تفرض التحديات المستقبلية التي تواجه سوق العمل البحريني استحقاقات الإصلاح كحاجة ضرورية تم وضعها على بساط البحث في الحوار الوطني لمواجهة المشكلات التي تواجه الاقتصاد البحريني. وفيما تتفق اطراف عدة على ضرورة قيام إصلاحات حقيقية في سوق العمل والاقتصاد البحريني، تثير بعض السياسات المقترحة ضمن دراسة ماكينزي الجدل بشأن امكان تطبيقها واقعياً مع معطيات سوق العمل البحريني ومدى تأثيرها على القطاع الخاص باعتباره الطرف الذي يتطلع اليه كمحرك للنمو مستقبلاً في سوق العمل.
رجل الاعمال البحريني عادل فخرو يرى انه آن الأوان لطرح إصلاحات حقيقية لسوق العمل والاقتصاد بشكل عام، معتبراً ان هناك حاجة حقيقية لاصلاحات جذرية في سوق العمل تعود بالفائدة على البحرين والبحرينيين. واشار الى أهمية الطرح الذي جاءت به مبادرة صاحب السمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة لاستنادها على ثلاثة مشروعات مهمة مكملة لبعضها، مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار الكيفية التي سيتم بها تنفيذ هذه الاصلاحات.
وأضاف: «هناك ضرورة للنظر الى الكيفية التي سيتم بها تنفيذ هذه الإصلاحات، أعتقد أن إصلاح التعليم والتدريب يجب ان يتم يداً بيد مع إصلاحات سوق العمل الذي يعتمد بشكل أساسي على مخرجات التعليم والتدريب».
وأشار فخرو الى ضرورة دراسة عامل التوقيت والتدرج لتنفيذ الإصلاحات مشددا على اهمية تطوير أشكال التدريب والاعداد للعمالة الوطنية.
يقول فخرو: «من الناحية التطبيقية لا يمكن النظر لاصلاح سوق العمل من دون تطوير مهارات العمالة الوطنية، اليوم احد الاسباب الرئيسية لعزوف اصحاب العمل في القطاع الخاص عن توظيف البحرينيين عدم وجود الكفاءات والمهارات المطلوبة للقطاع الخاص. أقدّم لكم مثلاً، يقال ان عدد العاطلين عن العمل في البحرين يترواح ما بين 16 الى 22 ألف عاطل، والنسبة ربما تشكل 15 في المئة من اجمالي عدد البحرينيين القادرين على العمل والباحثين عن العمل. ونسأل هنا فيما لو قام معهد البحرين للتدريب اليوم بتخريج ألف عامل من كل تخصص مطلوب فعليا لسوق العمل هل ستبقى نسبة البطالة كما هي الان؟ بالتأكيد لا. لان التدريب قدم مهارة مطلوبة لسوق العمل، لكن ان نبقى نتحدث عن عاطلين عن العمل من دون ان نقدم تدريباً ملائماً بالتأكيد سنبقى نواجه هذا الخلل بل ستتزايد أعداد العاطلين».
الكثير من البحرينيين المسجلين كعاطلين عن العمل لا يمتلكون الرغبة في اكتساب مهارات جديدة تمكنهم من دخول سوق العمل حسبما يشير فخرو، إذ يقول: «هناك الكثيرون من العاطلين لا يملكون الرغبة للالتحاق بالعمل وتعلم مهارات جديدة، أنا لا أحملهم الذنب، هناك مسئولية تترتب على النظام التعليمي الذي يفتقر الى اساليب الاعداد النفسي والذهني لاخلاقيات العمل، وبالتالي لا يستطع الطالب ان يحدد الاحتياجات الحقيقية والفرص المتاحة له في سوق العمل مستقبلا لكي يحدد مسار حياته المهنية».
معهد التدريب والتدريب
ويضيف: «الكثير من العاطلين لا يمتلكون حتى الأساسيات التعليمية التي يحتاجها الآن أي فرد لكي يشغل أية وظيفة تصل الى حد أن هذا الفرد لا يمتلك القدرة على كتابة السيرة الذاتية لكي يتقدم بها الى دائرة الموارد البشرية في أية مؤسسة بالقطاع الخاص».
ويعزي فخرو هذا الضعف في التعاطي مع المتطلبات الوظيفية إلى ضعف المناهج والأساليب التي يتم بها تدريس الطالب والتي لا تعزز أية قدرة ذاتية لديه يعتمد عليها مستقبلاً عند خوضه للحياة المهنية.
يقول فخرو: «عدم تطوير المناهج الدراسية وأساليب التدريس خلق نتيجة حتمية يواجهها العاطل عن العمل الآن، لا اعتقد ان اساليب التعليم التي تقدم للطلاب في معهد البحرين للتدريب قادرة على منحهم المهارة الكافية التي تكفل لهم الحصول على الوظيفة المطلوبة في القطاع الخاص، لذلك نجد أن هناك عزوفاً واضحاً لدى القطاع الخاص عن توظيف الكثير من العاطلين».
تبدو مشكلة القدرة في استمرارية البحريني في العمل، أكثر ما يشكو منه القطاع الخاص. ويعلّل فخرو أسباب هذه المشكلة بغياب أي تعزيز لمفهوم أخلاقيات العمل لدى العامل البحريني الذي يتم إعداده الآن لدخول سوق العمل من خلال المؤسسات التدريبية الموجودة. يقول فخرو: «في سنوات سابقة من تاريخ العمال في البحرين قامت الكثير من الشركات الكبرى على أكتاف عمالة بحرينية. بسبب الإعداد والتأهيل وإدراك البحريني للاحتياج الفعلي للوظيفة. لكن يبدو ان هناك تداخلات ترتبط غالباً بنمط الحياة وأسلوب التفكير بالحصول على لقمة العيش أثرت سلباً على قدرة الشاب البحريني على الالتزام بوظيفة ما لدى القطاع الخاص».
ويضيف: «هناك الكثير من الممارسات الخاطئة الأخرى التي أضعفت بدورها من رغبة العامل البحريني في العمل منها المحاكم العمالية التي خلقت نوعاً من التقاعس والاتكال من خلال اللجوء اليها، كما خلقت نوعاً من الإحساس لديه بعدم قدرة صاحب العمل على الاستغناء عنه».
ويذهب فخرو إلى ضرورة إصلاح علاقة العامل البحريني بصاحب العمل، فيقول: «اذا كنا نتحدث عن إصلاحات جذرية تخصّ سوق العمل، فلابد من الالتفات الى إصلاح علاقة العامل بصاحب العمل. الكثير من العمال يعتقدون ان لديهم القدرة على ترك العمل من دون حتى إشعار مسبق، من دون ان يمتلك صاحب العمل أية وسيلة يترتب عليها التزامات من العامل اتجاه المؤسسة التي يعمل بها حتى لو كانت هذه المؤسسة انفقت الكثير من المبالغ والجهد لتقديم التدريب المناسب للعامل».
ويضيف: «هذه الممارسات من قبل العمال البحرينيين أضعفت الحافز لدى القطاع الخاص لتوظيف العمالة البحرينية، وعززت الحاجة للعمالة الوافدة لأن الاخيرة تلتزم بشكل أفضل».
ويستعرض فخرو مثالاُ عن آخر تصريحات المجلس النوعي للفندقة الذي أشار الى دخول 380 متدرباً بحرينياً الى مجال الفندقة وحصولهم على التدريب المناسب لمزاولة عملهم في مجالات الفندقة والمطاعم، في مقابل هذا الرقم خرج من القطاع نفسه 380 بحرينياً بسبب عدم القدرة على الاستمرارية.
ويتحدث فخرو عن ارتفاع الرواتب في القطاع الخاص، ولكنه لا يشكل الحل بالنسبة للواقع الاقتصادي في القطاع الخاص، ويقول: «بلا شك ان هناك تحفيزاً للعامل على البقاء اذا تم زيادة الراتب، لكن كل هذا يتحقق وفقاً للحدود الاقتصادية المتاحة لدى القطاع الخاص، فرفع الراتب في هذا القطاع يتم بصورة تدريجية. والآن رغم عدم وجود قانون ينص على حد أدنى للاجور للبحريني لكن لا نجد عاملاً بحرينياً يعمل براتب يقل عن 175 ديناراً كبداية لدى أية مؤسسة في القطاع الخاص».
ويضيف: «هناك الكثير من المؤسسات التي تعتمد على عمالة محدودة جداً وهي غير قادرة على رفع أجورها بصورة مفاجئة لانها تعتمد على رأس مال صغير في مقابل ربحية محدودة».
ويتحدث فخرو عن منافسة القطاع العام للقطاع الخاص في استقطاب العمالة المحلية بسبب عنصري الأمان الوظيفي والرواتب المغرية، فيقول: «هناك فرق في ساعات العمل بين القطاعين، القطاع العام يعمل لثلاثين ساعة في حين ان قانون العمل يجيز للقطاع الخاص العمل 48 ساعة، وفيما لو تطلعت الحكومة لحلول جذرية لابد من التطلع نحو المساواة بالمزايا المتوافرة لدى القطاع العام والخاص، وهذا ما يطرح سؤالاً فيما اذا كانت الحكومة على استعداد لرفع ساعات عملها لتتساوى مع ساعات العمل في القطاع الخاص. أعتقد ان هذا الامر مستبعد لان الكثير من الجهات تتطلع للقطاع الخاص كطرف قادر على تقديم الحلول لكل المشكلات».
نجاح البحرنة في الشركات الكبرى
وفي إشارة إلى نجاح بحرنة الوظائف بنسب مرتفعة في الشركات الكبرى المتخصصة بالصناعات الكبرى، يقول فخرو: «ليس هناك ثمة شك في قدرات البحريني على العمل في مجالات مختلفة لدى القطاع الخاص، ولعل خير دليل العمالة البحرينية التي عملت ولازالت تعمل لسنوات طويلة في الشركات الكبرى التي تمثل قطاع الصناعات الثقيلة في البلاد. لو اخذنا شركة نفط البحرين (بابكو) والتي تعتبر صرحاً تعليمياً صناعياً مهماً في تاريخ البحرين، إذ استطاعت ان تقدم الكثير من الخبرات والمهارات للعاملين فيها على اختلاف طبيعة وظائفهم، هذه المهارات التي اكتسبوها لم تقتصر فقط على فترة عملهم في بابكو بل استفادوا منها فيما بعد في مجالات وقطاعات مختلفة. عامل التدريب والتأهيل يفرض نفسه بقوة على أي توجه نحو بحرنة العمالة لدى أية مؤسسة او شركة بالقطاع الخاص، ومتى ما وُجد التدريب المناسب اتيحت الفرصة امام العامل المحلي».
ويوضح فخرو قائلاً: «اذا كانت الشركات الكبرى استطاعت تقديم برامج تدريبية اكسبت العمالة الوطنية المهارات الكافية التي تكفل لها الاستمرارية فالأمر لا ينطبق على مختلف مؤسسات القطاع الخاص والتي يحكمها عدد المتدربين لديها، وفيما اذا كان عدد المتدربين لديها يدفعها لجلب اختصاصيين لتقديم التدريب المناسب لذلك هناك اعتماد كامل على معهد البحرين للتدريب الذي يتقاضى مبالغ من مؤسسات القطاع الخاص نظير تقديم عمالة تلبي احتياجاتها».
ويسأل فخرو عما إذا كان خريجو معهد البحرين للتدريب يحملون كفاءة توازي المبالغ التي يحصلون عليها من القطاع الخاص كرسوم لتدريب الكوادر البحرينية وتأهيلها للعمل في هذه القطاع. ويشرح قائلاً: «اليوم لو احتجنا لاي عامل يحمل مهارة لا نجده متوافراً في المعهد، إذن أين النتيجة بالنسبة لنا كقطاع يحتاج لعمالة في مهارات وتخصصات مختلفة؟ بالتأكيد هناك الكثير من البحرينيين يملكون خبرات وكفاءات مختلفة لكن لديهم وظائفهم، أما بالنسبة للعاطلين فهم من الذين لا يحملون مهارات تلبي الحاجة الواقعية لسوق العمل».
وعن الكيفية التي يمكن أن يتم فيها اصلاح سوق العمل دون أخذ التدريب والتأهيل كأولوية قبل الشروع بإجراءات من شأنها استبدال العمالة الأجنبية بعمالة وطنية، يقول فخرو: «لقد تركزت الحلول التي قدمتها مؤسسة «ماكنزي» على ثلاثة مشروعات تناولت خطة إصلاح سوق العمل ومن ثم إصلاح التعليم والتدريب ثم إصلاح الاقتصاد البحريني، وهنا نسأل ما هي المعجزة التي ستحدث في مستوى التدريب العام القادم كي توفر لنا عمالة محلية مناسبة بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الفشل الذريع في إعداد هذه العمالة؟ ليس لدي شك بأن الإجراءات التي ستتخذ للحد من العمالة الأجنبية دون وضع البديل البحريني المناسب لن تصب في مصلحة القطاع الخاص، بل سيترتب عليها الكثير من الآثار السلبية في قدرة هذا القطاع على الإنتاجية فيما لو لم تتوافر لها عمالة محلية مدربة».
وبالنسبة إلى السياسات المقترحة لإزالة التباين في الكلفة بين البحرينيين والوافدين لتقليل كلفة العامل البحريني وزيادة كلفة الوافدين، مثل فرض نظام لرسوم العمل ووضع سقف على العمالة الوافدة، يقول فخرو: «اعتقد أن فرض ما يعادل 600 دينار لاصدار رخصة العمل لمدة عامين مقترح يحتاج الى اعادة النظر في صوغه، لأن فرض مقدار من الرسوم بصورة ثابتة بغض النظر عن نوعية الوظيفة أو القطاع الذي يعمل به الاجنبي او الراتب الذي يتقاضاه أمر غير واقعي. لو أخذنا مثالاً على العامل الاجنبي الذي يتقاضى راتب مئة دينار، وعامل أجنبي يتقاضى راتباً يصل الى 1000 دينار، بالتأكيد إنهما مختلفان من حيث طبيعة العمل والمهارة التي يمتلكانها والراتب الذي يتقاضيانه. وفرض رسوم تصل الى 100 دينار شهرياً على كليهما امر غير واقعي، لأن صاحب العمل سيدفع هذه الرسوم للموظف الذي يحصل على أجر مرتفع لان فرض 100 دينار كرسم شهري عليه لن تؤثر فيما لو قورنت مع الراتب الذي يتقاضاه لكن بالنسبة للعمالة الأجنبية التي تتقاضى أجوراً منخفضة فليس من المعقول ان يدفع صاحب العمل عليها مثل هذه الرسوم. وهذه السياسات ستؤدي إلى الكثير من العوائق أمام قطاعات مختلفة على رأسها قطاع الإنشاءات الذي يعتمد بشكل أساسي على عمالة أجنبية تتقاضى أجوراً منخفضة».
ويضيف: «بالتأكيد سياسة الرسوم الثابتة على اختلاف القطاعات ستؤدي إلى إصابة بعض القطاعات بالعجز وعدم القدرة على الاستمرارية في العمل في حين أن قطاعات اخرى لن تتأثر بها وخصوصاً التي لديها عمالة أجنبية مرتفعة الأجر لأنها لن تمتلك الحافز القوي لتوظيف البحريني باعتبار ان الزيادة المترتبة عليها من حيث الرسوم قليلة مقارنة بالراتب الذي يدفع للأجنبي».
يرى فخرو ضرورة أن يتم فرض هذه الرسوم بصورة تدريجية تبعاً لمقدار الراتب الذي يتقاضاه العامل الأجنبي وطبيعة عمله والقطاع الذي يعمل فيه. يقول: «أتوقع أن هذا النوع من الرسوم سيضطر الكثير من الشركات للإغلاق وخصوصاً التي تعمل في قطاع الإنشاءات المثقل الآن بزيادة الرسوم، إلاّ إذا ارتفعت أسعار البناء لتعويض هذا القدر في الخسارة بالنسبة لها».
خدم المنازل
ويطرح فخرو سؤالاً عن خدم المنازل الذين يعملون لدى الاسر البحرينية على اختلاف معدلات دخلها: «لا اعتقد ان هناك أيضاً نية لاستبدال خدم المنازل الوافدين بعمالة محلية، ولا اتوقع ان هناك بحرينيين يطمحون للعمل كخدم في المنازل. بالتأكيد نود لهم الحصول على وظائف افضل من الناحية المادية والاجتماعية».
ويضيف: «اذا كان فرض الرسوم بشكل ثابت على جميع القطاعات بغية القضاء على أي تلاعب يمارس الآن من خلال جلب عمالة لممارسة مهنة ما واستخدامها في مهنة مختلفة فاعتقد أن القضاء على هذا التلاعب أمر بيد الجهات الرسمية من خلال تشديد الرقابة وليس بفرض رسوم ثابتة لا تأخذ في الاعتبار طبيعة عمل العامل الوافد والغرض من جلبه».
ويصف فخرو مشكلة البطالة بأحد أعراض المرض الأصلي الذي يتمثل بقدرة الاقتصاد البحريني على التطور وتوفر فرص العمل أمام العمالة الوطنية. ويشير إلى ضرورة الالتفات الى التنمية الاقتصادية التي تستطيع بدورها خلق فرص لحل مشكلة البطالة التي لم تكن لتظهر لو كان هناك استراتيجية واضحة لتنمية الاقتصاد المحلي.
يقول فخرو: «من المهم جداً التنمية الاقتصادية، فمن الناحية النظرية لو قلنا إن لدينا مئة ألف عامل في مقابل مئتي ألف عامل أجنبي. ولو استطعنا الأخذ بسياسية الإحلال ونجحنا بها وتم استبدال جميع العمالة الأجنبية بعمالة محلية، لكن مع مرور السنوات سيزداد عدد العمال البحرينيين. واذا لم يكن هناك استراتيجية واضحة وخطة تنمية شاملة للاقتصاد المحلي ستظهر مشكلة البطالة على السطح مرة أخرى»
العدد 754 - الثلثاء 28 سبتمبر 2004م الموافق 13 شعبان 1425هـ