لا يريد الحالمون من البحرينيين الاعتراف بأن ما يسمى بـ «الوحدة الوطنية» ليس متحققاً اليوم على الساحة، وأن السعي إليه أقل بكثير من السعي إلى نقيضه صوب الطائفة والعرق والمنطقة والقبيلة، وأنه لا يلتقي - في الغالب - اثنان، إلا وكانت هذه المعادلة ثالثهما، فكلما تقاربت المحددات وتقاطعت، كلما حظيت الأطراف بالثقة في وطن لا يُنتمى إليه إلا بالأوراق الرسمية، ولو أتيحت الفرصة للموغلين في الأمر، لاستبدلت الأوراق إلى أخرى تثبت المحددات التي ينتمي إليها الناس، ليميزوا «المنتمي» إليهم من «غير المنتمي».
كما جرى في لبنان - فترة الحرب الأهلية - ما أسمي بـ «القتل على الهوية»، يجري هنا الدفاع عن الهوية الخاصة، وتأصيلها، وتزكيتها هكذا بلا خجل، والجأر بها من دون مواربة، والتضحية بكل المعايير في سبيلها، وإفساد الأمر من أجل إصلاحها، وتغذية تعبيرات «نحن» إزاء «هم» وإن كسيت بتعبيرات ذات طلاوة من مثل «إخواننا».
تحول الأمر إلى كانتونات فئوية تتربص ببعضها، تتقوى داخلياً، لتكسر شوكة الطرف الآخر، أو إرغامه على إفساح مجال لها على حساب ما كان يعتقد أنه مجاله، وهذا ما يشكك في تعريف ماهية «الوطن» القارّة في نفوس الناس، وكيفية تحقيق المواطنة.
إنها معارك يومية يديرها «العقلاء» بقدر سخي، ولا تأمن مؤسسة - رسمية أم أهلية معيّنة أم منتخبة - من تغلغل هذا السرطان إلى أوصالها، حتى وإن ادّعت العكس، أو حاولت التمثيل لفترة، وقد فشلت محاولات خجولة لأن يتبنى أي طرف رأي طرف آخر من مبدأ المواطنة، وليس من مبدأ القرابة بشتى أنواعها، وهذا ما يؤكد وجود هذا الشرخ العظيم في حركتنا اليومية، التي لا تنجح إلا في استقطاب تعاطف من ينتمي إليها حتى تغدو قضاياها - على وجاهتها في بعض الأحيان - قضايا خاصة، لا تعني «الآخرين»
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ