في مرحلة سابقة من سنوات عمري، كان كثيراً ما يشدني العمل الخيري، وكنت دائماً ما أتخيل نفسي منقذة البشرية من كل ما تتعرض له من عواصف الأمور... ليس معنى هذا أني أنسب إلى نفسي كل الخير، وإنما هي أضغاث أحلام تنتاب الكثيرات في سن معينة من حياتهن ولا يمكنني وصفها إلا بصراع مع الذات لتكوين شخصية مستقلة لا يمكن اعتبارها أكثر من تجسيد لدور البطولة على طريقة الأفلام الأجنبية أو حتى العربية.
كبرنا وكبرت معنا أحلامنا... ونضجت في عقولنا الرغبة الحقيقية في سلك الطريق الأمثل إلى عالم الكبار... كنا نبحث عن خيط يدلنا إلى ما يسكن خلجات نفسنا التي تعتصرها أفكار كثيرة تنصب كلها في بوتقة واحدة تسمى بتكوين الذات... نبحث عن جهة نستطيع من خلالها إيصال صرخاتنا... اقتراحاتنا... تجاربنا... كل ما يدور بخلدنا... ولا يمنعنا ذلك عن البحث عن أيد مجربة تنتشلنا من زلاتنا وتأخذ بيدنا نحو السكينة والرقي.
في خضم البحث بدأت جمعيات نسائية بالتوالد واتخذت مسميات عدة توحي جميعها بالهدف الأسمى الذي تسعى إلى تحقيقه... وكان بلاشك بشارة الخير التي أفرجت أساريرنا نحن الباحثات عن الذات... وكوننا مازلنا في أولى خطواتنا على هذا الدرب كنا نبحث عن الوسيلة التي سنصل بها إلى تلك الجمعيات وجل خوفنا من عدم قبولها بفتيات في مثل عمرنا.
هموم الدراسة وتنوع البيئات وتطور مجريات الحياة جعلتنا نرجئ هذه الرغبة إلى وقت نشعر فيه بتسلمنا لقيادة دفة حياتنا بنفسنا من دون ربان... لكننا عندما وصلنا صعقنا.
لا أخفيكم القول إني فقدت الرغبة في الانضمام إلى أي من هذه الجمعيات بعدما لمست أنها اسم على غير مسمى... وسأجنب نفسي التعميم الذي لا يحق لي إصداره كوني لم أزر إلا بعضها وإن كان كثيراً.
تدخل تلك الجمعيات وأنت محملاً بأفكار وردية، بأنك ستلتقي نساء من نوع آخر... نساء ترغب فعلاً بأن تكون مثلهن... فتفاجأ بـ «حريم» لا يختلفن عن صديقات جدتك إلا من حيث المظهر فقط، أما أسلوب الحديث ونوعيته وما يدور حوله فلا يمكنك التفريق بينه وبين مجلس جدتك إلا عن طريق ملاحظتك لبعض الكلمات المنمقة أو التي فرضتها علينا الظروف فبات الجميع يرددها من دون إدراك لمعناها!
أتساءل ما الذي قدمته تلك الجمعيات إلى المرأة البحرينية منذ نشأتها وإلى الآن؟ هل حررتها من قيود الجهل والعادات البالية وسيطرة الرجل عليها بصورة لا يرضى بها عقل ولا دين؟ هل استطاعت توعيتها بحقوقها وبما لها وما عليها؟ هل تمكنت من الوقوف عند أهم المشكلات التي تواجهها والتي هي في صراع معها منذ نشأتها الأولى؟!
جل ما استطاعت هذه الجمعيات تقديمه ندوات ومحاضرات تنصب أكثرها في قالب توعوي بصحة المرأة الجسدية والنفسية وكيف تجنب نفسها بعض الأمراض المزمنة... وهذا وإن كانت له أهمية كبرى لكنه ليس كل شيء... ويكفي أن تذهب إلى تلك الندوة وتعد الحضور بل وتطالع في وجوههن والنتيجة أنك ستكتشف أنك أمام عضوات الجمعية نفسها وقليل من الجيران بل والمعارف والقريبات اللاتي على الأرجح خرجن خاليات الوفاض إلا من أنسة وقضاء وقت فراغ والتفريج عن النفس من آلام الوحدة!
صادف - وهي ليست مبالغة أبداً - أن كل الجمعيات التي زرتها بغرض حضور ندوة حدد لها موعد مسبق، أن تأخر موعدها ما يزيد على الساعة، كنت أثناءها أستمع إلى تململ العضوات من تأخير ليس المحاضر أو المقدم وإنما السمبوسة والشاي والحلويات التي سيضيف بها الحضور بعد الندوة!
ربع ساعة وإن زادت فنصف ساعة تنصت فيها هذا إن كان هناك مجال للإنصات إلى كلام المحاضر الذي تجده في استسلام تام لكل ما يجري حوله وإن كره ذلك! فالكثرة هنا تغلب الشجاعة والأسد يصبح فأراً عند إحاطته بمجموعة نعام!
أنا هنا لا أقيم ولا أعمم، بل أنقل واقعاً عايشته بنفسي، وهناك كثيرات أمثالي... وإن كنا نقلنا هذه الصورة فلكي نقف عند الجرح ونحاول دمله طالما الأساس واحد وهو النهوض بامرأة هذا المجتمع كي يضرب بها المثل حقاً... لا يهمنا أن تكون وزيرة أو سفيرة أو أيا كان... ما يهمنا أن تكون جديرة بلقب امرأة بحرينية سواء كانت طفلة أو شابة... ربة بيت أو عاملة... متزوجة أو غير متزوجة... في الريف أو المدينة.
امرأة هذا المجتمع لا أحسب ما ينقصها هو مساواتها بالرجل فقط، الذي باتت شعارا ترفعه كل الجهات والهيئات التي تعنى بالمرأة حتى أخذ المعنى على أنه انسلاخ تام عن كينونة المرأة وطبيعتها وفطرتها التي فطرها الله عليها فثارت في وجهه العواصف وما هدأت!
أحسب امرأة هذا المجتمع بحاجة إلى الكثير الكثير الذي يبدو أنها نفسها لم تعه بعد ولم تدرك جوانبه... فإن استطاعت الصحو من غفوتها فكان بها وإن لم تستطع فلا أظنها بحاجة إلى السمبوسة ولنبحث عن طريق آخر.
مع القراء
قارئة لها مكانة عزيزة في قلبي لما تحمله من روح المرح والاحترام، اتصلت تنقل إلينا حادثة مبكية مضحكة و«شر البلية ما يضحك»... تقول إن زوجها كان في إحدى دول شرق آسيا مبتعثاً من شركة الطيران التي يعمل لديها وصادف أن حدثت أعمال شغب وتقاذف بالقنابل وقتل وجرحى في هذه الدولة، فما كان بها إلا أن اتصلت بشركة الطيران باكية ومتوسلة إليهم عودة زوجها إليها «ولتذهب الـ 300 دينار في داهية» فالروح أغلى بكثير والحبيب لا يقدر بثمن ولو سنعيش معه على حصيرة... وبسرعة خاطفة كان زوجها معها!... لعل ذلك يزيدنا يقينا بأن للمرأة سلاحاً لا تضاهيه القنابل الموقوتة! وليتذكر هذا الزوج كلام زوجته دائماً: «لولا دموعي لكنت في خبر كان» فعاش السلاح الأبيض
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 752 - الأحد 26 سبتمبر 2004م الموافق 11 شعبان 1425هـ