ربما يكون هذا العنوان «لادغاً» في حد ذاته، غير أنه لا يعدو كونه افرازاً طبيعياً لمقترحات «لادغة» من بعض نوابنا الأفاضل تطفو على السطح بين فينة وأخرى، كما لا يعدو كونه ردة فعل لمواقف مخيبة للآمال «لدغت» أحاسيس الناخبين بتهميشها لهمومهم. في مصلحة من تصب تلك المقترحات بقوانين؟وخدمة لمن تؤدى هذه «الإنجازات»؟ ونيابة عمّن يقدم بعض نوابنا هذه المقترحات؟ طوال عامين مرّا من عمر المجلس بقيت هذه الأسئلة حائرة على شفاه الناخبين.
يختلط عليك «الحابل بالنابل» فلا تدري أن ذلك النائب ينوب عنك أم عن مصالحه أم عن الحكومة؟ وإلا بماذا تفسر مقترحات بقانون يراد بها حقن حقوقنا السياسية بإبر تخدير وشل حركتها؟ لاتزال تتكشّف لنا خفايا كثيرة تكتنف نوايا بعض «نوابنا»... لاحظوا، في كل مرة ينجلي الغبار عن مقترح بقانون يضحك على ذقون أبناء هذا الشعب «الغلبان» تنبري له الحكومة ولسان حالها يقول: «أدوّرها في السما لقيتها في الأرض»! يا للعجب... سرعان ما تهضم الحكومة هذه المقترحات وتمررها بسرعة البرق، بينما مقترحات أخرى - ربما يجد فيها الشعب متنفساً - إما أن ترفض بسرعة خاطفة أو تبقى معلّقة على «الرف الحكومي» لشهور طوال يسفي عليها الغبار.
وها نحن سننتظر لنرى حميّة النواب وغيرتهم على مصالح الشعب، مرة أخرى يرتقب الشعب موقفاً حاسماً للنواب تجاه قانون الجمعيات السياسية (الجائر) الذي يراد تمريره عبر مجلس النواب وباسم النواب سعياً لتكميم أفواه «الجمعيات الفاعلة» وبالتالي طمس الحقائق وتغييب الحقوق. فماذا أنتم فاعلون؟
إنصافاً، وعلى رغم بعض القيود التي تحدّ من صلاحيات المجلس الوطني فإننا لا نعدم بعض النواب الفاعلين، فئة قليلة تعمل في الخفاء وبعيداً عن الأضواء أحياناً، تسعى جاهدة للبحث عن مخرج هنا أو هناك لمشكلات عالقة منذ أمد بعيد. هذه الأيادي الكريمة لا بد لها من كلمة إنصاف ولابد لنا أن نشيد بها. قليلون من أثبتوا صدق نواياهم وقدموا لنا مواقف مشرفة، ثلة قليلة جداً تغطي وجودها وجهودها غالبية أمضت العامين من عمر المجلس إما «هائمة» وإما «نائمة»... غالبية كثرت أسفارها وقل عطاؤها.
وهذا ما يجعلنا أمام محك خطير. المحك الذي يحدد مسار الأمة وحقوقها. محك (الاختيار الصعب) الذي يحدده الناخب في يوم الانتخابات، من أنتخب؟! الكفاءة أم العباءة؟ وما دمنا ندرك أن فاقد الشيء لا يعطيه فلماذا نلجأ إلى المفلسين؟!
ما أكثر النواب!
يقيناً... ان ما يدور في أروقة المحاكم ودهاليز السياسة وحتى في مكاتب بعض الوزراء والمسئولين لهو أخف وطئاً على قلوبنا مما يدور في بعض الأحيان تحت قبة البرلمان من مقترحات بقوانين لن نجني منها سوى العناء وضياع الحقوق.
ربما يفترض البعض أن يكون هذا المقال قد جاء متأخراً، أو أنه سابق لأوانه أي (انتخابات 2006). بيد أنني أستشعر أهمية الطرق على الحديد بعد أن تكشفت الأمور، وبدا بعض نوابنا لا يأبه بما يقال وبما يحدث طالما انه حقق مآربه ووصل إلى مبتغاه من الدخول تحت هذه «القبة» التي تارة تكون رحمة وتارة تكون نقمة على الشعوب.
كثيرون أولئك النواب الذين تعجبك تصريحاتهم التي تملأ الخافقين فتتقاطر رأفة وانسانية، وكثيرون أولئك الذين تعجبك «كشختهم» وسياراتهم الفارهة التي لو جُمعت مبالغها ووُزِّعت على فقراء الشعب لَكُنّا بخير، وكثيرون أولئك الذين تغريك وعودهم ببسط الأرض ذهباً! هذه المغالطات، التي لم يحسب الناخبون لها حساباً، هي التي أودت بنا في هذه الهوّة السحيقة من المقترحات بقانون ومن التوقيع «بعشر أصابع» على عدم استجواب الوزراء المسئولين عن ضياع «التأمينات» وعن الفساد المالي.
هذا إذا كان الناخبون جميعهم أصحاب دراية ووعي بمن يختارون، أما إذا كان 90 في المئة منهم من الشيوخ والعجائز (اللاتي جُرجِرْنَ في الحافلات ليبصمن على ما لا يفقهن) ومن الأقارب المتعاطفين أو من ذوي السذاجة الذين يقولون لك: رشح فلاناً لأنه مسكين لا يعمل أو انتخب فلاناً لأنه «كشخة» وله معارف كثيرة... فتلك هي المصيبة. قبل فترة وجيزة استوقفني بيت من الشعر (معدَّل بتصرف) لطيف ومعبّر، يقول:
ما أكثر النواب حين تعدهم
لكنهم في المعضلات قليل
ابتسمت عند ذلك، وتذكرت حال نوابنا بين التصريحات النارية وازدواجية المواقف. يا لها من مفارقات صعبة نعيشها في بداية تجربة جديدة! وغداً سيذكرنا بها التاريخ حتماً
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 751 - السبت 25 سبتمبر 2004م الموافق 10 شعبان 1425هـ