إن مسئولية الناخب لم تنتهى مع الادلاء بصوته في صندوق الاقتراع واختيار المرشح والابتعاد عن الساحة وترك الحبل على القارب، بل على العكس من ذلك فإن المسئولية ومراقبة الناخب مراقبة لصيقة تدفعه للقيام بمسئولياته والعهود العملية التي قطعها على نفسه اثناء حملته الانتخابية ودعمه بكل الوسائل المتاحة والشرعية كي يحقق المشاريع والاهداف المرجوة التي تخدم الصالح العام.
هذا الدعم يجب ان يكون مؤثرا ويأخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية وسياسية وحقوقية وقانونية ومن أجل تحقيق هذا نحتاج الى ايجاد آلية عمل وأنظمة تتحول الى مجموعات ضغط تستطيع أن تؤثر على صانع القرار وتحركه في اتجاه الصالح العام، وقد يتطلب قيام نخبة من أهل الخبرة والاختصاص بتشكيل لجان على مستوي الدوائر الانتخابية ومن ثم المركزية التي تمثل مختلف أطياف المجتمع في محافظات المملكة مهمتها الأساسية التواصل بين النائب والقاعدة الجماهيرية عبر القنوات المختلفة من مجالس ومؤسسات اجتماعية تعمل على رسم الخطوط العريضة بتطلعات الشعب وتبني جسور الثقة المتبادلة بين أطراف المعادلة وعن طريق مبادرات تطوعية من عقد ندوات وملتقيات وحوارات وطنية هادفة بين هذه الأطراف والمهتمين بالشئون المحلية والحركة الاصلاحية. إن نجاح التجربة الديمقراطية تعتمد بالدرجة الأولى على التواصل والتلاحم والتفاعل فيما بين عناصر المعادلة والتعاطي بمنهجية المكاشفة الصريحة مع مراعاة الحقوق والواجبات في التحاور حول المجريات والأحداث، وهو الاسلوب الأمثل الذي يساعد في تعزيز مواقف النواب التفاوضية تحت قبة البرلمان ويغرس فيهم نبتة محاسبة الذات ويبعدهم عن التقاعس والتهاون والامبالاة ويدفع بهم في اتجاه تبني المبادرات والاصرار على تحقيق ما نص عليه الميثاق من عدالة اجتماعية.
إن العملية الانتخابية سواء على المستوى البلدي أو النيابي قدمت لنا نماذج مختلفة من المرشحين والناخبين ولسنا هنا بصدد تحليل هذه النماذج، ولكن المسيرة الانتخابية قد أفرزت لنا ناخبين ومرشحين من الطراز الأول. ومع أن هذه الشريحة كاننت قلة مقارنة بحجم المشاركة إلا أن هذه النخبة الطموحة والمسئولة سوف تكون نواة طيبة في غرس قيم وثقافة الديمقراطية في المجتمع. اتفق مع وجهة نظر محمد جابر الأنصاري في مقاله: (أقوى حماية للديمقراطية) والذي أكد فيه أنه ليست هناك ديمقراطية كاملة أو ناضجة والديمقراطية تصقل وتعمق من خلال الممارسة والتي يجب أن يدركها كل مواطن بحريني يساهم اليوم في دفع المسيرة الاصلاحية في بناء المجتمع الديمقراطي وخصوصا النواب في التعايش الحضاري وضمن مفهوم التعددية والحوار واحترام الرأي الآخر وبناء الثقة والالتزام بهذه المنهجية والانطلاق من القواسم المشتركة نحو المزيد والابتعاد عن سياسة إلغاء الآخر ونظرية فرق تسد والتكتلات الحزبية والطائفية والسعي إلى تصفة حسابات شخصية والتي هي من افرازات الماضي المظلم والتركيز على الصالح العام ووحدة الصف والمصالحة والتحرك في اتجاه الأهداف المستقبلية وتشكيل كتلة موحدة وقوية داخل البرلمان ترفع من شأن المجلس ومن قوته في تحقيق المطالب وتأخذ زمام المبادرة كسلطة تشريعية وليس كموظف في الحكومة لاحداث التغيير الذي ينتظره عامة الشعب ونبتعد عن الأنانية في استغلال الفرص لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية أو تقديم المصلحة الخاصة على حساب الأهداف الوطنية والمصلحة العامة.
نذكر جميع النواب بمن فيهم المعينين بأنهم اختيروا لهذه المسئولية عن طريق صناديق الاقتراع أو التعيين وأنهم مسئولون أمام الله والوطن والناخبين وأن التمثيل النيابي أمانة في أعناقهم وعليهم العمل وبكل اخلاص من دون كلل وملل في خدمة الوطن والمواطن وعدم الالتفات للأمور والأهواء الشخصية وأخذ العبر والدروس من تجاربنا في عهد الاستقلال وأن التاريخ سيحاسبنا ولن يغفر لنا إذ لم نستفد ولم نطور من الحركة الاصلاحية التي نمر بها، ونذكرهم بقوله تعالى: «أنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا» الأحزاب -72
العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ