بعض الزعامات يُخيل إليها وتأخذها النرجسية بالإثم، فترى في نفسها انها صالحة لكل المواقف والظروف ولمختلف المواقع، وترى نفسها مؤهلة لقيادة تيار ديني، وفي الوقت نفسه قادرة على المناورة السياسية. وعلى رغم تديّنها والتزامها الديني تراها تخالط النساء، بل وتنتظر اللطف منهن، وفي الوقت ذاته تحرم النظر إلى النساء إذ «إن العين تزني وزناها النظر»، وهو رجس من عمل الشيطان!
وتتقلب هذه الزعامات ذات اليمين فتراها خاضعة لباب السلطان، وتنقلب ذات الشمال فتراها على المنابر تفرغ شحنتها الجهادية، وتدعو لجهاد أميركا، ولا نعلم سر هذا التبديل من لباس التقوى والورع إلى لباس المداهنة ولعبة الكر والفر السياسية. وفيما تدافع عن مصالح العصبية القبلية فعلاً والأفعال، في الوقت ذاته تعلن ميلها ووقوفها مع الطبقات المسحوقة الكادحة من أبناء الشعب بالقول واللسان فقط! وإن سألت عن تلك المواقف وتناقضاتها فإنك وقعت في المحظور، فالويل لك والثبور من أعضاء الدائرة الكهربائية المحيطة بها إحاطة القلادة بجيد الفتاة! تلك حال بعض الزعامات التي (والناس لهم الظاهر) تريد ان تتربع على الكرسي النيابي لتدافع عن الشعب المسحوق ظلماً، وعينها على الكعكة اللذيذة على مائدة السلطان! وتُكفّر تلك الطائفة وتلعن الطائفة الأخرى وتسفه أحلام طوائف أخرى، وهكذا! فهل بعد النور إلاّ الظلام وما وراء الإيمان إلا الكفر، وما غير الجنة سوى النار.
هذه الزعامات تطمح في الكرسي النيابي والفوز به، وفي الوقت ذاته تعلن براءتها وعدم حبّها للمنصب! وتدعو الناس للتقشّف والاقتصاد في المعيشة، وفي الوقت ذاته تركب «البي ام دبليو» الجديدة بكامل الفخامة والأبهة وبالسائق أيضاً! وتقوم بتلقين طلبة العلوم الدينية المأثورات التي تحث على حرمة الاختلاط مع النساء وعلى الأخص منهن المتبرجات، وهي تتمايل طرباً على أصواتهن و«تبحلق» عيونها على شعورهن و«كذلهن»! فماذا تبقى من الصدقية؟!
هذه الزعامات، تستحوذ على المناصب وتتقدم المناسبات الاجتماعية والدينية والسياسية المختلفة ذات الوجاهة، فمن رئيس جمعية خيرية أو نائب رئيس أو عضو في تلك الجمعية إلى رئيس جمعية سياسية إلى شيخ طريقة، أو من طبيب متخصص في فوائد الخضراوات والفاكهة وما لذ وطاب على الموائد الرمضانية إلى منصب برلماني. ومن استقبال لمجاميع فقهية والمشاركة في ندوات دينية وخطب منبرية إلى استقبال وفد أممي وإلى لقاءات متعددة مع الأميركان الذين تلعنهم في الصباح وتربت عليهم حنواً في المساء، ومن لقاء وتجمع سياسي يضم أطيافاً مختلفة وطوائف جمة هي تدعو عليهم صبح مساء، ولكن تصافحهم بحرارة في تلك المناسبات!
هذه بعض سمات الزعامات التي تناولها حديثي مع الأخ محمد غريب «بوحسن»، والذي كان طامحاً، على رغم ذلك، في إصلاح البيت من الداخل، فأولاً أبعدوا هذه الزعامات وافسحوا المجال وقوموا بتهيئة الظروف للكوادر المخلصة والشابة في الجمعية، وأزيلوا دائرة المقدس، ووطّنوا في أبناء الحركة حب الخير أولاً وفعل الخير ثانياً، ولكن لا تنس حب الخير للجميع... فالناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 745 - الأحد 19 سبتمبر 2004م الموافق 04 شعبان 1425هـ