العدد 750 - الجمعة 24 سبتمبر 2004م الموافق 09 شعبان 1425هـ

الشعر والحب والخروج على الوصفات الجاهزة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا يمكنك أن تعلّم أحدا كتابة الشعر، مثلما انه لا يمكنك أن تعلّم أحدا كيف يحب، فللاثنين مساحتهما من العفوية والبساطة، وإن بديا معقدين بعض الشيء، بل يمكن القول ان صعوبتهما تكمن في عفويتهما وبساطتهما، تماما مثلما البسيط من الأشياء التي لا نلتفت اليها ظنا منا بأننا تجاوزناها أو لأنها من دون مستوى امكاناتنا، فيما هي خلاف ذلك.

موهبة الشعر هي تماما مثلما الاستثمار، فحين يهبك أحد مبلغا من المال فتستثمره وتنمّيه، يدر عليك بعد سنوات آلافا وربما ملايين، بينما لو تم تجميد الهبة تلك أو تعطيلها فستظل تراوح مكانها، كما هو الحال مع موهبة الشعر، فهي لن تخلق حال الابهار والمتعة والدهشة اذا ما تم الاكتفاء بها على اعتبار انها موهبة وحسب، اذ لا يتأتى ذلك الا بمزيد من محاولة تغذية وتنمية تلك الموهبة عن طريق مزيد من التأمل والنظر بالحواس جميعها، لا بحاسة واحدة، وكذلك القراءة النابهة والنابعة من وعي كبير باختيار ما يضيف ويقفز بك من مرحلة التلقي فقط الى مرحلة الانتاج. وليس بالضرورة أن يكون الانتاج في صورة كتابة نص، بل ربما يأتي في صورة موقفك واستيعابك وادراكك لمستويات الفهم الذي يتحرك في محيطك، لتنتقل الى مستوى آخر يتحدد باضافتك الى ذلك الاستيعاب والادراك.

أعود لأقول: انه لا يمكنك أن تعلّم أحدا كتابة الشعر، مثلما انه لا يمكنك أن تعلّم أحدا كيف يحب، فالحب هو الآخر ينطلق أو يتأتى من العفوية والبساطة ذاتها، اذ لم يُذكر أن أحدا ممن أوتوا نصيبا من الحب شرع بوضع وصفة تؤدي اليه، فهو ضد الوصفات الجاهزة والخرائط والمخططات والتكيتك الذي يفسده ويضعه في خانة الاستيلاء والتملك. هو ضد ذلك وعلى خلاف معه. لغة بسيطة هو لكنها لاتصل درجة أن يعرفها ويكشف أسرارها وقواعدها كل من عنّ له ذلك، فالوصول الى كشف تلك اللغة رهين بالاستعداد الفطري والسهل في تدشين علاقات يمكن التنبؤ بنتائجها وثمارها وهي بذرة، بصدق التوجه وسلامة النفس وترويض حالات تنتاب تلك النفس وتتربص لتفكيك تلك العلاقات أو افسادها، والعلاقات ذاتها تنطبق على الشعر فالاثنان في حال من التوأمة ولا يمكن الفصل بينهما، فمن دون الحب لا يمكنك أن تكون شاعرا، ومن دون الشعر وعلى اختلاف مسمياته وصوره وعلاقاته لا يمكن أن تكون محبا، وليس بالضرورة أن يكون الشعر هنا نصا ضمن اشتراطاته الموروثة ونظامه المعهود وعلاقاته على مستوى اللغة والمضمون، اذ يمكن للجميل من المواقف أن تكون شعرا، والمعنى الكبير الذي تخلّفه وراءك حين تغادر أمكنة يمكن له أن يكون شعرا. وثمرة العلاقات الانسانية في أسمى وأروع صورها هي في واقع الأمر نصوص شعرية مذهلة، يمكنها أن تتفوق وتتجاوز النصوص الشعرية المكتوبة في أحايين كثيرة. وحركات المصلحين والثوار والممهدين لرخاء الانسان وسعادته وشيوع الأمن والاستقرار في وسطه هم في جملة الكبار الذين تركوا لنا نصوصا تمنحنا المزيد من التفاؤل والمقاومة ومواجهة الجانب المعتم من الحياة، ويظلون شعراء كبارا وإن لم يسطروا كلمة من نص متعارف عليه، وفي المقابل ثمة شعراء بالاسم واللون ولكنهم من دون رائحة، من دون معنى حقيقي تركوه وأسهموا في حضوره، كل ذلك بسبب انهم لم يعرفوا الى الحب سبيلا، ولم يكونوا نبلاء في الروح وان اصطنعوا النبل في اللغة التي يكتبون بها، وهم بذلك لا فضل لهم ضمن التشخيص الذي أنا بصدده إذ يعود النبل كل النبل الى اللغة التي صدّقوا وهما أنهم استغفلوها أو ربما استدرجوها لإبداء زينتها ومفاتنها لهم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 750 - الجمعة 24 سبتمبر 2004م الموافق 09 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً