العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ

واشنطن: رصاصة العراق لاتزال في جيبي!

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

تبدو الادارة الاميركية كمن ابقى الرصاصة الاخيرة في جيبه فيما خص حرب العراق. عاد المفتشون إلى بغداد، كما ارادت لهم الولايات المتحدة وليس الأمم المتحدة. لكن نذر الحرب لم تنقشع من سماء المنطقة. ولم تكف التهديدات، بل ربما زادت وزادت معها حدة تصريحات إدارة الرئيس جورج بوش، سواء تلك الموجهة لتحذير الرئيس صدام حسين أو لاستفزازه. وبين هذا وذاك تواصل الطائرات الأميركية والبريطانية دورياتها فوق مناطق حظر الطيران في شمال وجنوبي العراق، تراقب كل حركة وكل همسة، تقصف حين تشاء وتتغاضى حين تشاء، ثم تعود إلى قواعدها سالمة.

وقريبا ستجد هذه الدوريات وظيفة جديدة لها ربما في تبرير الحرب المقبلة. أعلنت الولايات المتحدة أنها تدخل ضمن بنود القرار الدولي الجديد 1441، من خلال مادة في القرار تقول ما معناه إنه يمنع على بغداد القيام بأي اعمال تهديدية لأي من الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن، لدى قيام الأخيرة بتطبيق أي من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعراق.

وتفسر واشنطن تصدي المضادات الأرضية العراقية لطائراتها باعتباره خرقا لتلك المادة، ما يستوجب معه العودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد يفسح المجال للعمل العسكري.

طبعا ليس متوقعا أن توافق باقي الدول الاعضاء في مجلس الأمن على التفسير الأميركي، للقرار 1441، لكن ذلك لا يهم واشنطن، التي لا تبحث عن التفسير بقدر ما تبحث عن المبرر لتنفيذ سياساتها.

ومثل هذه القضايا سيتكرر حدوثها في الآتي من الأيام، وبحيث يتحول القرار الدولي الجديد تدريجيا من تسهيل عمليات التفتيش إلى البحث عن ذرائع لشن الحرب. وستتحول جهود اعضاء المجلس من مراقبة تسلح العراق إلى محاولات دؤوبة ومستميتة لاثناء الولايات المتحدة عن القيام بعمل عسكري، في اطار جدل لن ينتهي عما اذا كان هذا التصرف من جانب العراق يعد خرقا متعمدا للقرار أم انتهاكا عرضيا له أم مجرد خطأ غير مقصود يمكن التسامح تجاهه.

إن المشكلة ليست في القرار الدولي نفسه أو تفسيراته، ولكن فيما وراء هذا القرار وما وراء التفسيرات. المشكلة هي أن الرئيس الأميركي وكذلك مسئولي ادارته صرحوا مرارا وتكرارا، بأن العراق نكث طوال السنوات العشر الماضية بوعوده فيما يتعلق بنزع اسلحة الدمار الشامل لديه، وليس هناك من سبب يدعوهم إلى تصديقه هذه المرة. وبالتالي ليس هناك من سبب يدعوهم إلى توقع شيء جديد خلاف ما يعرفونه أو ما يعتقدون انهم يعرفونه.

وهم يسهبون في الحديث عن حرب العراق مع ايران وعن غزوه للكويت، وعن ضرب مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيماوية، وعن تعامله الوحشي مع المعارضين وأشياء كثيرة يمكن أن تقال عن اي نظام عربي، مع تعديل بعض التفاصيل.

هذا يعني بصريح العبارة لمن يريد أن يفهم، أن الولايات المتحدة قد غسلت ايديها تماما من النظام في العراق، ولم يعد لديها الاستعداد للتعامل معه، أو التسامح حيال تأهيله من جديد. هذا يعني أنه مهما يفعل هذا النظام فلن ينال شهادة حسن السلوك الاميركية.

فما الذي ينتظر والحال هذه أن يفعل المفتشون في بغداد سوى أن يقوموا بدورهم (مع توافر كامل حسن النية والصدقية لديهم) في تعبيد الطريق امام الحرب. فهم حتى اذا قالوا انه لم يعد لدى بغداد اي سلاح من اسلحة الدمار الشامل، فلن ينهي ذلك المشكلة.

وكان يمكن للولايات المتحدة في أفضل الأحوال أن تتعامل مع العراق كما تتعامل حاليا مع كوبا أو كوريا الشمالية، أي اتباع اسلوب العزل والنبذ والمقاطعة. لكن المشكلة أن موقع العراق الجيوسياسي، وثرواته النفطية وحجمه في الخريطة الاقليمية، كلها تجعل من المستحيل على الاميركيين ان يتعاملوا وكأنهم لا يرونه. إذا الأمور كلها تسير نحو المواجهة المحتمة. وهو امر تدركه الحكومات الاوروبية والعربية وباقي حكومات دول العالم، على رغم انها تتصرف بواقع من ينتظر حدوث معجزة.

وحدها الولايات المتحدة تقول ما تريد وتعلن ما ستفعله، غير عابئة بمظاهر المعارضة للحرب سواء أتت على شكل مظاهرات من داخل اميركا نفسها أو من عواصم اوروبية وعربية او تصريحات من هنا وهناك، فهي لا تنيء تذكر الجميع: الرصاصة لاتزال في جيبي، ومن لا يعجبه فليشرب من مياه المحيط الاطلسي... وليس من بحر غزة

العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً