تباعد المسافات بين الإنسان ووطنه، لاسباب سياسية أو اقتصادية أو للدراسة وتحصيل العلم أو للسياحة والاستجمام... وهكذا، ولكن أشد ما يقلق المرء عليه هو الأهل والاصحاب والناس والوطن وقضاياه المركزية. ويجني الإنسان من الأسفار الفوائد العظيمة، وتبقى فائدة لا شك في استحصالها من السفر، أي سفر، وهي الصحبة أو الرفقة الصالحة... والتي تتمثل في أصحاب السفر، أي المرافقين والأصدقاء المسافرين، سواء لأجل الغرض نفسه أو خلافه، وكذلك من الأصدقاء في البلد المقصود زيارته.
والصحبة الصالحة، وتمحيص الأصحاب والأصدقاء في السفر هو أحد معايير معرفة الناس، كما يشير لذلك النبي (ص) في الحديث المروي عنه، إذ إنه حينما كان أحد الصحابة يسأل عن أحدهم وهل هو إنسان صالح إذ تقدم لخطبة إحداهن، فقال أحد الصحابة: إنه رجل لا غبار عليه، أي مردانه، ولكن النبي (ص) جاء رده بألطف العبارات وأثمن الكلمات، إذ قال (ص): «هلا تعاملت معه بالدرهم والدينار»، فقال الرجل: لا، فقال (ص) : هلا رافقته في سفر، قال الرجل لا، فقال (ص) إنك إذاً لا تعرفه».
وبالتفكر في معيار السفر، نجده أشمل وأوسع في تطبيقات الحياة المتعددة، ومن الممكن أن يستوعب المعيار الثاني (معيار التعامل بالدرهم والدينار) الذي لا يقل أهمية عن معيار السفر، وفعلاً لا تعرف الرجل إلاّ إذا رافقته في سفر، فإنك تعلم كيف يتصرف في المال، وتعلم كيف يتصرف ويتفاعل مع أي ظرف طارئ وبذلك فإنك تعرف طبيعة معاملته للناس، وكذلك تعرف أصول أخلاقياته وعبادته، وتنسكه وزهده، وتعرف عن صاحبك في السفر إن كان يحب مساعدة الآخرين أم لا، وتعرف أيضاً إن كان بخيلاً أم كريماً، وتبخس صاحبك إن كان من هواة الدرهم والدينار أم ماذا! وتتعرف على صاحبك إن كان ماجداً أم دونياً أنانياً لا يحب إلا نفسه. ولكن طبعاً يكون ثمن تلك المعرفة باهظاً إن كانت الرحلة مرهقة مادياً أو ذهنياً، وطبعاً يزيد من ذلك طول مدة السفر.
وفي السفر تكون «الفضائح مهلهلة» للبعض، ويُظهر السفر كل مخبوء، فمنهم من يتدثر بعباءة دينية وما أن ينزل بلاداً غريبة لا يعرفه فيها أحد حتى يتحرر من تلك العباءة ويستبدلها بلباس رقص «الديسكو»! وإحداهن تلبس الثياب التي تغطي سائر الجسد وما إن تصعد الطائرة حتى تذهب (طوالي) لتبديل الملابس، وتنزع ما «تبخترت به» في بلادها، ولكن على ماذا يدل ذلك، وما أسبابه النفسية والموضوعية؟ ذلك ما تجب معرفته.
هكذا السفر، وهذا «بعض» ما يُظهره من مخبوءات البشر... والله المستعان
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ