«بعد تثبيت مبدأ الانتماء إلى هذه المملكة الغراء في قلب كل مواطن ترعرع على هذه الأرض الطيبة لابد من التأكيد أن لنا أشقاء في دول مجاورة شقيقة نتقاسم معهم الإسلام والعروبة والدم و... و... و... إذ كلنا نشكل كتلة واحدة تواجه المصير نفسه في السراء والضراء، ولا حدود تفصلنا أبداً»... هذا هو الدرس الأول الذي تلقاه سابقونا وتلقيناه نحن ومازال الطلبة يتلقونه اليوم من أولى خطواتهم نحو المدرسة إلى حين تخرجهم منها ثم يسمعون به إلى أن يحين موعد وفاتهم...
توحيد التعرفة الجمركية وإلغاء الحواجز المرورية بين دول أعضاء مجلس التعاون كانا من ضمن أهداف كثيرة مشتركة رددت على مسامعنا منذ الصغر وانتظرنا تلمسها على أرض الواقع... انتظرنا طويلاً حتى بزغت البشائر قبل وقت قصير جداً بقرار جواز العبور بين الدول الشقيقة بالبطاقة الشخصية فقط... ولا يهمني ما إذا كان هذا القرار قد أقر فعلاً أو لا، إذ ما أراه أن لكل طريق للإصلاح مقدمات تمهد إلى الإنجاز الكبير وتعتريها مطبات وصدامات كثيرة لكنها أبدا لا يمكن أن تقف حائلاً بينها وبين بلوغ الهدف المنشود...
مصدر هذا الحديث لفتة من أحد القراء الأعزاء ذكرتني بما واجهته في رحلة قصيرة إلى دولة الكويت الشقيقة، لا يمكن أن يشهد حوادثها إلا من أبعده ضيق جيبه عن تذاكر الطيران فاستقل حافلة تقودها إحدى «القوافل السياحية» التي يبدو أنها تزداد يوماً بعد يوم بتزايد الجيوب «اللي على قدر الحال»...
أود تجنب الحديث عن الاختناق المروري، الذي إن نظرنا إليه من ناحية إيجابية سنقول: «هكذا هي ضريبة التواصل بين الأشقاء»!... الكل يريد السفر فلنتحمل الازدحام... ولكن الحديث يجر أذياله ليطرح السؤال: ما مصدر هذا الازدحام وخصوصاً إن كان شعارنا «أشقاء بلا حدود»؟!
إجراءات جسر الملك فهد وساعات الانتظار الطويلة شربناها على مضض كوننا في حافلة يفوق عدد ركابها الأربعين فرداً... ولكن عند حدود الخفجي تستبدل الأمور فإن تمكنت من امتصاص غضبك وضيق صدرك فأنت لا شك إنسان حليم!
ونصيحة لمن أراد أن يخوض التجربة أو أجبر عليها لأي سبب كان... ما إن تطأ عجلات السيارة أرض هذه المنطقة عليك بحبس أنفاسك، وتجنب الضحك أو الابتسام فأنت بهكذا تصرف تجاري الوضع هناك وتتجنب المشكلات... أقفل موبايلك وتسمر في مكانك واتبع التعليمات بدقة وتجنب النواهي...
لا أظنني أبالغ في القول إني شعرت بأن روحي ستطفر من جسدي ما لم أغادر هذا المكان المرعب... وكأنني في الطريق إلى النيابة العامة وبانتظاري حكم قاس، وما إن يتثبت القاضي من براءة ذمتي حتى تكون الروح قد فاضت إلى بارئها.
إجراءات معقدة وخطوات كثيرة كان من الممكن اختزالها في خطوة واحدة... هذا ما إذا كنا فعلاً «أشقاء»... فما الداعي لإخلاء الحافلة والوقوف في الشمس لمدة ساعتين أو أكثر وما جرى بعد ذلك من أمور لا نعلم كيف صبرنا على تحملها؟! ومن حسن حظنا أن هناك أكثر من 30 راكباً بيننا يتوجهون إلى الكويت للمرة الأولى في حياتهم (وهذا معناه أننا سنتمتع بمناظر خلابة في هذه المنطقة الحدودية التي تزكم روائحها الأنوف) ، إذ ذلك يستدعي منحهم رقم دخول ثابت، وهذا يتطلب 5 دقائق لكل جواز من أجل إدخال البيانات في الكمبيوتر! ثم تركب الحافلة وبعد مترين تتوقف مرة أخرى وبعد متر توقف للمرة الثالثة... كل هذا في منطقة لا تتجاوز مساحتها مساحة أصغر قرية من قرى مملكتنا! وفي كل مرة افتح على الختم ثم يأتي الموظفان الاثنان الوحيدان اللذان قاما بكل هذه الإجراءات ليتأكدا من الختم ومن مطابقة الجواز لصاحبه... وأظن أن هذين الموظفين مخطئان بلاشك حينما وجدوا أن جميع الجوازات مطابقة لأصحابها، إذ لا اعتقد أبدا أن بعد التذمر المكبوت ستظهر ملامح الشخص مطابقة لصورته (الأنيقة) الموجودة في جواز سفره!
عموماً، انتهت الرحلة بخير وسلام ولكني رجعت بسؤال خائب: هل العبوس في وجه الأشقاء ضمان لسلامتهم؟! أم تراه يحمل معاني الدقة في تطبيق القوانين فلا تهاون ولا تساهل؟! ولكن ماذا يهم فكلنا في النهاية «أشقاء»
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 750 - الجمعة 24 سبتمبر 2004م الموافق 09 شعبان 1425هـ