العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ

نهاية عصر النفط والتدابير الضرورية لمواجهة المستقبل (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما تكون المصادفة وحدها هي التي زامنت نشر الطبعة العربية من هذا الكتاب، الذي صدرت نسخته الألمانية الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2002 ، وارتفاع اسعار النفط التي تجاوزت 50 دولارا أميركيا للبرميل في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.

وبعيداً عن التأويلات، يمكن القول إن هذا الكتاب شبه الموسوعي في نطاق قضايا النفط، يعطي قارئه فكرة شاملة عن الصناعة النفطية من الجوانب كافة: التاريخية، الفنية والجيو سياسية، بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية.

ولربما جاء الكتاب ليؤكد من جديد نبوءة أحد الرجال الذين كانوا يشاركون في عمليات الاستكشاف التي كانت تجرى في المنطقة المسماة مسجد سليمان في إيران في صبيحة يوم 26 مايو/ أيار 1906 عندما تدفق النفط على شكل نافورة ارتفاعها 160 مترا. حينها صرخ ذلك الرجل بأعلى صوته «من الآن فصاعدا سيتغير العالم تغيرا جوهريا». ويرى المؤلفون أن ذلك القول «لم يجاف الحقيقة». فقد غير النفط وجه العالم من خلال تغيير العلاقات الدولية التي استتبعت استكشافاته في مناطق كثيرة من بين أهمها تلك التي في منطقة الشرق الأوسط.

تقع النسخة المترجمة في نحو 300 صفحة تغطي، بالإضافة إلى مقدمتي المترجم والمؤلفين، الأبواب الآتية: الجيولوجيا، السياسة، النقاشات الدائرة حاليا والتحول الهيكلي.

تكتسب مقدمة المترجم أهمية خاصة في هذا الكتاب نظرا إلى موازنة المترجم بين التقيد بالخط العام للنص الأصلي للكتاب وبين حرصه على تقديم معالجة مختلفة تسلط الضوء على الرؤية العربية السياسية المتزنة لقضايا النفط، وخصوصاً تلك المتصلة بالأسعار والعلاقات الدولية. لقد اجتهد المترجم ونجح في تحقيق هذه الغاية.

يستهل المترجم مقدمته بتشخيص دقيق لسوق النفط حين يعرفها بأنها «سوق ريعية... تفاضلية (يفترض أن تسودها وتنظم العلاقات داخلها) قوانين السوق الحرة ولا تخضع للتوجيه الحكومي».

لكن المترجم - وحرصاً منه على التمييز بين السوق الريعية التفاضلية التي بلور مفهومها ومقوماتها الاقتصادي البريطاني ديفيد ريكاردو في مطلع القرن التاسع عشر - يؤكد «أن واقع الحال يشهد على أن سوق النفط لم تكن في أي يوم من الأيام سوقاً حرة... فعلى مدى سبعين عاما احتكرت شركات النفط احتكارا تاما مصادر النفط في العالم عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً».

ويضيف في هذا السياق ان تلك الاحتكارات حرصت على أن تفرض قوانينها على الأسواق وكذلك على الدول المنتجة صاحبة الحق، كي تضمن - أي تلك الاحتكارات - تزويدها بالنفط الذي تحتاج إليه وبأسعار زهيدة لم تتجاوز «حتى العام 1970- حسبما جاء في المقدمة - 1,69 دولار للبرميل». وهي حال غير معروفة في «أسعار الموارد الطبيعية». عند معالجة تطور اسعارها وفقا لقوانين الاقتصاد الريعي.

ويعتبر المترجم الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط في منتصف السبعينات من القرن الماضي بمثابة «صدمة خارجية أخذت الدول المستهلكة على حين غرة، فنشر الركود ظلاله على اقتصاداتها».

وينهي المترجم مقدمته بالإشارة إلى «الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لبلوغ هدف إجراء انقلاب جذري في التزود بالطاقة، وذلك من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة».

وهنا تلتقي - بعض الشيء - نظرة المترجم لمستقبل النفط مع بعض ما جاء في مقدمة المؤلفين التي كتبها فراوكه في صيف 2002، التي تعزو التفكير في احتمالات نهاية عصر النفط إلى «نمط الحياة في البلدان الصناعية الغربية الذي حتم استهلاك الطاقة استهلاكا مكثفا، (الأمر الذي أدى إلى ابتلاع) في بضعة عقود من السنين فقط، نصف ما تراكم عبر ملايين السنين من رصيد الذهب الأسود».

وكما ورد في المقدمة يعزو المؤلفون السبب وراء تأليف هذا السفر الموسوعي إلى حرصهم على تحذير العالم وخصوصاً الدول المنتجة التي تعتمد اقتصاداتها بدرجة كبيرة على دخولها المتزايدة من النفط من ان «الابتكارات التقدمية المصممة لمواجهة متطلبات الغد لن تحقق المتوخى منها إلا بعد أن تنتصر على المصالح المكتسبة حاليا، وتلعب المعلومات والتقديرات والنماذج التي يحتذى بها دورا في الصراع المحتدم في شأن احتمال التحول عن النفط».

يستحوذ باب الجيولوجيا على ما يزيد على ثلث صفحات الكتاب، إذ يجد القارئ تغطية واسعة تجيب عن التصورات الجيولوجية لنشأة النفط، وإحصاءات لتقديرات أولية عن كميات النفط في العالم، وتقنيات استخراج النفط في المناطق البرية والبحرية، والتطور المستقبلي لاستخراج النفط في العالم. وينتهي هذا الباب بفصل يجيب على سؤال في غاية الأهمية: إلى أي مدى يزخر العالم بموارد أخرى شبيهة بالنفط؟ ومن الإشارات التي تلفت النظر في هذا الباب تأكيد المؤلفين أن «ليس ثمة شك في أن أكبر كمية لايزال يمكن العثور عليها إنما توجد في تلك الحقول المنتجة حاليا». ما يعني أن منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها منطقة الخليج العربي ستستمر في الاحتفاظ بنصيب الأسد من حيث الإنتاج والمخزون المتوقع.

كذلك من القضايا المهمة التي ترد في هذا الباب ذلك التفسير الذي يوضح سبب الاختلافات التي ترد في الإحصاءات العالمية الرصينة عند الحديث عن تقدير كميات النفط المكتشفة وغير المكتشفة. ويعزو الكتاب تلك التباينات إلى «اختلاف التعريفات التي تنطلق منها تلك المؤسسات».

وبعد المقارنات المفصلة بين حجم الإنتاج وكميات الاستهلاك بالإضافة إلى أرقام الاكتشافات الجديدة، «سيناريوهات الإنتاج المستقبلي للنفط»، التي يلخصها الكتاب في: سيناريو رقم 1 وهو ينطلق من «ثبات الاستهلاك العالمي»، والسيناريو الثاني قائم على «النمو في الطلب».

ينتهي هذا الباب بفصل يتحدث عن الموارد الأخرى الشبيهة بالنفط، وفي هامش جانبي يلفت المؤلفون النظر إلى أن «هذه الينابيع، إن جادت، فإنها لا تجود بخيراتها إلا ببطء شديد». وكأنما أرادوا القول إن تلك المواد الشبيهة لن تكون ذات انعكاس اقتصادي واجتماعي كالذي أحدثته الثروات النفطية وخصوصاً بعد التطورات التي طرأت على الأسعار في ضوء التطورات التي عرفتها العلاقات الدولية خلال نصف القرن الماضي.

وعلى رغم أهمية ما جاء في ذلك الباب وكذلك الأبواب الأخرى التي ضمها الكتاب من معلومات وتحليلات واستنتاجات، فاننا سنتجاوز تلك التفاصيل ونركز على ما ورد في أهم بابين من الكتاب وهما: السياسة والتحول الهيكلي. وهو ما سنتناوله في الحلقة المقبلة.

صدر الكتاب عن سلسلة دار المعرفة - الكويت في سبتمبر 2004 حاملا الرقم 307 ، من تأليف كولن كامبيل، ويورغ شيندلر، وفراوكه ليزينبوركس وفيرنر تسيتيل، وقام بالترجمة عدنان عباس علي. وهناك نبذ مختصرة عن سيرهم الذاتية في نهاية الكتاب

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً