السكن... حلم يراود الكثيرين... بل بات مشكلة غالبية البحرينيين، وخصوصا من تحول بينهم وبين الفقر المدقع شعرة لا أكثر!
رسائل القراء غالبية شكواها تنصب على السكن، الأمر الذي يجعلني أتساءل: أين نعيش؟ أولسنا في البحرين؟ ألسنا في دولة متقدمة تكفل لمواطنيها السكن الآمن الهادئ؟ إذا ما الذي يدفع كل هؤلاء إلى الشكوى وطلب سكن؟ أويعقل أن يكون كل هؤلاء مبالغين في شكواهم؟... هذه الرسائل كلها تناشد المعنيين في وزارة الإسكان الذين حفت أقدام أصحاب الشكاوى وهم يراجعونهم ولكن من دون فائدة... وعندما استنفدوا كل السبل لجأوا إلى الصحافة... إذا الأمر لاشك يحمل بوادر قضية ما تشمل شريحة كبيرة من المجتمع لا يمكن الاستهانة بها.
بداية، حينما أواجه برسالة من هذا النوع كنت أتعاطف معها إلى درجة تجعلني لا أتردد أبدا في نشرها كـ «قضية العدد» أو وضعها في مكان بارز في الصفحة مع الاعتناء بما يصاحبها من صور قد تلفت إليها أصحاب الشأن ومن بيدهم الأمر فيبادروا بالاتصال لأخذ بيانات الشاكي... هذه الاتصالات التي كانت تسعدني كثيرا وذلك ظنا مني بأني والصحيفة قد ساهمنا في حل مشكلة ما وخففنا من عناء صاحبها... إلى أن اكتشفت أنها مجرد اتصالات في «الهوا»!
عموما، ليس هذا ما أصبو إليه هنا إذ إن ذلك يشمل وزارات عدة وليس الإسكان فقط، كما أني أشرت إلى ذلك في مقال سابق... إنما ما أثيره هنا تساؤلا لا أظنه سيغيب عن بال كل متصفح للصحف المحلية في هذه الأيام وبالذات الصفحات التي تعنى بمشكلات المواطنين، ألا وهو: هل نحن نعيش أزمة سكن حقيقية؟!
الإجابة لا تحتمل اثنتين، فالواقع يشهد بالكثير، وشكاوى القراء وحدها التي تحصر المشكلة في بوتقة واحدة هي السكن، جعلتني بمرور الوقت أهون من تعاطفي معها إلى حد ما، فهي مشكلة لا تحمل الجديد، بل أخذت تصدع رأسي وأنا أبحث لها عن عنوان مختلف في كل مرة طالما مضمونها واحد... وهذا كله يجعلني أبدد الشك نهائيا في أننا في أزمة فعلا، فإن لم نكن كذلك فلاشك أننا على مشارف الولوج فيها! لا تصدقني؟ إذا لك أن تصعد سيارتك وتأخذ (لفة) على شوارع البحرين في مختلف مناطقها وأزقتها... عندها فقط ستكتشف العجب ومن الممكن أن واقع الحال يجبرك على إضافة كتب ومجلدات إلى هذه السطور البسيطة.
على شارع «السقية» غالبا ما تستوقفني بيوت خشبية، ليست كبيوت الإنجليز الزاهية ولو كان أساسها ضعيفا، إنما هي بيوت (بالأصح صنادق) يعجز قلمي عن وصفها... هذه البيوت كنت أحسبها لفترة قريبة مسكنا لبعض الآسيويين أو مخازن لبضائع أحد المصانع... حتى صادفت مكالمة من شخص بحريني يشكي انقطاع الكهرباء عن بيته الكائن في هذه المنطقة!
كلامه هذا شلني عن التركيز فيما يشكو منه، وانصب جام عقلي كله على منطقة سكناه التي جعلتني أصفها وأصفها حتى أقطع أشك باليقين، وأقف عند الحقيقة التي ملخصها: ان أوكار الفئران هذه يسكنها بحرينيون!
ومن يستوعب عقله ذلك، لاشك في أنه سيتيقن من وجود بيوت على هذه الشاكلة وربما أكثر سوءا موجودة في مناطق أخرى غير هذه... ومن سيتابع البحث والتقصي لربما يشك انه في البحرين... صاحبة المرتبة الأولى في التنمية!
ولو انتقلنا إلى جهة أخرى، ونظرنا إلى أولئك الذين استفادوا أخيرا من الوحدات السكنية بعد أن أعياهم طول الانتظار والمراجعة من دون جدوى والوعود التي بدلا من أن تريح النفس أخذت تزيد على سنوات الانتظار سنين أخرى!... لو نظرنا إلى تلك البيوت هل يا ترى سنطمئن إلى حالنا؟ لا أظن... فهذه البيوت أخذت مساحتها تتقلص شيئا فشيئا وكأنها اتخذت طريقا غير مباشر لفرض تحديد النسل على المواطنين يجنبهم الاختناق في «عشتين» للدجاج... عفوا، أقصد غرفتين.
من تلك البيوت... إلى المنازل الاسمنتية التي بقيت على شاكلتها ردحا من الزمن... على رغم أن صاحبها من النوع الذي «يمد لحافه على قدر رجليه»... ولكن ما المشكلة؟... ببساطة «قرض الإسكان» - وما أكثر القروض التي باتت حياتنا، بل أرواحنا، معلقة بها - لم يكفه لبناء عشه المتواضع الصغير!
ومن هذه إلى خيمة نصبت في ركن من الشارع ونحن في عز القيظ!... لماذا؟... صاحبها أتى حريق غير مقصود على منزله بالكامل، ولم يجد من يعينه على الخروج من بلواه أو يشفق عليه بتصليح أو طلاء ولو غرفة واحدة تنتشله من شر الطريق!
ولا تنس وأنت تجول في رحلتك الاستكشافية أن تلتفت إلى ذلك القصر الجميل الذي رص في الناحية المجاورة إليه كوخ تأبى رجلك أن تطأه لأنك لا تقوى أبدا على حبس دموعك... ولسنا في مجال حسد فلكل رزقه ونصيبه في هذه الدنيا... وإنما ما يهمنا هنا المنظر فقط... منظر بحريننا في عين من جاء ليستكشف أسباب تبوئها للمركز الأول في التنمية.
مع القراء
أحد المواطنين لا أعلم هويته بتاتا على رغم أني في المرة الأولى بقيت أستمع إلى كلامه لأكثر من ساعة من دون أن أفهم مشكلته تحديدا، إذ بدلا من أن أسأله عنها بادرني هو بسؤاله: عن ماذا تريديني أن أكتب؟! وعلى رغم غرابة سؤاله أجبته: كل ما يجول في خاطرك، وما كان منه إلا أن لعن الأحوال والظروف وألبسني بشت الوزير كوني خصصت يوم الخميس فقط فرصة لمقابلة القراء وجها لوجه و«حمل بعضه وخرج» وأنا في ذهول ودهشة... صاحبنا هذا أتى إلى الصحيفة مرة أخرى طالبا مقابلة أي صحافي لشكوى ما... وكوني «حمالة الأسية» كان نصيبي ان ألتقيه مرة أخرى... وأيضا لم أفهم لب المشكلة ولم أتمكن حتى من أخذ اسمه وعنوانه!... ولكني في هذه المرة تجاوزت لحظات ذهولي لألعن أنا أيضا الأحوال والظروف التي جعلتنا نفقد لب عقلنا ونضيع هوية مشكلتنا الأساسية
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 753 - الإثنين 27 سبتمبر 2004م الموافق 12 شعبان 1425هـ