسي، إذ المطروح في الساحة السياسية والحقوقية المدنية، هو مناهضة مشروع قانون أمن الدولة في حلته الجديدة «قانون الجمعيات السياسية»، لذلك فإن العمل المطلوب هو تجنيد كل مؤسسات المجتمع المدني بأطيافه المختلفة الرافضة لهذا المقترح. وتأسيساً على ذلك فإن تكوين جبهة من الجمعيات السياسية الرافضة لهذا المقترح تساندها قوى المجتمع المدني الرافضة له أضحى مطلباً مرحلياً أساسياً في مواجهة هذا المقترح وإسقاطه.
ولعل محمد منذر يشير في «الجبهة والحزب السياسي» إلى شيء من قبيل توضيح التحالفات وتكوين الجبهات، إذ يحدّد معطيات أساسية لابد من أخذها في الاعتبار وهي: الأهداف المنوي تحقيقها، الظروف التي تمر بها القوى السياسية (حال المقاطعة والمشاركة مثال من واقع البحرين)، الوضعان الداخلي والخارجي في البلد المعني، متشعبات ظروف النضال، القوى الموجودة على الساحة السياسية (واقع البحرين يقول: إن واقع القوى السياسية اختلف بواقع 180 درجة عما كان سائداً في مرحلة الخمسينات والستينات والسبعينات، وقريب من واقع الثمانينات والتسعينات).
ويخلص إلى القول: «إن سياسة المراحل هي أحد الأسس لقيام جبهة تضم داخلها أكثر من طبقة أو حزب سياسي أو قوة سياسية»... وضرورة المرحلة الراهنة في البحرين تتطلب من الجمعيات السياسية المناهضة لهذا المشروع ألا تتقوقع في أماكنها بل تفتح أذرعها لمختلف القوى السياسية التي تحمل الأهداف ذاتها، بغض النظر عن الاختلافات العميقة بين القوى السياسية، إذ إن الانعكاسات السلبية التي يحملها المشروع في طياته لن تصيب شظاياها قوى سياسية لوحدها، وتفوق في حدتها الاختلافات السياسية الفكرية والمنهجية، وواقع السياسة يقول: إنه من المحتمل أن يستخدم هذا القانون في قبال أية قوى سياسية، بغض النظر عن منطلقاتها العقائدية والفكرية
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ